مدينة الأمير عبد العزيز بن مساعد الاقتصادية

مدينة الأمير عبد العزيز بن مساعد الاقتصادية

تعتبر المملكة من الدول التي تحرص على جذب الاستثمارات الأجنبية وتقديم التسهيلات والامتيازات للشركات الراغبة في الاستثمار في المملكة، وقد خطت بذلك خطوات مشجعة وسريعة باجتذاب عدد من الشركات العالمية وباستثمارات مالية كبيرة حيث تعد المملكة من أكثر الدول العربية الجاذبة للاستثمار ودخلت رؤوس الأموال المستثمرة في كل المجالات والأنشطة الاقتصادية. وقد هيأت المملكة للمستثمرين مدينتين صناعيتين متخصصتين للصناعات البتروكيماوية إضافة إلى المدن الصناعية المتوافرة في كل مدن المملكة ومع زيادة المنافسة العالمية بين الدول في جذب الاستثمارات وتشجيع المستثمرين ظهرت فكرة إقامة مدن اقتصادية، وهي امتداد للمدن الصناعية التي انتشرت سابقا إلا أن ما يميز المدن الاقتصادية هو تكاملها وتوافر جميع الخدمات والتجهيزات مع الالتزام بإنهاء كل الإجراءات والتراخيص المطلوبة من المستثمرين من مكان واحد وفي وقت قياسي، ولم تغفل المملكة هذا التوجه الحديث في استقطاب الاستثمارات الأجنبية والمحلية حيث بادر المجلس الاقتصادي الأعلى بالموافقة على إقامة عدد من المدن الاقتصادية والمراكز المالية ومدن تقنية المعلومات لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة ومتوازنة من خلال المدن الاقتصادية باعتبارها من أهم الروافد اللازمة لتنمية الاقتصاد الوطني ولتنويع مصادر الدخل ولتحسين المستوى المعيشي للمواطنين.
وما يشكر عليه المجلس الاقتصادي الأعلى هو التوزيع الجغرافي للمدن الاقتصادية على مناطق ومدن جديدة من المملكة مما سوف يسهم في تنمية هذه المدن وتطويرها وتحسين مستوى الدخل للساكنين فيها وخلق فرص عمل جديدة فيها. ولم يغب عن بال المخططين للمدن الاقتصادية صعوبة إقامة مشاريع جديدة في المدن الكبيرة أو المدن الصناعية الحديثة لازدحامها ولعدم قدرة البنية التحتية فيها على استيعاب مشاريع جديدة واستثمارات مالية إضافية ولمحاولة إعادة التوزيع السكاني على مناطق المملكة بشكل مدروس جغرافيا والحد من هجرة سكان المناطق الصغيرة للمدن الكبيرة.
وتعد مدينة الأمير عبد العزيز بن مساعد الاقتصادية في حائل من أحدث المدن الاقتصادية وأكبرها مساحة حيث تبلغ مساحتها 156 مليون متر مربع تقريبا وتعتبر من أكبر المدن الاقتصادية على مستوى العالم. ولم يكن اختيار موقع المدينة اجتهادا، بل تم بدراسة وتخطيط، حيث يعتبر من المواقع الاستراتيجية المهمة لتوسطها من المملكة ولكونها تقع على تقاطع الخطوط الملاحية الجوية العالمية وما يتطلب ذلك من احتياج النقل العالمي لخدمات مساندة جوية وأرضية من المدينة وتميز موقعها ليس للمملكة فقط بل يشمل منطقة الشرق الأوسط حيث تبعد بالطائرة لمدة ساعة واحدة فقط عن 11 عاصمة عربية.
وقد بدأ العمل في الدراسات والمخططات التفصيلية للمدينة، وكذلك دراسات الجدوى الاقتصادية والفنية والتسويقية، وسوف تضم المدينة مركزاً للإمداد والخدمات اللوجستية ومطارا دوليا للاستفادة من موقعها المميز بالنسبة للطيران العالمي ومحطة للسكك الحديدية وميناء جاف لشحن ونقل وتوزيع البضائع التي يتوقع أن تسهم في نقل 1.5 مليون طن تقريبا. وسوف تحتوي المدينة على محطة للمسافرين برا التي من المتوقع أن تتمكن من نقل نحو 2.3 مليون راكب سنويا ومنطقة للصناعات الغذائية والزراعية للاستفادة من القيمة المضافة للمنتجات الزراعية المتوافرة في منطقة حائل ومنطقة للتعدين والصناعات التعدينية لقربها من مناطق استخراج الفوسفات وبعض المعادن ومنطقة للصناعات التحويلية لتوافر المواد الخام الأساسية والمقومات الرئيسية لهذه الصناعات وسوف تجهز المدينة بجميع متطلبات البنية التحتية، إضافة إلى مراكز للخدمات المساندة ومراكز لرجال الأعمال لتهيئة الظروف وتسهيل الإجراءات على المستثمرين. ولم تغفل الهيئة العامة للاستثمار من أن المدن الاقتصادية في تخطيطها يجب أن تكون مدنا شاملة لذا تحتوي المدينة على مناطق سكنية وتعليمية وترفيهية وخدمية متكاملة ويبلغ حجم الاستثمار في المدينة أكثر من 30 مليار ريال، ويمكن زيادته حسب طلبات المستثمرين مستقبلا ومن المتوقع أن توفر المدينة أكثر من 30 ألف فرصة وظيفية للمواطنين مما يسهم في إعادة تأهيل وتدريب الكوادر الوطنية حسب حاجة الشركات ومتطلبات سوق العمل في هذه المدن. ونظرا لتوافر المقومات السياحية والتاريخية والأثرية في المنطقة، فمن المتوقع أن تجتذب المدينة أكثر من 700 ألف سائح سنويا مما يتطلب معه زيادة الاستثمارات السياحية وإعداد البرامج السياحية الملائمة والتشجيع على السياحة الداخلية.
وما نتمناه من الهيئة العامة للاستثمار ومن القائمين على المدن الاقتصادية جميعها أن يسهموا في دعم وتشجيع معاهد ومراكز التدريب سواء الحكومية أو الأهلية في افتتاح فروع لها في المدن الحديثة التي ستقام فيها مدن اقتصادية، وأن يفتحوا تخصصات جديدة تتوافق مع متطلبات وحاجة هذه المدن والمصانع والشركات الوظيفية، وأن يفرض على الشركات المستثمرة في هذه المدن تأهيل وتدريب الموظفين السعوديين لخلق كفاءات وطنية قادرة على العمل في المصانع والشركات والمشاريع الجديدة.
ويجب أن تدعم السعودة في هذه المدن بحيث يتم اشتراط نسبة سعودة للوظائف قبل الحصول على الرخصة اللازمة لهذه الشركات، أو المصانع، وأن يكون توظيف وتدريب السعوديين ملزما لجميع الشركات وأن تكون السعودة أحد الأهداف الرئيسية للمدن الاقتصادية للإسهام في حل المشاكل العديدة المترتبة على البطالة.
ويجب أن تتخذ القيادة قرارات شجاعة وقوية وجريئة في فتح المجال بشكل أوسع لخلق فرص عمل جديدة للمواطنة السعودية، وأن تكون هذه المدن انطلاقة جديدة لعملها ومشاركتها الوطنية، وأن يكون هذا القرار مدعوما من جميع الجهات والمصالح الحكومية والتعليمية والأكاديمية، وألا توضع أمامها العراقيل والأسباب الوهمية لإبعادها عن العمل في المدن الاقتصادية. ويجب أن يكون الدعم من منظور وطني للمصلحة المستقبلية لتمكين المواطنة السعودية من العمل في مجالات حديثة ومتطورة غير المجالات التعليمية أو الطبية. وكانت تجربة المواطنة السعودية الوظيفية ناجحة جدا وبكل المقاييس وفي جميع الأعمال التي أوكلت بها سواء التعليمية أو الطبية أو الإدارية، وسوف يسهم عملها في تحسين مستوى الدخل للأسرة السعودية مما يسهم في حل كثير من المشكلات الاجتماعية الناتجة عن محدودية الدخل علما أنه في عملها سيتم الاستغناء عن أعداد كبيرة من العمالة الوافدة، خاصة في المجالات الإدارية وأعمال الكمبيوتر والسكرتارية، وكذلك سوف تسهم من خلال عملها في تقليل عدد البطالة في المجتمع وسوف تصبح المواطنة مشاركة ومنتجة في العمل وبشكل أفضل من المرحلة السابقة، وسوف تكون مساهمة في التنمية الوطنية وعضوة عاملة في المجتمع. والله الموفق.

<p><a href="mailto:[email protected]">ali_alajlan@yahoo.com</a></p>

الأكثر قراءة