المسؤولية الاجتماعية للأعمال ودورها المرتقب في دعم الاقتصاد

<a href="mailto:[email protected]">salihalam@yahoo.com</a>

سينظم بعد أيام قليلة وتحديدا في 28 من أيار (مايو) مؤتمر كبير في الرياض موضوعه الرئيسي هو "المسؤولية الاجتماعية" وهذا أمر مفرح، حيث إن هذا الموضوع له من الأهمية ما يجعله من حقول البحث و الدراسة الحيوية في دول العالم المتقدمة التي اهتمت به منذ فترة طويلة وأدخلته ضمن مناهجها الدراسية وقامت بحملات توعية واسعة من أجل حث الشركات وأصحاب رأس المال على تبني هذه المسؤولية والإنفاق في هذا الجانب مساعدة للحكومة في حل مشاكل المجتمع. إن مساهمة الشركات في دعم بعض الأنشطة الاجتماعية يفرض بقانون ينص على إلزام الشركات بالصرف على جانب اجتماعي يؤدي إلى حل مشكلة اجتماعية أو على الأقل جزء منها مثال ذلك عندما تنص قوانين بعض الدول على أن تقوم شركات الأعمال بتوظيف عدد من المعوقين في وظائف معينة أو كنسبة مئوية من إجمالي الوظائف الكلية في تلك الشركة هنا نجد ما يسمى الإلزام الاجتماعي، لأنه فرض فرضا و لم يأت بمبادرة طوعية من قبل الشركة. إن تطوع الشركات ذاتيا دون أي إلزام قانوني هو ما يعتبر مسؤولية اجتماعية أو التزاما من جانب الشركة أو صاحب رأس المال بالإنفاق على أحد أوجه النشاط الاجتماعي. إن الباعث الرئيسي على تحمل الشركات للمسؤولية الاجتماعية وإحساسها بوجوب الالتزام اجتماعيا جاء بسبب النقد الكبير الذي يوجه إلى الشركات وأصحاب رأس المال، حيث تتكدس الأرباح دون مراعاة للكثير من المشاكل التي يعاني منها المجتمع، فضلا عن مساهمة هذه الشركات بالتلوث البيئي وتآكل المساحات الخضراء وغيرها من المشاكل الخطرة.
إن الأهداف التي كان يتوخاها أصحاب الأعمال في بداية الثورة الصناعية كانت تتمحور حول الأرباح أولا وتحقيق أعلى إنتاجية ممكنة وأكبر كمية من الإنتاج ورافق ذلك استغلال وتعسف بحق العاملين، فضلا عن تشغيل للنساء والأحداث ولساعات طويلة وبأجور قليلة في ظل ظروف سيئة، لكن العدد القليل للمصانع فضلا عن حاجة الناس إلى العمل والكسب وعدم الاستهلاك الكثيف للوقود حيث لم تكن هناك سيارات، كل ذلك لم يؤد إلى تلوث بيئي كما هو عليه اليوم، لذلك لم تكن هناك أية اهتمامات أو دعاوى لتبني مسؤولية اجتماعية. أما اليوم وبعد تطور الحياة واستنزاف الموارد والتأكيد على حقوق الإنسان فقد تعالت الأصوات لحماية العاملين والبيئة وهذه أهم عناصر المسؤولية الاجتماعية التي يعرفها العالم اليوم.
لقد أصبحت المسؤولية الاجتماعية اليوم عقدا بين المنظمة والمجتمع، تلتزم شركات الأعمال بموجبه بإرضاء المجتمع والإنفاق على ما يحقق المصلحة العامة، وطبعا فإن هذا الإنفاق يمثل جزءا من أرباح هذه الشركات، ولكن على أي أنشطة يجب الإنفاق أولا؟ وكم هي الجهات التي يجب أن تستفيد من هذا الإنفاق؟ وهل تقتنع بذلك؟ هذه أسئلة حاولت الكثير من الدراسات الإجابة عنها وتبلورت من خلال هذه الدراسات نظريات وطروحات أغنت هذا الموضوع بشكل كبير. إن عدد المستفيدين أو أصحاب المصالح الذين يطالبون شركات الأعمال وأصحاب رأس المال بالإنفاق الاجتماعي في تزايد وهذا أحد أوجه النقد الموجه إلى الرأي الداعي لأن تتبنى الشركات مسؤولية اجتماعية وعلى رأس الذين ينادون به هو ميلتون فريدمان Milton Friedman الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد الذي يدعو إلى عدم إنفاق الشركات أي أموال على الأنشطة الاجتماعية وأن تحقيق الأرباح وتقديم سلع خدمات بأسعار معقولة هو أكبر مسؤولية اجتماعية وأعظم خدمة للمجتمع. كما أن الأرباح الكثيرة تساعد في التوسع وخلق فرص عمل تحل مشكلة البطالة والعكس صحيح. إن هذا التبرير المنطقي لا يقنع الكثيرين، فالدراسات التي أجراها عدد كبير من الباحثين أشار إلى أن الصرف على الأنشطة الاجتماعية من قبل الشركات يؤدي إلى مردود مستقبلي ويحسن صورة هذه الشركات في المجتمع وقبولها، الأمر الذي يؤدي إلى تعاون شرائح المجتمع مع هذه الشركات ودعمها، كما أن الدولة ستستفيد لأن هذه الشركات تتحمل مكانها جزءا من الخدمات التي يجب أن تقوم بها. إن التكافل الاجتماعي بين مختلف شرائح المجتمع سيتعزز ويخلق شعورا عاليا بالانتماء، خصوصا من قبل الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يعانون التأهيل المهني القليل أو الشباب عديمي الخبرة الفنية.
إن الدعم الذي سيتحقق للاقتصاد الوطني بشكل عام وعلى المدى البعيد يتأتى من المزايا التي تتحقق من منع الاحتكار وعدم الإضرار بالمستهلكين واحترام قواعد المنافسة وعدم إلحاق الأذى بالمنافسين. كذلك فإن قوانين حماية المستهلك من خلال عدم المتاجرة بالمواد الضارة وحماية الأطفال صحيا وثقافيا، فضلا عن حماية المستهلكين من المواد المزورة والمزيفة هي دعم غير مباشر للاقتصاد.
إن حماية البيئة هي العنصر الأبرز اليوم الذي يمكن أن يحقق وفورات اقتصادية مستقبلية من خلال عدم استنزاف الموارد ومنع تلوث المياه والهواء والتربة وصيانة الموارد وتنميتها وليس استهلاكها فقط.
إن الالتزام باحترام مبدأ تكافؤ الفرص وإسناد الوظائف إلى الأكثر كفاءة وتأهيلا هو مسؤولية اجتماعية عظمى لها مردود اقتصادي كبير وتؤدي إلى استقرار اجتماعي وثقة بالمؤسسات وهذا لا يقل أهمية عن تخصيص جزء من الأرباح لدعم البنى التحتية من طرق ومتنزهات ودعم للأنشطة الثقافية والرياضية. وفي حالات مثل الكوارث الطبيعية أو الطوارئ فإن المجتمع والحكومة يتوقعان مساهمة فاعلة من قبل منظمات الأعمال، وهناك مؤسسات كبرى في العالم كان لها دور مشهود في مكافحة المجاعات التي حصلت في دول أخرى مثلا. وفي عالم اليوم فإن تطوع الكثير من الشركات لأن تكون حاضنات أعمال تسهم في دعم المبدعين وتحويل أفكارهم إلى مشاريع فعلية ومنتجات يعد إسهاما اجتماعيا مهما ينعكس إيجابيا على تنمية الاقتصاد. بالطبع لا يمكن لأي شركة أن تقوم بالصرف على هذه القائمة الطويلة من الأنشطة الاجتماعية، لأن الكلفة باهظة، ولكن لو بادرت كل شركة عن طريق برنامج لتبني المسؤولية الاجتماعية وعلى مدى زمني يمتد لعدة سنوات بتنفيذ مشاريع بسيطة أولا فإنها ستجد نفسها بعد عدة سنوات وقد أصبح لها برنامج اجتماعي متكامل ولتكن البداية مثلا بالصرف على احتياجات اجتماعية للعاملين داخل الشركة نفسها والمجتمع المحلي المحيط بها. إن الأمر لا يقتصر على شركات الأعمال فقط، بل إن الأفراد من أصحاب رأس المال والموسرين يمكن أن يحلوا الكثير من مشاكل المجتمع المختلفة ليس عن طريق أعمال الخير والإحسان المباشرة، بل بإقامة مشاريع على المدى البعيد.
إن المجتمع هو وعاء الاقتصاد وأن أي تطور في المجتمع سينعكس إيجابيا على الاقتصاد وبالعكس، لذا فالصرف على الأنشطة الاجتماعية هو استثمار اقتصادي بعيد المدى وهناك ارتباط قوي ـ حسبما تشير الدراسات ـ إلى تحسن الأداء و ارتفاع الأرباح عندما تتبنى الشركات المسؤولية الاجتماعية. إن الكثير من الشركات العربية لديها مساهمات اجتماعية بشكل أو بآخر، ولكن أغلبها يفتقر إلى برنامج منهجي مستمر وواضح المعالم وله دور محسوس في المجتمع والاقتصاد إلا ما ندر، لذا ندعو إلى القيام بحملات توعية واسعة للحث على تبني المسؤولية الاجتماعية وأن تدخل كمادة دراسية في مناهج الجامعات والمعاهد وأن يبادر الإعلام إلى أخذ دوره في التوعية والإشادة بالجهات التي لها مساهمات مميزة في هذا المجال.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي