حوار قانوني حول المسألة النووية الإيرانية
يعتبر أسلوب الحوار أحد الأساليب الأدبية الراقية للتعبير عن الرأي خصوصا في مجال النقد وإبداء الآراء المتعارضة حول أي شأن أو مسألة, وكان الأديب الكبير الدكتور طه حسين، يرحمه الله، هو رائد هذا الأسلوب في النثر العربي الحديث حيث ألف كتابا ممتعا بعنوان "جنة الشوك", وقد راق لي أن أجرب هذا الأسلوب في الكتابة فكان هذا الحوار.
(1)
قال المحامي الفتى لأستاذه الشيخ: تصاعدت أزمة البرنامج النووي الإيراني إثر إعلان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد, أن بلاده نجحت وللمرة الأولى في تخصيب اليورانيوم, ولقد استرعى انتباهي تصريح منسوب لكوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية, قالت فيه إنه إذا تعذر التوصل إلى تسوية لهذه الأزمة في إطار الأمم المتحدة فإن الولايات المتحدة الأمريكية يحق لها أن توجه ضربة عسكرية إلى إيران دفاعا عن النفس سواء وحدها أو مع حلفائها, لأن هذا الحق من وجهة نظر الوزيرة الأمريكية لا يتطلب قرارا من مجلس الأمن الدولي. ما مدى صحة كلام الوزيرة الأمريكية من الناحية القانونية؟
قال المحامي الشيخ لتلميذه الفتى: يكون الشخص في حالة دفاع شرعي عن النفس عندما يتعرض لخطر فعلي يهدد حياته أو عرضه أو ماله, فيضطر إلى اللجوء إلى القوة لدفع هذا الخطر, وتعترف الأنظمة القانونية الداخلية بحق الإنسان في استخدام القوة في حالة الدفاع عن النفس ونضع لاستخدام هذا الحق الضوابط المناسبة, كذلك يعترف القانون الدولي العام بحق الدولة باللجوء إلى القوة في الدفاع عن نفسها وقد أقر ميثاق الأمم المتحدة صراحة هذا الحق, إذ نصت المادة 51 منه على ما يلي:
(ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينقص الحق الطبيعي للدول, فرادى أو جماعات, في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء "الأمم المتحدة" وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين, والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالا لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا, ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس ـ بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمدة عن أحكام الميثاق, من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدوليين أو إعادته إلى نصابه).
وترى غالبية فقهاء القانون الدولي أنه لا يمكن فهم المادة 51 من الميثاق دون الربط بينها وبين المادة 2/4 من الميثاق التي وضعت المبدأ العام وهو حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية. ولهذا فإن ما قررته المادة 51 من مشروعية استخدام القوة للدفاع عن النفس هو استثناء على مبدأ الحظر. وهناك استثناء آخر تجيزه قواعد القانون الدولي وهو حق الشعوب في الكفاح المسلح من أجل تقرير المصير والتحرر من السيطرة الأجنبية.
ولقد وضعت المادة 51 ثلاثة شروط لاستخدام حق الدفاع الشرعي عن النفس, وهي:
أ ـ وجود حالة اعتداء مسلح وهذا يعني وقوع هجوم مسلح فعلي حتى يثبت الحق في الدفاع الشرعي, أما مجرد احتمال وقوع العدوان فلا يبرر استخدام هذا الحق.
ب ـ أن تمارس الدولة المعتدى عليها حق الدفاع الشرعي إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين.
ج ـ خضوع حق الدفاع الشرعي عن النفس لرقابة مجلس الأمن.
لذلك نقول إن مجرد امتلاك إيران للتقنية النووية أو الأسلحة النووية لا يمكن وصفه بأنه يشكل اعتداء مسلحا على الولايات المتحدة الأمريكية, وبالتالي فإنه لا يسوغ قانونا للولايات المتحدة استخدام القوة المسلحة ضد إيران استنادا إلى حق الدفاع عن النفس لعدم توافر شروط استخدام هذا الحق. وإذا استخدمت الولايات المتحدة القوة المسلحة ضد إيران بدون أي سند قانوني صحيح تكون قد ارتكبت جريمة العدوان كما ارتكبتها من قبل ضد العراق.
(2)
قال المحامي الفتى لأستاذه الشيخ: ألم يدهشك تصريح الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش أنه لا يستبعد أن توجه بلاده ضربة نووية تكتيكية لإيران لمنعها من تطوير أسلحة نووية؟
قال المحامي الشيخ لتلميذه الفتى: وما يدهشك من ذلك؟
قال المحامي الفتى لأستاذه الشيخ: لأنه خطير ثم كيف تهدد الولايات المتحدة باستخدام السلاح النووي بينما تزعم أنها تعمل على حماية الإنسانية بمنع انتشار الأسلحة النووية؟
قال المحامي الشيخ لتلميذه الفتى: لا أستغرب هذا التناقض, فالولايات المتحدة التي تمارس ضغوطا شتى على دول العالم ـ ما عدا إسرائيل ـ لإجبارها على الانضمام إلى اتفاقية منع الانتشار النووي والالتزام بأحكامها, رفضت التوقيع على اتفاقية الحظر الشامل للتجارب النووية, ثم لا تنس أن تاريخ الولايات المتحدة حافل بالاستهتار بقواعد القانون الدولي. وأنا أتفق معك أنه تصريح خطير, وهو إن دل على شيء فإنما يدل على أنه لا ضمان لدرء مخاطر الإبادة والهلاك عن البشرية إلا بنزع أسلحة الدمار الشامل من جميع الدول دون استثناء دولة كبرى أو صغرى.
(3)
قال المحامي الفتى لأستاذه الشيخ: تقدمت فرنسا وبريطانيا بمشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي, يطالب إيران بتعليق برنامجها لتخصيب اليورانيوم دون الإشارة إلى فرض عقوبات, ومع ذلك اعترضت روسيا والصين على هذا المشروع, ما تعليل ذلك؟
قال المحامي الشيخ لتلميذه الفتى: لأن مشروع القرار استند إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة, والذي يسمح باستخدام جميع أنواع الجزاءات بما في ذلك القوة المسلحة في حالة مخالفة قرارات مجلس الأمن الصادرة بناء على هذا الفصل. وتخشى روسيا والصين أن تستغل الولايات المتحدة هذا القرار ـ إذا صدر ـ لتبرير أي هجمات عسكرية قد تشنها في المستقبل ضد إيران.
(4)
قال المحامي الفتى لأستاذه الشيخ: أكد المسؤولون الإيرانيون في العديد من المناسبات أن برنامج إيران النووي مخصص لاستخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية, فما الأساس القانوني للاعتراضات الأمريكية والأوروبية على هذا البرنامج؟
قال المحامي الشيخ لتلميذه الفتى: لا تنهض هذه الاعتراضات على أساس قانوني صحيح لأن اتفاقية حظر الانتشار النووي تجيز للدول المتعاقدة استخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية, ولذلك فإن روسيا أكدت أنه لا يمكن الحديث عن فرض عقوبات ضد إيران بدون وجود أدلة دامغة تثبت وجود برنامج نووي عسكري إيراني, كما أن روسيا رفضت طلب الولايات المتحدة وقف تعاونها النووي مع إيران ولا سيما في محطة بو شهر معلنة أن لكل دولة حرية اختيار الطرف الذي تريد التعاون معه.
(5)
قال المحامي الفتى لأستاذه الشيخ: لكن الولايات المتحدة تخشى أن يتحول البرنامج النووي الإيراني إلى المجال العسكري؟
قال المحامي الشيخ لتلميذه الفتى: هذه الخشية لا تخلو من وجاهة وتوجد أساليب قانونية عديدة تحت مظلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية يمكن اللجوء إليها لضمان استخدام إيران الطاقة النووية في الأغراض السلمية, ولا تنس أن جون نجروبونتي رئيس أجهزة الاستخبارات الأمريكية صرح بأن إيران ما زالت بحاجة إلى عدة سنوات قبل أن تتمكن من صنع سلاح نووي. وإذا كانت الدول الغربية تخشى من احتمال تحول البرنامج النووي الإيراني للأغراض العسكرية, فلماذا تسكت عن واقع خطير يتمثل في امتلاك إسرائيل ترسانة عسكرية نووية؟
(6)
قال المحامي الفتى لأستاذ الشيخ: برر بعض المسؤولين الأمريكيين سكوت الغرب عن الترسانة الإسرائيلية النووية بأن إسرائيل لم تنضم إلى اتفاقية حظر الانتشار النووي.
قال المحامي الشيخ لتلميذه الفتى: هذا التبرير يؤكد الرأي القائل إن الولايات المتحدة والدول الأوروبية ترى إسرائيل دولة فوق القانون, وأن ذلك يباح لها ما يحرم على غيرها. إذ لو كان الغرب يرى وجوب التزام إسرائيل بالقانون الدولي لإرغامها على الانضمام إلى اتفاقية حظر الانتشار النووي كما أرغم الدول العربية وغيرها من دول العالم الثالث على الانضمام لتلك الاتفاقية.
ومما يزيد هذا الرأي تعضيدا وتأكيدا أن الولايات المتحدة وأوروبا تتجاهل قرارات عديدة أصدرتها الأمم المتحدة بشأن الترسانة النووية الإسرائيلية، ومنها القرار رقم 487 الذي أصدره مجلس الأمن في 1981، وطالب بموجبه إسرائيل في أن تخضع مفاعلها النووي إلى رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
كما صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 47/55 في 9/12/1992، والقرار رقم 48/78 في 16/12/1993، والقرار رقم 5/48 في 10/12/1996، وقد تضمنت هذه القرارات شجب سياسة إسرائيل النووية وطالبتها بتوقيع اتفاقية حظر الانتشار النووي. أضف إلى ذلك القرار رقم 687 الذي أصدره مجلس الأمن وألزم بموجبه العراق على التخلص من أسلحة التدمير الشامل نص في فقرته الـ 14 على ضرورة إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية, وما زالت الدول الغربية تتغافل عن تطبيق هذه الفقرة رغم أن هذا القرار قد صدر استنادا إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والسبب واضح هو حرص الغرب على تجنب المساس بالترسانة النووية الإسرائيلية.
(7)
قال المحامي الفتى لأستاذه الشيخ: قال أحمد أبو الغيط وزير الخارجية المصري إن مصر لن تقبل بوجود قوة نووية عسكرية في المنطقة، فما تعليقك على ذلك؟
قال المحامي الشيخ لتلميذه الفتى: من الأفضل أن أحيلك إلى تعليق أحد أبناء مصر على هذا القول إذ قال الكاتب الصحافي المصري صلاح الدين حافظ في مقاله المنشور في جريدة "الأهرام" في تاريخ 19/4/2006 ما يلي:
(الكلام موجه لإيران بالطبع، التي فاجأت العالم كله، خصوصا أجهزة المخابرات الأمريكية والأوروبية، بأنها نجحت بالفعل في تخصيب اليورانيوم، وأنها بدأت الطريق الذي لن تتراجع عنه، وأنها أصبحت بالفعل قوة نووية عظمى، تشكل العضو الثامن في النادي النووي الدولي، كما أعلن رئيسها محمود أحمدي نجاد.
ولقد فهمت من تصريح الوزير أبو الغيط الهدف، لكني لم أفهم المغزى بعد، فالهدف هو ببساطة التعبير عن القلق المصري والعربي الرسمي الشديد، من تحول إيران إلى قوة نووية، تطل عبر الخليج على دول مجلس التعاون الست، صاحبة المخزون البترولي الأعلى في العالم، وتجاوز العراق بحدود طويلة، وتلتحم بجمهوريات آسيا الوسطى، وبعضها نووي مثل كازاخستان، وتصبح لاعبا رئيسيا في الساحة العربية كلها وربما تكون الحكومات العربية هي الأكثر توجسا وقلقا من التحولات الإيرانية هذه، وهو توجس وقلق بعضه حقيقي وطبيعي، وبعضه الآخر مستورد من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، اللذين يخوضان حربا إعلامية سياسية نفسية، لعرقلة المشروع النووي الإيراني، حتى لا يصبح منافسا لهما أو لغيرهما.. غير أن كثيرين يعتقدون أن هذه القلق المتعاظم لا وجود له عند الشعوب العربية والإسلامية، التي تحلم بأن يكون السلاح النووي الإيراني معادلا ورادعا، على الأقل للسلاح الإسرائيلي.
أما الذي لم أفهمه من مغزى هذا التصريح الآن، فهو لمن يوجه التحذير، أو الإنذار المانع القاطع، ما (السلاح) الباتر الذي تستطيع به مصر ألا تسمح أو لا تقبل بوجود قوة نووية في المنطقة، ولماذا لا يقال الشيء نفسه عن الترسانة النووية الإسرائيلية، التي يقع أهم مفاعل نووي فيها "ديمونة" على بعد كيلو مترات قليلة جدا من الحدود الشرقية المصرية، وماذا فعلت مصر لمجابهة هذه الترسانة الأكثر خطورة على أمنها، طوال العقود الماضية، بعد أن أوقفت برامجها النووية، وخضعت للتفتيش الدولي، والتزمت بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية المعنية!!
بصراحة شديدة، إن مصر والدول العربية الأخرى، لا تملك في هذه اللحظة ما يمكن أن تسهم فيه بجدية في الأزمة النووية الإيرانية، حلا أو تعقيدا، اللهم إلا الانحياز لهذا الطرف على حساب ذلك، وهو انحياز سياسي إعلامي في نهاية الأمر، أمام معركة تكسير العظام واختيار القوى الدائرة الآن بين إيران من ناحية، والقوى الغربية صاحبة مجلس الأمن والمهيمنة على الوكالة الدولية للطاقة الذرية من ناحية أخرى).
(8)
قال المحامي الفتى لأستاذه الشيخ: هل من سبيل إلى حل هذه الأزمة سلميا؟
قال المحامي الشيخ لتلميذه الفتى: الحل موجود ويكمن في تطبيق القرارات الدولية على جميع دول المنطقة دون استثناء وفي آن واحد، وخصوصا الفقرة 14 من قرار مجلس الأمن رقم 687 والتي أوجبت إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، وقرار مجلس الأمن رقم 1540 الصادر في 28/4/2004، والخاص بحظر أسلحة الدمار الشامل، وهذا قرار ملزم لجميع الدول لأنه قد صدر استنادا إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. والمراقبون السياسيون يرون أنه إذا لم ينبذ الغرب سياسة المعايير المزدوجة فإن دولا أخرى في منطقة الشرق الأوسط ستعمل على امتلاك الأسلحة النووية سواء سرا أو علنا, لأنه من غير المتصور أن ترضى دول المنطقة أن يستمر الاختلال الكبير في موازين القوى العسكرية لصالح إسرائيل.