الشعب في قلب الملك

<a href="mailto:[email protected]">f.albuainain@hotmail.com</a>

عندما تحدثت في الأسابيع الماضية عن قرارات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز, المتعلقة بسوق الأسهم أشرت إلى أن تلك القرارات لا يمكن فصلها عن أبعادها الإنسانية التي طغت في مضامينها على المضامين الاقتصادية، وها أنا أعيد ما قلته من قبل بعد أن منحنا الملك عبد الله الدليل القاطع على أن معظم قرارات الملك الاقتصادية، ذات العلاقة بالمواطنين، التي أصدرها إبان توليه مقاليد الحكم كانت على علاقة مباشرة بالجوانب الإنسانية الصرفة التي تتخذ من رفاهية الشعب والتسهيل عليهم قاعدة أساسية ومنطلقا للقرارات.
جرت العادة أن تتجه الدول إلى رفع أسعار السلع والخدمات من أجل توسيع قاعدة الدخل، كما أن تلك الدول لا يمكن لها أن تستبدل بقرارات الزيادة قرارات أخرى عكسية تؤدي إلى التخفيض، خصوصا أن ذلك الدخل الإضافي قد تحول مع مرور الوقت إلى دخل أساسي تعتمد عليه الدول في تسيير شؤونها. إلا أن المشهد اختلف سعوديا بعد صدور قرار خادم الحرمين الشريفين الذي نص على تخفيض أسعار الوقود.
البعض ربط بين إنتاج المملكة النفط وحتمية انخفاض أسعار الوقود، وهو أمر قد نقبل به في حدوده الضيقة، أما إذا ما ربط بمحيط الدولة العام فإن الحسابات قد تختلف كثيرا عما نعتقد. النظرة الكلية للاقتصاد قد تمنع أحيانا تحقيق رغبات المواطنين المعتمدة على الرؤى الجزئية. وعلى الرغم من ذلك، فإن أسلوب إدارة القائد مجريات الأمور والأحداث هي التي يمكن لها أن تحدد أولوياته الاقتصادية والإنسانية.
أولويات القائد يمكن لها أن تصنع المعجزات، وتجعل من الصحارى القاحلة رياضا خضراء، ومن خلالها يمكن الكشف عن أسباب الفروقات الكبيرة التي نلاحظها بين الدول في مستوى المعيشة والحضارة والتطور والنمو بالرغم من تشابه أوضاعها المالية. أولويات القائد ورؤيته هما اللتان تحددان الطريقة المثلى لاستغلال الثروات وتوجيهها التوجيه الأمثل لخدمة الأهداف.
وأولويات الملك عبد الله كانت واضحة للجميع منذ توليه مقاليد الحكم، بل قبل ذلك بسنوات، فهي دائما ما تكون منصبة على التنمية ورفاهية الشعب وتخفيف الأعباء عنهم، تلك الأولويات هي التي جعلت المواطنين في موقع الحدث مستفيدين من جميع القرارات الاقتصادية المؤثرة، بدءا بزيادة الرواتب والأجور، ودعم صناديق التنمية الحكومية، ومشاريع مكافحة الفقر بما فيها قرار إنشاء 16 ألف وحدة سكنية للمحتاجين من المواطنين من فوائض ميزانية هذا العام، وأخيرا وليس آخرا، تخفيض أسعار البنزين والديزل. جميع تلك القرارات تدخل في إطار اهتمامات الملك الإنسانية الهادفة إلى تحسين مستوى معيشة الشعب، وتخفيف الأعباء عنهم وإشراكهم في خيرات هذه البلاد الطيبة. هي قرارات ذات علاقة مباشرة بالاقتصاد العام للدولة، ولكن تغلب عليها الجوانب الإنسانية التي تعكس شخصية القائد المحبة للشعب والرحومة بهم، كما أنها تعتبر ترجمة حقيقية لإحساس الملك بحاجة الشعب وملامسته رغباتهم المتغيرة، بعيدا عن بروتوكولات الحكم، وتعقيدات النظريات الاقتصادية.
يمكن القول إن قرار تخفيض أسعار الديزل والبنزين لو ترك لأهل الاختصاص من الاقتصاديين لما حصل الشعب على الجزء اليسير منه، على اعتبار أن النظرة الاقتصادية الحديثة هي أكثر غلظة على المواطنين منها على الدولة نفسها، ولنا في تشريعات البنك الدولي وتوصياته القاسية التي يقدمها للحكومات التي تتمحور حول زيادة الضرائب وتخفيض الدعم الحكومي، عبرة وعظة.
بعد هذا العرض المبسط ألا يحق لنا الجزم بأن قرارات الملك عبد الله الاقتصادية أصبحت لا تخلو أبدا من الجوانب الإنسانية المؤثرة؟ يمكن القول إن هناك تحيزا واضحا في معظم القرارات الملكية لمصلحة المواطن, وهو تحيز قل أن نشهد مثله في هذه الأيام بالذات. أكاد أجزم أن الملك عبد الله يجعل من المواطن محورا أساسيا لبناء معظم القرارات الاقتصادية من مبدأ أن الشعب أولى بثروات وطنه من الآخرين. يخيل لي أن هناك من الاقتصاديين من يزايد على مصلحة الوطن، أو لنقل إنهم أصبحوا ملكيين أكثر من الملك، يعتقدون أن من مصلحة الوطن أن يكون أكثر تقتيرا فيما يتعلق بالمصروفات والمعونات تيمنا بتوصيات البنك الدولي التي تتعارض مع أبسط أساسيات الدين الحنيف التي تحث على رعاية المحتاجين وتيسير شؤون الرعية. النظريات الاقتصادية الصماء التي لا تعترف بالأمور الاجتماعية ليس لها مقام بيننا، ولا يمكن القبول بها على ما فيها من سلبيات اكتشفها الغرب قبل أن تتعارض مع مبادئنا الدينية والاجتماعية. هناك أمور دينية لا يمكن للاقتصادين إدراجها ضمن القياسات المالية، كما أن البنك الدولي لم يصل بعد إلى معانيها الربانية لذا فهي دائما ما تكون خارج الحسابات الاقتصادية، ولكنها قطعا داخلة ضمن حسابات الملك عبد الله.
بركة المال، هي أهم مقومات بقائه والاستفادة منه، والبركة تعني الزيادة والنماء. وبركة المال زيادته وكثرته، والبركة هي جوامع الخير، وكثرة النعم، وهي إذا ما حلت في القليل كثرته، وإذا وجدت في الكثير تبارك ونفع، وهي ما لا يعرفها إلا من آمن بالله واليوم الآخر، لذا فهي مغيبة عن قوانين علماء الاقتصاد الغربيين. والبركة عطاء إلهي يهبه الله عباده الصالحين. ومن الأمور الجالبة للبركة؛ الإيمان والتقوى، ومنها أيضا الصدقة والبر وصلة الرحم. قال تعالى: " وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ " وقال تعالى "ومن يتق الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب".
نحتسب على الله أن تكون أعمال الخير والبر والصلة والتيسير على المواطنين ورفع الضر عنهم، التي جعلها الملك عبد الله من أولوياته في الحكم، مدعاة لجلب البركة والنماء، وتحقيق الأمن والاستقرار لهذه البلاد الطيبة، وقبل كل هذا، رحمة من الله ورضوانا، ومضاعفة في الأجر والمثوبة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، على ما يقدمه من خير للوطن والرعية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي