Author

الشراكة الاستراتيجية مع الصين

|
<a href="mailto:[email protected]">[email protected]</a> من مصلحة السعودية أن تفتح قنوات التواصل مع الشرق من أجل تحقيق التوازن الاستراتيجي المطلوب في جميع الميادين. فالدول الطامحة للتقدم لا يمكن لها أن تقف عند حد معين في علاقاتها مع دول العالم، خصوصا أن العلاقات الدولية أصبحت متغيرة بحسب المصالح والتوجهات وهو ما أثبتته السنوات الخمس الماضية. تغير الاهتمامات الدولية والمصالح قد يضعف من مقدرة بعض الدول على مواصلة خططها الاقتصادية والتنموية. فتح قنوات التواصل مع دول العالم لا يمكن أن يكون موجها ضد دولة بعينها أو تنازلا عن مخزون العلاقات الدولية المميزة التي تتمتع بها السعودية مع شركائها في الغرب، بل هو شكل من أشكال التواصل المحمود الذي يدعم خطط التكامل في العلاقات والمصالح الدولية من أجل تحقيق نتائج آنية ومستقبلية تنعكس إيجابا على جميع الأطراف. الوضع الاستراتيجي المهم للسعودية بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي إضافة إلى الوضع الديني، يفرضان عليها تواصلا استثنائيا مع جميع دول العالم وخصوصا الدول المؤثرة في الاقتصاديات العالمية. والصين إحدى هذه الدول المؤثرة التي تضم بين مواطنيها شريحة من مسلمي الشرق الذين يرتبطون روحانيا بالأراضي السعودية. الشراكة الاستراتيجية مع الصين تفتح آفاقا جديدة من التعاون المثمر بين البلدين على أسس من المصالح المشتركة والاهتمامات المتبادلة. فالصين ما زالت تسجل نسب نمو مرتفعة مقارنة بالدول الصناعية الأخرى وهو ما يعني نموا مماثلا لوارداتها النفطية، وهو ما يجعلها أكثر حرصا على تأمين وارداتها من النفط على أسس استراتيجية طويلة المدى، ولعل ذلك ما يبرر دخول الصين في مشاريع نفطية مشتركة مع السعودية كشراكتها في مجال التنقيب عن النفط في أراضي الربع الخالي من خلال شركة ساينوبك المملوكة للدولة. الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل إن الحكومة الصينية طرحت فكرة الخزن الاستراتيجي للنفط السعودي على الأراضي الصينية. وهو هدف استراتيجي يمكن أن يصب في مصلحة الصين والسعودية على حد سواء. يأتي ذلك الاهتمام الصيني على أسس من القناعة بأن السعودية هي الدولة الوحيدة التي يمكن لها أن تدعم النمو المتسارع في الصين من خلال ضمان التدفقات النفطية للصين. تستورد الصين في الوقت الحالي ما نسبته 17 في المائة من وارداتها النفطية من السعودية، وهذه النسبة مرشحة لزيادات كبيرة في غضون السنوات المقبلة. وعلى صلة بموضوع النفط، دخلت شركة أرامكو السعودية في شراكة مع شركتي أكسونموبيل وسينوبيك لتأسيس شركة لتكرير النفط وإنتاج المواد البتروكيماوية، وهي شراكة استراتيجية تعتمد على النفط السعودي وتتخذ من السوق الصينية قاعدة لتسويق منتجاتها النفطية والبتروكيماوية. الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني للسعودية ساعدت على حلحلة وضع الشراكة المنتظرة بين شركة سابك السعودية و مجموعة شيدا الصينية لتأسيس مشروع جديد للبتروكيماويات متخصص في إنتاج مادة "نافتا" حيث قدر رأس مال المشروع بخمسة مليارات دولار. يعتبر هذا المشروع من المشاريع المهمة لشركة سابك حيث التمدد الجغرافي وممارسة أنشطتها الإنتاجية من الدول الشرقية التي تمثل السوق الرائجة لمنتجات سابك البتروكيماوية. جميع هذه المشاريع العملاقة تصب في قناة الشراكة القوية التي بدأت بالفعل تحدد ملامح العلاقات السعودية الصينية، وتزيدها عمقا لا يمكن الاستهانة به. الشراكة السعودية الصينية تقوم على مبدأ المصالح المشتركة ولا شيء غير ذلك، فالصين في حاجة ماسة إلى تأمين وارداتها من النفط السعودي وفتح أسواق جديدة، والسعودية تحتاج إلى دعم الصين في المجالات الصناعية والصحية والعسكرية والتجارية، إضافة إلى نقل التكنولوجيا وتدريب السعوديين عليها. هذه المصالح المشتركة هي التي تحكم الشراكة بين الدولتين. لقد عانت السعودية كثيرا من شركائها في الغرب فيما يتعلق بنقل التكنولوجيا وتوفير الأنظمة العسكرية، ولا أعتقد أن تلك المعاناة ستتكرر مع الشريك الصيني الذي يبني علاقاته الخارجية على أساس من المصالح التجارية المتبادلة. وأعني أن الصين لن تحتاج إلى موافقات خاصة من أجل توريد العدد العسكرية والأجهزة التكنولوجية المتطورة إلى السعودية، بل ستكون تواقة لفعل ذلك من أجل زيادة حجم صادراتها إلى السعودية على أسس تجارية بحتة. بقي أن نقول إن الشراكة مع الصين سوف تكون أقل تكلفة من الناحية السياسية، فالصين ذات نفوذ لا يستهان به، ولكنه نفوذ يقف عند حد حماية مصالحها الخاصة، أي أنها بعيدة كل البعد عن الأطماع التوسعية خصوصا في المناطق العربية، ما يجعل التعامل معها على هذا الأساس أكثر سهولة من التعامل مع الغرب. ومع ذلك يجب أن نعترف بأن هذه الشراكة ما هي إلا جزء من الشراكات السعودية الأخرى التي تشكل مجتمعة منظومة تكاملية للعلاقات الدولية المشتركة. التنمية والمصالح المشتركة طويلة المدى هي أساس الشراكة الحقيقية بين الصين والسعودية ودول الشرق الأوسط أيضا، وهي التي تحدث عنها الرئيس الصيني "هو جينتاو" في كلمته التي ألقاها تحت قبة مجلس الشورى حين أكد التزام بلاده على رفع راية السلام والتنمية والتعاون عاليا إلى الأبد، إضافة إلى تأكيده الواضح على أن لا سلام ولا ازدهار في العالم دون الاستقرار والتنمية في الشرق الأوسط. الشراكة الصينية السعودية ستؤسس، بإذن الله، قاعدة تجارية صناعية راسخة يمكن من خلالها التعجيل في عمليات التنمية السعودية في المجالات الصناعية، والتقنية على وجه الخصوص. كما أن تلك الشراكة ستساعد فتح أسواق واسعة أمام السعوديين خصوصا فيما يتعلق بالقطاعات العسكرية، النفطية، الصناعية والتجارية على وجه العموم.
إنشرها