رسالة من سنغافورة
<a href="mailto:[email protected]">almaeena@arabnews.com</a>
اكتسبت الزيارة التي قام بها الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد إلى سنغافورة أهمية متزايدة، حيث إنها شكلت نقلة تاريخية ليس فقط بالنسبة للعلاقات بين المملكة العربية السعودية وسنغافورة لكن أيضا لأنها أسهمت في تغيير صورة السعودية في جميع مناطق الشرق الأقصى قاطبة.
وطوال 30 عاما الماضية كانت العلاقات بين الدولتين سليمة وصحية لكن حدث بعض التململ والقلق إزاء السعودية خاصة بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر), ونتج عن ذلك استماع الشعب السنغافوري إلى الدعايات المغرضة, والأكاذيب, والافتراءات, التي تبثها وسائل الإعلام المعادية عن السعودية.
وخلال زيارتي لسنغافورة قبل عام ونصف, ألقيت محاضرة عن المملكة ولاحظت توجسا من المستمعين نحو السعودية الذين شككوا في دوافع السعودية ونيتها حتى في العون الإنساني المقدم للدول النامية.
وساعد عدم وجود اتصالات على مستوى عال بين المسؤولين في البلدين المتشككين على زيادة حملتهم الجائرة ضد السعودية لدرجة أن السياسيين, والإعلاميين, وغيرهم في سنغافورة والذين لم تكن لديهم أدنى فكرة عن السعودية صاروا يرددون كالببغاوات ما يسمعونه في وسائل الإعلام الغربية عن السعودية دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن الحقيقة.
وهنا تأتي أهمية زيارة ولي العهد الميمونة إلى سنغافورة حيث إنها أسهمت بقدر كبير في تغيير المفاهيم الخاطئة عن السعودية فها قد جاءهم من المملكة رجل رفيع المستوى وعلى قدر كبير من الاحترام يتحدث بصدق وبكل شفافية ليلتقي بكبار المسؤولين السياسيين والاقتصاديين ويتحدث إليهم بما عرف عنه من صراحة وصدق.
وفي كل اجتماعاته في سنغافورة, أوضح الأمير سلطان بكل جلاء أن هدف المملكة هو السلام والرخاء العالميان, وكانت الرسالة التي أوصلها ولي العهد ومرافقوه من المسؤولين ورجال الأعمال إلى الشعب السنغافوري هي أن المملكة تريد شركاء اقتصاديين عالميين وإنها تؤمن إيمانا قاطعا أن الاقتصادات القوية تخلف الاستقرار والرخاء.
وأوضح ولي العهد أن سياسة المملكة العربية السعودية البترولية هي انعكاس لإيمانها بأهمية وجود اقتصاد عالمي قوي باعتباره العنصر الأساسي في الاستقرار والتقدم وأن المملكة تسعى دائما للحفاظ على أسعار البترول في مستوى معقول لأن ذلك أولا في مصلحتها هي وثانيا فإن هذه الأسعار تحددها قوى السوق أكثر من أي شيء آخر وأن احتواءها في المستوى المعقول سيحافظ على مصالح الجميع ولن يتسبب في أي أذى إلى دول جنوب شرق آسيا على وجه الخصوص.
وفي لقائه مع جمهور كبير في معهد دراسات جنوب شرق آسيا التابع لجامعة سنغافورة الوطنية تحدث ولي العهد, وكعادته دائما, بكل صراحة وصدق, وأبان بلا لبس ولا غموض رغبة السعودية الجامحة في الإسلام, وفي الحوار باعتبارها بلدا مفتوحا ليست لديه ما يخفيه, وقد فهم السنغافوريون, الذين يركزون على الاقتصاد والأعمال, من هذه الكلمات أن الاقتصاد السعودي اقتصاد مفتوح.
وفي اعتقادي الشخصي فإن الزيارة قد سجلت نجاحا غير مسبوق من الناحية السياسية حيث إنها أكدت للجميع أن المملكة ستواصل مسيرة الإصلاحات, وإنها عازمة على إزالة كل العقبات أمام إنشاء مجتمع مدني حديث ومتفتح وأنها ستلعب دورا إيجابيا في الشؤون الدولية.
إن الشعب السعودي, رجالا ونساء, يريدون أن يواصلوا مسيرة الحياة في أمن واستقرار ورفاهية ولا يريدون أن يكونوا متفرجين, بينما الآخرون يتقدمون في عالم شديد التنافس, وهم يريدون أن يسهموا في الحضارة الإنسانية مثلما فعل أجدادهم.
وبخبرته وبحنكته في الشؤون السياسية والاقتصادية, والاجتماعية فإن ولي العهد قد أوضح بجلاء للشعب السنغافوري سعي المملكة للسلام العالمي, والأمن, والاستقرار, والرخاء.
ولهذا كانت زيارته لسنغافورة ناجحة وموفقة, وقد أكد لي بعض المحللين الذين تحدثت إليهم أن أهمية الزيارة تكمن في أنها المرة الأولى التي تتاح فيها للشعب السنغافوري اللقاء وجها لوجه بمسؤول سعودي بحجم ولي العهد يستمع إليهم ويجيب عن تساؤلاتهم بكل صدق وصراحة.
ومن خلال رسالة الصدق والصراحة التي نقلها بأمانة ولي العهد الأمين للشعب السنغافوري فإنه قد أسهم في إزالة كثير من شكوكهم عن المملكة, ولعل هذا أكبر إنجازات الزيارة, وأكبر أسباب نجاحها.