العصا والوردة
لفت انتباهي في مهرجان الجنادرية وجود "العصا" مع كثير من الشباب والأطفال وبعض الكبار, كما لفت انتباهي غياب الوردة.
قد ترمز كل واحدة منهما إلى صورة ذهنية تستدعي مفهوما محددا في الذاكرة المجتمعية, فالعصا تشير إلى العقاب والعنف والسلطة والقسوة وربما الدفاع عن النفس. أي أن العصا أداة لتحقيق غاية, ومنظرها يوحي بأن حاملها قد يستخدمها في إيذاء الآخرين, إنها تحمل معنى التهديد .. فالعصا لمن عصى. كان بعض المعلمين يستخدمون العصا لإنزال العقاب على الأشقياء الصغار من التلاميذ, بل إن صورة المعلم لا تكتمل دون العصا, كما أنها أداة تاريخية لتطبيق بعض الحدود كالجلد مثلا, وهي كذلك أداة يحملها الرعاة لتجميع البهائم وضربها عند الحاجة لتسلك الطريق المرسوم, وكأنما هي في هذا السياق وسيلة غير حضارية وتنم عن حالة من العدوانية والاستفزاز.
إن منظر الإنسان وهو يحمل العصا في يده يدل, كما أظن, على شخصية مضطربة أو تنزع إلى المواجهة والصدام.. ووجود العصا قريبة يشجع حاملها علىالاعتداء والعنف لأي سبب صغير أو كبير.
أما الوردة فهي رمز جميل وإنساني يعبر عن الحب والسلام والصداقة والمودة والاهتمام. لقد حفلت الآداب الإنسانية بمعان كثيرة للورد وعلاقته مع الإنسان منذ ولادته وعبر مراحل حياته, وحتى مماته. ارتبط الورد بالقيم الجمالية الرائعة فأنت حين تشاهد إنسانا يحمل باقة ورد بين يديه لا بد أن يغمرك شعور بالبهجة والسعادة لأنك تعلم مسبقا أن هناك حدثا سعيدا يسعى إليه حامل الورد أو أنه يتمنى لصديق أو قريب أو حبيب أوقاتا سارة وجميلة تعبق بالروائح العطرة والزكية.
إن ترسيخ حضور الورد هو ترسيخ لثقافة الحب والجمال والتسامح والوئام بين أفراد المجتمع, فالذي يتربى على العناية بالورود والحدائق والزهور يرتفع عنده الإحساس بالآخرين, وفوق ذلك يزداد عنده المستوى الجمالي في الأشياء والكائنات وتنمو علاقاته الشخصية على أساس من الحب والتقدير. إن المحيط المملوء بالورود يفتح النفوس والقلوب على مصاريعها لتستقبل الحياة بروح هادئة ومستقرة وجميلة.
كم نحن بحاجة ماسة إلى استبدال الوردة بالعصا, وكم أتمنى أن يلفت انتباهي في الجنادرية أو غيرها منظر الورود والجمال في كل مكان وبين أيادي الصغار والكبار وعند كل موقع وفي كل مناسبة.
ليتنا نشاهد في أعوامنا المقبلة في الجنادرية دكاكين كثيرة تتنافس بتشكيل الورود والزهور والنباتات حتى نصير كأننا نتجول في وسط حدائق غناء.