إعادة شراء الشركات أسهمها: ليس كل ما يلمع ذهبا

إعادة شراء الشركات أسهمها: ليس كل ما يلمع ذهبا

<p><a href="mailto:[email protected]">aboabid@yahoo.com</a></p>
محلل مالي معتمد CFA

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن قرب صدور تشريعات جديدة تتيح للشركات المدرجة في سوق الأسهم السعودية إعادة شراء أسهمها، وذلك تماشيا مع القرارات التي تم اتخاذها أخيرا من قبل هيئة سوق المال، والتي ساعدت على استقرار السوق بعد أن لاقت استحسانا من قبل المتداولين، وكذلك بعد أن أقرت كلاً من دولتي الإمارات وقطر مثل هذه التشريعات.

تهدف هذه المقالة إلى إلقاء الضوء على عملية إعادة شراء الشركات أسهمها وتوجيه تساؤلات أرجو من المختصين في الجهات التشريعية، سواء في هيئة سوق المال أو وزارة التجارة، أخذها في الحسبان عند صياغة هذه التشريعات. كما آمل أن يتم نشر نسخة من التشريعات قبل إقرارها على الإنترنت وذلك حتى يتسنى لذوي الاختصاص وذوي المصلحة أن يبدوا آراءهم وبحيث تغلب الجهات التشريعية المصلحة العامة وتحقيق الاهداف المرجوة التي تساعد على تنظيم عملية التداول على المدى البعيد.

من حيث المبدأ، فإن إعادة شراء الشركات أسهمها هي خطوة في الاتجاه الصحيح تمكننا من محاكاة الأسواق العالمية في بعض جزئيات هيكلياتها، وإن كنا نأمل الوصول إلى مضامينها من حيث عمق السوق ممثلا بعدد الشركات المدرجة وتمثيلها لأغلب إن لم يكن لجميع القطاعات الاقتصادية، وتغليب دور صناديق الاستثمار في إدارة الأموال على الاستثمارات الفردية المباشرة، ومتابعة التحليلات الأساسية للمختصين بدلاً من الجري وراء الإشاعات والمضاربة اليومية، وتوفير أدوات استثمارية عدا الأسهم كالسندات والمعادن النفيسة والسلع بل وحتى عقود النفط والبتروكيماويات.

بداية، يتطلب إقرار مثل هذا التشريع تعديلاً في قانون الشركات من قبل وزارة التجارة حتى يسمح للشركات بتخفيض عدد أسهمها - رأس مالها - لأغراض غير تلك المذكورة حالياً وهي على ما أذكر تتعلق بتخفيض رأس المال نتيجة تحقيق خسائر مالية متراكمة. كما يتطلب بعد ذلك تعديل عقود تأسيس الشركات حتى تعكس تغيير القانون، وهذا أمر سيستغرق مدة زمنية قد يعتبرها البعض طويلة ولكنها ضرورية على كل حال.

لماذا تقوم الشركات بشراء أسهمها؟
تقوم الشركات بشراء أسهمها لعدة أسباب أهمها يتعلق باعتقاد المديرين التنفيذيين في الشركة بأن سعر سهمها لا يعكس أرباحها المستقبلية، وهم أعلم من غيرهم بذلك، وعليه يقومون بشراء أسهمها من السوق فيعمل هذا الأمر على تعزيز سعر السهم ويعطي إشارة إلى جميع المتداولين بأن السعر مغر للشراء. كما تقوم الشركات بشراء أسهمها وذلك بصدد توزيعها على موظفيها مقابل عقود خيارات أصدرت لمديريها التنفيذيين والموظفين ذوي الإنتاجية العالية، وهو أمر تقوم به بعض الشركات المحلية وخصوصا البنوك. كما أن إدارة الشركة قد تعمد إلى تجميع أسهمها وذلك تحسباً من قيام شركة أخرى منافسة من حيازة أسهم الشركة المستهدفة بهدف فرض عملية اندماج قد تؤدي إلى فصل إدارة الشركة المستهدفة. وكذلك فقد تقوم الشركة بشراء حصة لا بأس بها من أسهمها وذلك لمقايضتها مقابل عملية حيازة شركة أخرى.

كيف يؤثر شراء الأسهم على عمليات الشركة وأدائها؟
من المعلوم أن عملية إعادة شراء الأسهم تؤثر إيجابا على الربح المحقق لكل سهم متداول وتزيد العائد على حقوق المساهمين كما ترفع من العائد على الموجودات أو الأصول وتؤدي إلى زيادة الرافعة المالية للشركة. إن كل المذكور لا يتعدى النتيجة التلقائية لإعادة هيكلة ميزانية الشركة التي تلي تناقص النقد - المدفوع لشراء الأسهم - وتناقص حقوق المساهمين لتعكس أسهم الخزانة المشتراة.
الأمر البديهي للكل - على اعتقادي - أن إعادة شراء الأسهم لا تؤثر إيجابياً على العمليات التشغيلية للشركة بتاتاً - إلا إذا كانت الشركة تدفع ضريبة دخل عالية نسبياً - بل على العكس من ذلك فقد تؤثر سلباً على دخل الشركة من العمليات التشغيلية وذلك لاستخدام النقد المتوافر أو تسهيلات البنوك المقررة سلفاً للمشاريع المستقبلية في عملية شراء الأسهم.

ولهذا نرى أنه يجب السماح فقط للشركات التي تحقق أرباحا تشغيلية بإعادة شراء أسهمها حيث يتوقع أن يكون الأثر حميداً، بينما على الشركات التي لا تحقق إلا خسائر تشغيلية توجيه جهودها إلى إعادة هيكلة مجالس إداراتها بل تغيير كبار التنفيذيين فيها وكذلك إعادة النظر في استراتيجياتها.

تساؤلات حول ملامح التشريعات المحتملة
يوجد العديد من الأسئلة ينبغي على المشرعين الإجابة عنها في سعيهم للوصول إلى أفضل التشريعات بهذا الخصوص وهي:
1- ما التشريعات المطبقة في الدول المجاورة وفي الدول الأكثر تطوراً في أسواقها المالية؟
2- ما الظروف التي يسمح بها للشركات بأن تشتري أسهمها في تلك الدول؟
3- ما الآثار الايجابية والسلبية المحتملة وتحت أية ظروف يكون الأثر إيجابياً؟
4- ماذا ستفعل الشركات بهذه الاسهم وما الغرض من شرائها؟
5- هل سيتم تمويل هذه المشتريات من النقد المتوافر عند الشركة أم ستقوم باستخدام تسهيلاتها البنكية؟
6- ما الحد الأعلى لإعادة تملك الشركة أسهمها، هل هو 10 في المائة أم 15 في المائة، أم 20 في المائة وهل هناك دراسات علمية تدعم حداً معيناً؟
7- هل سيحسب الحد الأعلى على أساس إجمالي عدد الأسهم المصدرة أم على أساس عدد الأسهم المتاحة للتداول (الأسهم الحرة)؟ وهذه الجزئية مهمة جداً في ظل عدم توافر أعداد كافية من أسهم الشركات التي تتملك الدولة حصة الأسد فيها.
8- هل سيسمح للشركات باستخدام جزء من احتياطياتها القانونية ورأس مالها المدفوع أم سيسمح لها باستنفاد أرباحها المبقاة واحتياطياتها العامة للقيد المحاسبي لأسهم الخزانة؟ هذا الشرط مهم لأنه بإمكانه وضع حد أعلى للمبلغ النقدي الذي بإمكان الشركة استخدامه لعملية شراء الأسهم.
9- هل سيتم السماح للشركات التي تملك أسهم خزانة بزيادة رأسمالها سواء زيادة حقيقية من خلال أسهم حقوقية أو طرح ثانوي، أو زيادة محاسبية وأعني هنا أسهم المنحة؟
10- ما المدة الزمنية التي سيسمح للشركة بشراء أسهمها خلالها، هل ستكون شهراً أو ثلاثة أو أكثر.
11- ما أقصر مدة زمنية لا يمكن للشركة خلالها بيع الأسهم للسوق مباشرة، بمعنى كم ستبقى هذه الأسهم في حوزتها؟
12- ما الجهة التي ستقوم بتنفيذ عمليات الشراء، والبيع لاحقاً، إدارة الشركة أم بنك استثماري؟
13- هل سيتم الحصول على موافقة جميع دائني الشركة وخصوصاً البنوك التجارية وصناديق الدعم الحكومية، أم أن الشركات المتعثرة ستقوم بشراء أسهمها فيما تلاحقها البنوك لتسديد ديونها المعاد جدولتها؟
14- ما فترة الحظر على المطلعيين من أعضاء مجلس الإدارة وكبار التنفيذيين قبل وبعد الإعلان عن مثل هذا القرار؟ هذه الجزئية مهمة للغاية في ظل غياب تنظيمات تشريعية تستدعي درجة أعلى من الحوكمة في شركاتنا المدرجة، حيث إن هناك مجالاً واسعاً للتلاعب والاستفادة الشخصية من قبل بعض ضعاف النفوس، ولا يجوز أصلا ترك مثل هذه التفاصيل المهمة لحسن النوايا. وعليه، أرى أن يتم وضع تشريعات جديدة وسن تنظيمات ترقى بمستوى الحوكمة في شركاتنا المدرجة، لا بل حتى جميع الشركات المساهمة المغلقة.

ولا بأس هنا أن ضربت مثالاً على ما اعتقد أنه ضعف الحوكمة في بعض شركاتنا المدرجة. طالعتنا إعلانات تداول أخيرا بأن أحد أعضاء مجلس إحدى الشركات المدرجة ساهم من ماله الخاص في دفع مبلغ زيادة رأسمال إحدى الشركات التي تتملك الشركة المدرجة فيها. هنا يتبادر إلى الذهن أحد احتمالين: أولا، إما ألا يكون لدى الشركة المال الكافي للاكتتاب سواء لسوء التخطيط أو لشح وسائل التمويل من عند البنوك، أو، ثانياً، لعدم وجود الصلاحيات الكافية لإدارة الشركة بالاكتتاب بدون الرجوع إلى عضو مجلس الإدارة المذكور. واستغرب حقيقة أن يمر مثل هذا الأمر بدون إجراء تحقيقات من الجهات المختصة، ولا أعني هنا عضو مجلس الإدارة فقد خدم الشركة ومساهميها وأعضاء مجلس إدارتها الباقيين، بل اقصد تداعيات عدم توفر المال الكافي عند الشركة أو عدم إمكانية الإدارة من ترتيب المبلغ المطلوب. كما قد يكون للفضل والجميل الذي قام به عضو مجلس الإدارة اثر على تعامل الآخرين في المجلس معه وبحيث يفقد الآخرون استقلاليتهم.

التجربة الأمريكيةRule 10b-18 :
ينظم القانون المذكور عمليات إعادة شراء الشركات لأسهمها في الولايات المتحدة منذ عام 1982. وقد تم أخيرا – في أواخر عام 2003- إدخال بعض التعديلات عليه. وينص القانون على اعتبار شراء الشركة أسهمها غير مخالف للقانون - ظاهرياً - إذا ما تقيدت بجميع النقاط المذكورة على النحو التالي ذكره خلال عملية الشراء:
1- طريقة الشراء: ينبغي أن يتم الشراء عن طريق وسيط واحد خلال اليوم وذلك لتلافي مظهر الطلب العالي على أسهم الشركة.
2- وقت الشراء: لا يتم الشراء خلال أوقات اليوم الحرجة والتي قد تؤثر على مسار السعر خلال الجلسة الحالية او الجلسة التي تليها. ولهذا، يمنع الشراء كأول صفقة في الجلسة وكذلك توقف عمليات الشراء خلال النصف ساعة إلى الدقائق العشر دقائق الأخيرة اعتماداً على سيولة تداول السهم وعدد الأسهم القابلة للتداول.
3- أسعار الشراء: يمنع تجاوز الحد الأعلى لأفضل طلب/سعر خلال الجلسة او اعلى سعر تم تنفيذه لآخر عملية خلال عملية الشراء.
4- كمية الشراء: يجب ألا تتجاوز كمية الأسهم المشتراة 25 في المائة من معدل التداول اليومي للأسابيع الأربعة التي سبقت يوم الشراء وذلك لتلافي مزاحمة باقي المتداولين ودفع السعر عالياً. ويمكن للشركة ان تشتري كمية من الأسهم تتجاوز الحد اليومي المذكور طالما كانت هي الصفقة الوحيدة لمشتريات الشركة لذلك اليوم ولصفقة واحدة مماثلة في الأسبوع كحد أقصى.

ويشمل القانون مشتريات الشركة، مشتريات الشركة الأم، مشتريات الشركات المملوكة من قبلها، ومشتريات أعضاء مجالس الإدارة وكبار التنفيذيين في هذه الشركات. كما ينص القانون على الإفصاح التالي ذكره من قبل الشركة:
1- عدد الأسهم المشتراة.
2- متوسط سعر التكلفة.
3- عدد الأسهم المشتراة وفقاً لبرامج الشراء المفصح عنها.
4- الحد الأعلى لعدد- أو قيمة - الأسهم التي تنوي الشركة إعادة شرائها.
5- شروط عرض الشراء وفقاً لبرامج الشراء المفصح عنها

هذه ملامح القانون في أمريكا وتوجد على موقع الإنترنت للـ SEC الكثير من التفاصيل المهمة التي ينبغي لأهل التخصص الرجوع إليها.

خلاصة القول:
إن السماح للشركات بإعادة شراء أسهمها ليس دواء سحرياً سيعافي السوق بين يوم وليلة مما أصابها، بل هو في رأيي جزء مكمل من منظومة إصلاحات هيكلية طال انتظارها تتضمن إدراج عدد أكبر من الشركات المساهمة القائمة التي تحقق أرباحا تشغيلية منتظمة، زيادة درجة الإفصاح للشركات، الإفصاح الدوري والمنتظم لملكية كبار الملاك والمضطلعين على المعلومات الداخلية المؤثرة، البيع التدريجي لحصص الدولة في الشركات المدرجة، السماح لبيوت ذات خبرة بمهمة صناعة السوق وتنظيمها، تسهيل إمكانية بيع الأسهم على الهامش حتى يكون سوقنا متناسقاً من حيث عمليات البيع والشراء على الهامش Margin Trading and Short Selling، رفع درجة الحوكمة للشركات المساهمة ولجميع الأشخاص ذوي الصلة بسوق المال بما فيها صناديق أو محافظ الاستثمار، تنظيم عملية الإعلانات على نظام تداول، وتداول أدوات استثمارية عدا الأسهم كالسندات والمعادن النفيسة والسلع وعقود النفط والبتروكيماويات، إدراج أسهم الشركات الخليجية القيادية في سوق أسهمنا وإدراج اسهمنا القيادية في البورصات الخليجية، السماح للصناديق العالمية والإقليمية من الشراء مباشرة في أسهمنا طالما كان هدفهم الاستثمار على المديين المتوسط والبعيد، والأهم استبعاد أسهم الشركات التي لا تحقق المستويات الدنيا من معايير مواصلة الإدراج حتى لا تكون سوقنا جنة الشركات المتعثرة وناراً تحرق أموال المدخرين.

الأكثر قراءة