حول الإسلام والصراعات والإرهاب في إفريقيا
عاد موضوع وجود عديد من الجماعات والمجموعات الإسلامية ذات الطبيعة المتطرفة والإرهابية في بعض مناطق إفريقيا وبخاصة الشرقية منها، إلى بؤرة الاهتمام الإعلامي والسياسي الغربي عموماً والأمريكي خصوصاً بعد شيوع أنباء عن أنشطة مكثفة لبعض العناصر المرتبطة بتنظيم القاعدة وبعض الخلايا المرتبطة به في تلك المنطقة. والحقيقة أن تزايد النشاط الإسلامي عموماً في مختلف مناطق إفريقيا جنوب الصحراء قد أضحى واحدة من الظواهر اللافتة للمحللين ورجال الأمن على حد سواء خلال السنوات الأربع الماضية والتالية لهجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 على واشنطن ونيويورك.
وربما يكون من المناسب في هذا السياق إعادة التذكير بموضع الإسلام في القارة السمراء، حيث تشير الإحصائيات إلى أن المنتمين إليه يمثلون نحو 50 في المائة من إجمالي سكانها، بما يراوح 250 مليون مسلم تقريباً، حيث انتشر بصورة واسعة في بعض دول جنوب الصحراء التي وصلت نسبة من يدينون به من سكانها إلى أكثر من 90 في المائة منهم، مثل الصومال والنيجر وتشاد وسيراليون وجزر القمر، ذلك غير دول الشمال الإفريقي العربية التي يصل المسلمون في بعضها مثل الجزائر، تونس وليبيا إلى 100 في المائة من السكان. وقد انتشر الإسلام في القارة السمراء بصفة أساسية عبر الدخول أولاً إلى دول الشمال الإفريقي ثم انتقل بعد ذلك عن طريق التجار والمغامرين الباحثين عن الثروة والتجارة المربحة إلى دول الجنوب الإفريقي، ولعبت بعد ذلك حركة الطرق الصوفية دوراً مهماً في توسيع دائرة نشر الإسلام في إفريقيا. وقد لعب الإسلام في معظم الدول الإفريقية التي انتشر فيها دوراً مهماً في توحيد صفوف القبائل المتنافرة والعمل على بث روح العمل والفضيلة فيها، وأضحى بذلك عامل "وحدة" لا "فرقة" وعامل جذب لا طرد في دمج الشعوب في بوتقة واحدة قائمة على التسامح والفضيلة. وقد ظل الإسلام يمثل للقارة الإفريقية منذ دخوله إليها ظاهرة ذات أبعاد عميقة متعددة ثقافية ودينية وسياسية واجتماعية ذات تأثير واضح على ما شهدته من تطورات سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. وإذا كان الإسلام قد ظل كذلك طيلة وجوده في إفريقيا فقد زادت أهميته فيها مثلما حدث بالنسبة لمناطق أخرى عديدة في العالم وفي العلاقات بين دوله خلال العقود الثلاثة الأخيرة التي ظهرت أثناءها ونمت ظاهرة الإحياء الإسلامي بكافة مظاهرها ومستوياتها منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي.
وفي ظل ذلك فقد تداخلت الصراعات الكثيرة التي نشبت في إفريقيا خلال العقود الأخيرة مع الملمح الإسلامي، مما أثار تساؤلات عديدة حول ما إذا كان الإسلام هو سبب إثارتها أم أن هناك أسباباً أخرى لا علاقة لها به، فهكذا كان الحال في نيجيريا والسودان ورواندا وغيرها من بلدان. والحقيقة أن تأمل وتحليل تلك الصراعات الإفريقية الداخلية والخارجية يبرز أن معظمها كانت في الأصل صراعات قبلية وليست دينية على الرغم من التداخل القبلي مع الديني في بعضها، بينما كان بعضها الآخر ذا طابع سياسي أكثر منه ديني حول السلطة السياسية، واتخذ البعض الثالث منها جوهراً اقتصادياً في التنازع على مصادر الثروات الطبيعية الغنية في إفريقيا، بينما دار البعض الأخير منها حول الخلافات الحدودية بين بعض الدول الإفريقية. ومع ذلك فقد برز دور العامل الإسلامي في بعض الصراعات مثل تلك التي لا تزال دائرة في السودان أو تلك التي شهدتها الجزائر لنحو عشر سنوات في نهاية القرن الـ 20.
أما الحركات الإسلامية ذات الطابع العنيف أو الإرهابي فقد بدأ تواجدها في القارة السمراء منذ دخول القوات الأمريكية إلى الصومال عام 1993 للتدخل في الصراع الداخلي الدائر هناك بين عديد من الجماعات والمليشيات، وتوج بقيام عناصر إسلامية متشددة بقتل 18 جندياً منها، مما أدى إلى بدء ظهور أهمية الشرق الإفريقي فيما يسمى قضية "الإرهاب" الدولي المنسوب إلى الإسلام في كثير من وسائل الإعلام ودوائر النخبة والحكم الغربية. فقد برز في الأزمة الصومالية وفي قتل الجنود الأمريكيين ومقاومة القوات الأمريكية عموماً وجود مساهمة واضحة من بعض الجماعات الإسلامية المتشددة ذات العلاقة مع أسامة بن لادن. وقد تأكد ذلك الانطباع الأولي في السابع من آب (أغسطس) 1998 عندما تم تفجير السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا على أيدي ما سمي حينئذ "الجيش الإسلامي لتحرير المقدسات"، والذي بدا واضحاً أنه الذراع العسكري "للجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين" التي أسسها بن لادن مع عدد آخر من الجماعات الإسلامية الجهادية في شباط (فبراير) من العام نفسه. وتأكدت تلك المسؤولية وذلك الوجود الملحوظ لعديد من المجموعات الإسلامية الجهادية في مناطق ودول شرق إفريقيا بعد إلقاء القبض على المسؤولين عن تفجيري نيروبي ودار السلام واعترافاتهم بذلك ثم صدور أحكام الإدانة على أربعة منهم في صيف 2001.
وبعد وقوع الهجمات على واشنطن ونيويورك في 11 من أيلول (سبتمبر) 2001 وشن الولايات المتحدة حربها الواسعة الدولية ضد الجماعات والحركات الإسلامية كافة وخصوصاً ذات الطابع الجهادي العنيف وبالأخص ذات العلاقة مع أسامة بن لادن وتنظيمه "القاعدة"، بدت مناطق ودول الشرق الإفريقي واحداً من أبرز مسارح تلك الحرب الأمريكية الجديدة. وبعد مرور أكثر من عام على أحداث أيلول (سبتمبر)، وقعت عمليتا مومباسا ضد الأهداف الإسرائيلية في المدينة الكينية السياحية الصغيرة، والتي أعلن تنظيم القاعدة المسؤولية عنها موضحاً أنه بها قد بدأ مرحلة جديدة في نشاطه العسكري الذي سيتسع ليشمل أهدافاً إسرائيلية إلى جانب الأهداف الأمريكية التقليدية بالنسبة له. ويرى عديد من المحللين ومراكز الأبحاث الغربية الجادة أن الوجود الأمني والعسكري الأمريكي الكثيف في عديد من مناطق القارة الإفريقية خلال السنوات الأخيرة ضمن الحرب الأمريكية الشاملة ضد "الإرهاب" كان هو السبب الرئيسي والجوهري في تزايد عدد ونشاطات كثير من المجموعات والجماعات الصغيرة والمتوسطة التي تتبني منهج فكر وحركة القاعدة في تلك المناطق. وربما تطرح تلك الملاحظة تساؤلاً أكبر حول حقيقة تأثير هذه الحرب الأمريكية على نمو الظاهرة الإرهابية في عديد من مناطق العالم، إلا أن ذلك قد يكون موضوعاً لمقال آخر.