وزارة العمل ورجال الأعمال

وزارة العمل ورجال الأعمال

<p><a href="mailto:[email protected]">aaalkhateeb@yahoo.com</a> </p>
أنا من المؤمنين بمبدأ التخصص لأن الإبداع لا يأتي إلا من خلال الغوص في الأعماق والبحث في خبايا الأمور بدلاً عن الاكتفاء بملامسة القشور. فالذي ينظر إلى سطح المحيط يتعرف على القليل من الكثير الذي يخبيه في أعماقه، ولكن هذا نتاج منهجنا التعليمي ومجالسنا فلا غرر ولا عيب في أن يكون الفرد منا موسوعة وهذه هي الثقافة العامة وهي محمودة، ولكن يظل التخصص الدقيق ذا أهمية بالغة للإبداع والتميز والارتقاء بالشعوب. استهللت مقالتي بهذه الكلمات لأن موضوعي اليوم ليس من صميم تخصصي ولكن من منطلق غيرتي على وطني وهي رسالة الكل منا يحملها على عاتقه كتبت بكل شفافية وتجرّد عن موضوع بالغ الأهمية ألا وهو العلاقة بين وزارة العمل وأرباب العمل. أكتب وليست لي أية مصلحة فأنا لست تاجراً وعطّلت الوزارة تجارتي، ولست موظفاً بالوزارة أو لي علاقة بها من قريب أو بعيد لأحابيها. إن ما أصبو إليه هو أن أطرق من خلال هذه السطور بابا بالغ الأهمية كان ولا يزال موضع تذمر جميع رجال الأعمال وأرباب العمل، مما حدا بالبعض إلى تقليص أنشطته أو حتى نقل أمتعته والهجرة إلى بلدان مجاورة وخلّف بذلك أثراً سلبياً جمّا على النهضة الاقتصادية في بلدنا، فلعلي أجد آذانا صاغية وعقلاً نيراً يتفاعل مع هذه السطور وهذا عهدنا بمعالي وزير العمل.
المشكلة ليست الحد من التأشيرات التي يحتاج إليها رجال الأعمال لبناء وتشغيل مشاريعهم التجارية، فهذا جزء من مشروع وطني استراتيجي وتنفيذه حقيقة حتمية ولا نختلف على أولوية المواطن بالفوز بالوظائف. المشكلة تكمن في انعدام الاتصال الفعّال بين رجال الأعمال ووزارة العمل، مما دعا برجال الأعمال الأوفياء للوطن إلى انتهاج أسلوب من لا حيلة له والاكتفاء بالتذمر في كل مجلس، أما التجار الذين ينطبق عليهم المثل القديم القائل "الهند هندك إذا قل ماعندك والشام شامك إذا الزمن ضامك" فقد ازدانت بأموالهم دبي ولامست سحبها أبراجهم ومعرض العقار الذي أقيم في الرياض أخيرا كان خير دليل على ذلك للأسف. السؤال المهم هو هل ضمان وظيفة لكل سعودي هدف أم نتيجة؟ إذا كانت هدفاً فلا حول ولا قوة إلا بالله، فأنا أتفق تماما مع منهج وزارة العمل وهو حيلة العاجز من خلال تنفيذ برنامج صارم للإحلال. أما إذا كانت نتيجة فإن هناك بدائل أخرى أكثر كفاءة لحل المشكلة وتوفير وظائف لعدد قليل من الشباب والشابات فنحن ما زلنا شعبا محدودا لا يتخطى تعدادنا 16 مليون نسمة المؤهلين للعمل ما بين سن 18 و25 سنة في بحر المليون نسمة، فما العمل عندما نصبح شعب الـ 50 أو 100 مليون؟!
مملكتنا الغالية تمر ولله الحمد بطفرة اقتصادية كبيرة جراء ارتفاع إيرادات النفط وهو المصدر الرئيس للدخل ولا يختلف اثنان على أن هذه الطفرة مؤقتة نظراً لاعتمادها على مصدر دخل يتأثر بعوامل كثيرة معقدة خارجة عن سيطرتنا مما يقلل احتمالات استمرارها لسنوات طويلة. المهمة الأسمى والتحدي الأكبر لكل منا على وجه العموم وراسمي السياسة الاقتصادية على وجه الخصوص هي بناء اقتصاد قوي يقلل من اعتمادنا على النفط وهذه مهمة أو مشروع ممكن، ولكن للأسف لم ننجح في رسمه وتنفيذه خلال العقود الثلاثة الماضية. إننا نتمتع في المملكة بتوافر جميع المقومات الرئيسية لنجاح المشاريع الاقتصادية من مال وأرض ولكن نحن في حاجة ماسة لأهم مورد ألا وهو العنصر البشري. الهند نمت بمعدل 6.9 في المائة العام الماضي وفي طريقها لأن تصبح ثالث أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة والصين، الصين اقتصادها سيكبر ويفوق اقتصادي ألمانيا وإنجلترا مجتمعتين بعد خمس سنين. لدينا المساحة الشاسعة، والأموال الطائلة فهل لنا بالأيدي العاملة التي تبني هذا الاقتصاد لتجعله من ضمن الاقتصادات العظمى، أم من المستحيل التفكير خارج حدود قدراتنا العقلية؟! من الذي شيد دبي وجعلها من أكثر دول العالم شهرة ومقصدا لكل منشأة عالمية رائدة تبحث عن مقر لها في الشرق الأوسط مثل شركات التقنية والإعلام والمصارف وغيرها؟ وأين؟ في دبي ذات الطقس الحار والرطوبة القاتلة، ذات المساحة الصغيرة والطبيعة الفقيرة.

إن تنظيم سوق العمل يا سيدي وضمان وظيفة لكل مواطن لا يأتي من خلال الإحلال، فالواجب أن يكون الإحلال جزءا صغيرا من برنامج أو مشروع وطني شامل يهدف إلى ضمان وظيفة لكل خريج للسنوات الخمس أو العشر المقبلة. كيف لي كقطاع أو وزارة أن أوفر على سبيل المثال 500 أو 600 ألف وظيفة خلال عهدي في الوزارة وأسجل نجاحات سريعة خلال وقت قصير بالطبع من خلال برنامج الإحلال؟ ولكن هذا المشروع له طاقة محدودة فالمتاح من الوظائف القابلة للإحلال محدود، فمن أين نخلق وظائف بعد تنفيذ البرنامج؟ إن مشروع ضمان وظيفة لكل سعودي للسنوات العشر المقبلة مشروع معقد جداً، فهل لديكم من الطاقات والعقول لرسم سياسته؟ فالمشروع مرتبط بمخرجات التعليم وجودتها، بالأنظمة والقوانين التي تضمن حقوق الطرفين، الإجراءات التنفيذية الواضحة والسريعة، الخبرات والطاقات التي تفهم مختلف القطاعات الاقتصادية وتستطيع رفع التوصيات السليمة التي تخدم الاقتصاد الكلي للوطن.
أخيراً فلنجلس على طاولة واحدة مع أصحاب الشأن ونتحاور بكل شفافية ونعمل بعقلية الشركاء للوصول إلى الهدف الأسمى وهو رفع المستوى المعيشي للأسرة السعودية والمشاركة في نمو الإجمالي المحلي للمملكة لوضعها في مصاف الدول المتقدمة. ولنفكر بكل جدية في جعل السعودة نتيجة بدلاً من أن تكون هدفاً من خلال العمل مع الجهات المعنية للتوسع في إنشاء المشاريع الجديدة التي بالتالي ستخلق فرص عمل جديدة وتسهم بالتأكيد في نمو الناتج المحلي الإجمالي للمملكة.

الأكثر قراءة