قوارير من فضة

قوارير من فضة

<p><a href="mailto:[email protected]">azarify@writeme.com</a></p>
بات من المعروف بداهة أن الذرة هي أصغر الوحدات المكونة للمادة سواء كانت في حالة صلبة أم سائلة أم غازية، وتتهيكل منها الجزئيات والخلايا، بيد أن المتأمل لمكونات الذرة نفسها يجدها تتركب من بروتون ونيترون كنواة ويدور حولهما الإلكترون وهذه أيضا أضحت من بديهيات العلم، إلا أن مكمن الغرابة في هذا الموضوع العلمي الدقيق يتموضع في آلية هذا التركيب خصوصا عندما نعلم أن مادة الكون برمته تخضع للتركيبة نفسها, أي من البروتونات والنيترونات والإلكترونات وما اختلاف المواد إلا نتيجة لتفاوت أعداد تلك المكونات الدقيقة داخل الذرة، وبالاطلاع على الجدول الدوري للعناصر "جدول مندليف" يتبين لنا أن ذرة الهيدروجين (H) مثلا وهو أبسط وأكثر مواد الكون تتركب من بروتون واحد ونيترون واحد ويدور حولهما الكترون بينما نجد أن ذرة عنصر اليورانيوم (U) تتركب من 238 بروتونا لاحظ التفاوت الكبير في العدد الذري بين المادتين – على أن ما يعنينا من هذا المقال هو مادتا السيلكون والفضة فذرة السيلكون Si وهو عنصر غير فلزي تتكون من 14 بروتونا وبالطبع العدد نفسه من النيترونات ويدور حولها الإلكترونات 2، 8، 4، لكل مستوى وكتلتها الذرية تساوي g/mol (3) )28.0855)، وذرة الفضة وهو نوع من الفلزات Metal تتركب من 47 بروتونا والعدد نفسه من النيترونات و2، 8، 18، 18، 1 إلكترونا لكل مستوى مع كتلة ذرية تقدر بـ g/mol (107.8682)، فيا ترى ما العلاقة التي ربطت هذين العنصرين المختلفين تماما في محكم التنزيل ورمت إليها الآية الكريمة في سورة الإنسان قال عز وجل: (ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا، قوارير من فضة قدروها تقديرا) فكيف تكون القوارير من فضة؟ أو بمعنى آخر كيف يكون الزجاج من فضة؟ وفي اللغة العربية تطلق كلمة قوارير على الزجاج بجميع أشكاله وأصنافه ولا يقصد به "القارورة" أو "القنينة" التي نعرفها الآن أو ما أشبه كما قد يفهم البعض ويوضح ذلك المعنى قول المولى عز وجل في سورة النمل (قال إنه صرح ممرد من قوارير) على أن مدلول الآية السابقة ينص على أن تلك الأكواب مصنوعة من الزجاج بيد أنه ليس زجاجا عاديا وإنما هو مستخلص من الفضة الثمينة، وللإجابة عن مجمل تلك التساؤلات التي باتت تؤرقني كلما ترددت تلك الآية الكريمة على مسمعي خصوصا في صلاة فجر الجمعة التي يستحب فيها قراءة سورتي السجدة والإنسان عمدت أولا إلى الرجوع إلى التفاسير المعروفة وقد جاء تفسير (قوارير من فضة) في سورة الإنسان في الصفحة رقم 482 من المجلد الرابع لتفسير ابن كثير (قال ابن عباس ومجاهد والحسن البصري وغير واحد: هو بياض الفضة في صفاء الزجاج والقوارير لا تكون إلا من زجاج، فهذه الأكواب هي من فضة وهي مع هذا شفافة يرى ما في باطنها من ظاهرها، وهذا مما لا نظير له في الدنيا وقيل إن ا بن عباس قال: ليس في الجنة شيء إلا قد أعطيتم في الدنيا شبهه إلا قوارير من فضة، وقوله تعالى (قدروها تقديرا) أي على قدر ريهم لا تزيد عنه ولا تنقص وقال العوفي عن ابن عباس (قدروها تقديرا) قدرت للكف أي كف اليد وعلى نحو من ذلك جاء في تفسير الطبري وتفسير النسفي، وبالرجوع مرة أخرى إلى الجدول الدوري للعناصر يتضح أن هناك ما يسمى النظائر وهي أشكال للعنصر نفسه ولها العدد الذري نفسه بيد أنها تختلف بالكتلة الذرية، فكما هو معلوم أن الرقم الذري يساوي عدد البروتونات فقط الموجودة في الذرة مما يعني أن نظائر أي عنصر تحتوي على عدد البروتونات نفسها وإنما الاختلاف ينتج عن الاختلاف في عدد النيترونات داخل نواة الذرة، فما المانع إذن أن يلتقي أحد نظائر السيلكون بأي من مستوياته مع نظير من نظائر الفضة مع تحوير ربما في عدد البروتونات وفق منظومة من التفاعلات الذرية المدروسة والتقديرات الدقيقة وربما هذا ما عنته الآية الكريمة في (قدروها تقديرا) وباستخدام مفاعلات عالية التقنية لينتج عنها في النهاية الفضة الزجاجية، قد يبدو ذلك ضربا من المستحيل وقد يعده البعض نوعا من العبث العلمي ولكن يا ترى هل كانت تلك المحاولات الدؤوبة والبحوث العلمية المكثفة لمعرفة أسرار أصغر مكونات المادة في بدايات القرن وما آلت إليه تلك البحوث الرائدة والزاخرة بعظيم الفوائد العلمية من اكتشاف للذرة ومكوناتها ومن ثم تفجيرها يعد نوعا من العبث العلمي؟ كما أن محاولة صنع الفضة الزجاجية ليس فيه تعد على حقوق الله سبحانه وتعالى بل فيه تأييد لدينه وكتابه فيما لو نجحت المفاعلات في إيجاد تلك المادة بل إن مجرد ذكر تلك المادة في الكتاب الكريم على هذا النحو يعد إعجازا مدهشا بحد ذاته، كما يجب ألا تثبط هممنا أقوال مثل قول قتادة (لو احتاج أهل الباطن أن يعملوا إناء من فضة يرى ما فيه من خلفه، كما يرى ما في القوارير ما قدروا عليه) وكأن العلوم والتقنيات العالية لا تكون إلا بيد أهل الباطن.

الأكثر قراءة