صفقة موانئ دبي والكونجرس
لا حديث في أمريكا هذه الأيام غير شراء هيئة موانئ دبي لشركة P& O البريطانية، التي تدير ستة موانئ في الولايات المتحدة الأمريكية.
والمحاولات التي يقوم بها بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي لإفشال هذه الصفقة هي بلا شك محاولات خاطئة.
وقد أظهر الرئيس الأمريكي جورج بوش بعض الحكمة عندما تعهد بأنه سيستخدم حق النقض (الفيتو) لوقف أية محاولة من قبل المشرعين الأمريكيين لإفشال هذه الصفقة التجارية.
وهيئة موانئ دبي الدولية هي شركة عالمية لإدارة الموانئ، وهي ستشتري الشركة البريطانية P& O المتخصصة في إدارة الموانئ بمبلغ (6.8) مليار دولار أمريكي، وكجزء من هذه الصفقة، ستكون الشركة العربية مسؤولة عن إدارة ستة موانئ في الولايات المتحدة، هي موانئ: نيويورك، ونيو جرسي، وفيلادلفيا، وبالتيمور، ونيو أورليانز, وميامي.
وقد انضم بعض أعضاء الكونجرس الديمقراطيين إلى السيناتور الجمهوري بيل فيرستي في مساعيه لإصدار تشريع لإلغاء الصفقة بحجة حماية الأمن القومي الأمريكي، وربما يكون تخوف أعضاء الكونجرس الأمريكيين من هذه الصفقة هي أن اثنين من منفذي هجمات الحادي عشر من سبتمبر هما من مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة، وهم يخشون أن الإدارة العربية للموانئ الأمريكية قد تفتح الباب أمام الإرهابيين الدوليين لمهاجمة الولايات المتحدة الأمريكية.
ويا للأسف، فهذا تحيز فاضح يثير مرة أخرى الاعتقاد المرفوض بأن كل المسلمين إرهابيون، وإذا تركنا جانبا حقيقة أن أي محاولة لإعاقة حركة رأس المال الاستثماري ستكون ضد قواعد وأنظمة منظمة التجارة العالمية، فإن ردة الفعل ضد هذه الصفقة ليست فقط غير عقلانية، بل هي أيضا تفتقر إلى المنطق.
وواضح أن السيناتور بيل فيرست وزملاءه قد نسوا أو تناسوا أن المشرعين البريطانيين لم يعترضوا على شراء الشركة الإماراتية لشركة الموانئ البريطانية.
ولم تحدث أية احتجاجات في أي من الصين، وهونج كونج، وكوريا الجنوبية, والهند، وأستراليا، وألمانيا، وفنزويلا، وجمهورية الدومنيكان، وهي دول تعمل الشركة الإماراتية في موانئها.
بالإضافة إلى كل هذا، فقد أدخلت الجمارك الأمريكية وحرس الحدود إجراءات صارمة للتحكم في أي حاوية تدخل إلى أي ميناء في الولايات المتحدة، ولا سيما أن أكثر من عشرة ملايين حاوية قد دخلت إلى الموانئ الأمريكية عام 2005م.
ومن هذه الإجراءات إرسال مانفست الشحنة بالتفصيل قبل دخول أي بارجة إلى الموانئ الأمريكية بأربع وعشرين ساعة.
أيضا يتم إجراء تدقيق بالأجهزة الإلكترونية الحديثة لمحتويات الحاويات.
من هنا لا يوجد أي سبب للافتراض بأن إدارة الشركة الإماراتية للموانئ الأمريكية ستكون أقل صرامة وأمنا.
وفي الواقع فإن ردة فعل السيناتور بيل فيرست وزملائه على الصفقة ليست مؤسفا فقط، بل ينم عن جهل مطبق.
وكان الرئيس بوش محقا عندما قال إن إفشال هذه الصفقة سيرسل إشارات خاطئة إلى بقية دول العالم بأن السياسة الخارجية الأمريكية ليست عادلة أو حيادية.
ومن هنا يبرز الشكل في نوايا النواب الأمريكيين المعترضين على الصفقة بأن عملهم هذا ليس أكثر من محاولة لكسب رضا الناخبين في الانتخابات التشريعية التي ستجري في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.
وبمحاولتهم إفشال هذه الصفقة لمجرد أن أحد أطرافها عربي دليل واضح على أنهم نواب فاشلون.
وقد انساقت بعض وسائل الإعلام الأمريكية وراء هذه الموجة وبدأت ترسم صورة خطيرة.
وقد حاولت العديد من برامج الحوارات إخافة المشاهدين من هذه الصفقة، وقد بالغ معلق شبكة سي. إن. إن آندرسون كوبر كثيرا عندما حذر الأمريكيين من الشركات الصينية أيضا بحجة أن هناك إرهابيين مسلمين في الصين!!!
لقد فعل اللوبي المعارض للعرب فعلتهم تجاه هذه الصفقة التجارية المحفئة، وقد أقحم أعضاء هذا اللوبي اسم المملكة العربية السعودية بدون أي داع.
وأستغرب لماذا لم تقم الشركة الإماراتية بحملة إعلامية مضادة؟ لكن يبدو أن هذا قدرنا وعلينا تحمله، ونحن نأمل أن يحذو الناخبون الأمريكيون حذو رئيسهم جورج بوش في موقفه المعارض للمحتجين على هذه الصفقة وإلا فإن الاعتقاد بأن أمريكا بدأت تعترف بأن العالم الإسلامي ضد الإرهاب هو اعتقاد خاطئ.
- رئيس تحرير "عرب نيوز"