أطفالنا ويوم وطني للنظافة قد يوقظ الإحساس فينا
متى يعود اليوم الوطني للنظافة والذي أذكره منذ أربعين عاماَ عندما كنا نخرج من فصولنا الدراسية ليوم النظافة الذي يشمل جميع مدارس المدينة. فنتجول داخل الحي ونقوم بجمع النفايات المرمية على الطرقات. وهو يوم أيقظ الإحساس لدينا منذ الصغر بأهمية النظافة. ولم يكن المقصود منها أننا بقلة عددنا سنستطيع أن نحل محل البلديات في تنظيف المدينة، وإنما كان الهدف هو أن نحس بمعانات غيرنا ممن سيقومون بالتنظيف، ونحس بمدى التشويه والتلوث وعدوى انتشار الأمراض في الحي الذي نسكنه ليشمل ذلك بقية أحياء المدينة. فيوم النظافة يزرع في نفوس الأطفال منذ الصغر مبدأ المحافظة على نظافة المدينة. خاصة وأنه من الصعب زرع ذلك في عقولنا بعد أن كبرنا فنحن جيل (فاتت علينا) ولكن الأمل في الجيل القادم.
وبالطبع كان هناك بعض التحفظ من بعض العائلات وعدم قبولهم فكرة قيام أبنائهم بالنزول إلى هذا المستوى كعامل نظافة بينما هي فقط للإحساس الرمزي، كما أن النظافة والتقاط النفايات مبدأ إنساني سام واحد أهم القيم الحضارية وأن ديننا يدعو إليها "إماطة الأذى عن الطريق حسنة".
لقد سعدنا بتضافر جهود أمانة مدينة الرياض والمرور في حملة توعية لعدم رمي النفايات في الطرق وما صاحب ذلك من تحديد غرامات مادية على المستهترين بالنظافة. ومع أنني تمنيت أن يتم نشر إحصائيات عن عدد المخالفين. أو أن يتم التشهير البسيط ببعضهم. كأن تكون هناك سيارة خاصة وعليها شعار أمن النظافة ونراها توقف المخالفين ليتعظ المارة من حولها. وهو سابقة تحسب لرصيد أمانة مدينة الرياض على أمل أن يحذو حذوها بقية مدن وقرى المملكة.
وكاستمرار لهذا المجهود فإنني أرى أن يتم الدعوة إلى يوم وطني للنظافة يتم من خلاله تخصيص يوم دراسي أو نصفه وعلى مستوى جميع مدارس المملكة وخاصة الابتدائية. مع وضع برنامج توعوي قبل البدء في الموضوع، وأن يتم التنسيق مع الجهات الخدمية الأخرى للمشاركة في إرشاد الطلاب إلى أهمية النظافة ومدى ضرورتها لحماية البيئة والحماية من انتشار الأمراض. مع أخذ الاحتياطات اللازمة لحماية هؤلاء الأطفال بالتعاون مع المرور والشرطة للتحكم في المرور داخل الأحياء حتى لا يتعرض أطفالنا للحوادث. وأن يقوم كل من وزارة الصحة والبلديات ومقاولو النظافة بدعم الموضوع وبتوزيع واقيات بلاستيكية للأيدي وكمامات وأكياس للزبالة وغيرها حتى لا يصاب الأطفال بالأمراض أو التلوث.
واستمراراً لما سبق أن طرحته عن أهمية تأثيث الطرقSTREET FURNITURE أعيد وأؤكد أهمية تنظيم صناديق النفايات ووضعها المزري والعشوائي في مدننا، وهو ازدراء واضح لمستوى الحس الذوقي للمواطنين وأحياناً نكون نحن كأفراد السبب وراء ذلك. فمتى نعطيها حقها من الاهتمام كأحد دلائل تحضر المجتمع ونمو حس المواطن وذوقه للتمتع بالتجول في مدينته التي يقضي معظم يومه تجوالاً في شوارعها لقضاء واجبات العملية والاجتماعية. حيث إن الطرق عالمياً تعتبر من أهم وسائل الترفيه والتمشية، فنسمع عن شارع الشانزليزيه أو أوكسفورد والمحلات والمطاعم التي تطل عليها. ومن هذا المنطلق نرى أن معظم مدن العالم المتحضر تعتني بتنسيق وتأثيث الشوارع واللوحات وأسماء المحلات وطريقة تثبيتها بحيث تضفي جمالاً ومتعة للمارة. وهو علم قائم بذاته وله مقايساته الهندسية الدقيقة والعالمية ومراجعه المتعددة التي تحدد أنظمته ومواصفاته وطريقة رصف الرصيف وتحديد مسارات المشاة والدراجات ومنحدرات واضحة للمعاقين ولمداخل المواقف، مع العناية بالتشجير وتوفير مظلات ومقاعد الانتظار وأعمدة الإنارة، واختيار أشكال جميلة لسلات النفايات وصناديق البريد وكبائن الهاتف وطريقة تأثيثه وتنظيم مواقع اللوحات سواء للمحلات التجارية أو الإعلانية على واجهات المباني. والتي تهدف في مضمونها إلى مراعاة الذوق العام، وإضفاء جو المتعة والرفاهية لسكان المدينة. وهي مراجع تقطع بذلك ذريعة الاجتهاد الشخصي من بعض المسؤولين الكسولين، بينما هناك مراجع واضحة ودقيقة لاتخاذ قرارات مبنية على أسس علمية تغني عن هذا العذر الواهي وعدم المبالات بالذوق العام.
ومن خلال هذا اليوم الوطني فإنني أعتقد أن الكبار سيخجلون مما يقدمه الأطفال فيساعد ذلك على خلق روح الغيرة والنشوة لديهم ويوقظ فيهم الإحساس المتبلد والتجاهل لأهم القيم الحضارية. حيث إننا نرى مساهمة بعض المواطنين محدودة بتوعية أبنائه أو حتى في نظافة الحي أو على الأقل مقدمة منزله ومحاولة تسديد النقص بقدر المستطاع لتلافي ما نراه اليوم من الأنانية الحضرية، حيث أصبح كلٌ يرمي ببرميل النفايات عن حدود موقعه إلى جاره وأصبح عامل الزبالة مشدوهاً أين يضعه ليستقر أحياناً في وسط الطريق ويعرقل سير العابرين دون أن يقوم أحد بسنة إزالة الأذى عن الطريق أو تخصيص مكان صغير لجمعها.
فالنظافة هي عنوان الإنسان وتعبير عن تمدنه و تحضره فالإنسان الذي يولي اهتمامه بمظهره ونظافة ملبسه وسيارته لا بد أن يكون لديه بعض الإحساس بأهمية العناية بمظهر واجهة منزله أو محله، والاهتمام بإماطة الأذى عن الطريق، حيث إن صناديق النفايات أسوأ أنواع الأذى، وطريقة وضع اللوحات الخارجية وأنها جزء من شخصيته وعدم الاهتمام بها يعتبر نقصا في شخصيته الاعتبارية كمواطن صالح يسعى للمصلحة العامة.
ولا يفوتني في هذا المجال أن أشد على أيدي المسؤولين في البلديات ومن منطلق الحرص على الوصول إلى حلول تخطيطية جيدة لمشاكل النظافة وصناديق النفايات، وأقترح قيام البلديات بعمل نماذج لفتحات داخل الأسوار تفتح من داخل المنزل أو خارج مجموعة المحلات التجارية إلى برميل الزبالة مع عمل قفل الأمان اللازم (هذا النظام كان مطبقا قديماً في مدينة الخبر والآن في الحي الدبلوماسي في الرياض) وأن يلزم كل مالك عمارة أو مركز تجاري بتخصيص موقع جانبي أو خلفي لصناديق النفايات مثلها مثل غرف الكهرباء والعدادات، أو أن يخفي موقعه بحوائط أو قواطع خفيفة تخفي على الأقل منظرها المزري على أن تكون العملية ميسرة لنقلها بسيارات نقل النفايات.
من منا لا يحلم بمتعة التجول بصحبة عائلته أو أصدقائه في شوارع وطرقات المدينة ويسعد برؤيتها نظيفة ومنسقة بالحدائق والأشجار وتأثيث الأرصفة ولوحات الإعلانات المنسقة ومن خلال شوارع نظيفة ومرتبة لتكون متعة للناظرين. ولماذا نلجأ إلى الحلم وهو أسهل ما يمكن أن يكون حقيقة بتضافر الجهود. إنها دعوة إلى صحوة إنسانية وصحية لمحاولة تصحيح الوضع المزري الذي وصل إليه المظهر العام لمستوى النظافة في شوارعنا ومحاولة تحقيق الحلم الجميل للجميع وهذا لا يمكن تحقيقه إلا بتضافر الجهود، وفي تصوري أن هذه الحلول سهلة وفي متناول الجميع.