الإخوان المسلمون في مصر وحقيقة التوجّه الديمقراطي
مثل حصول جماعة الإخوان المسلمين المصرية على نسبة 20 في المائة من مقاعد مجلس الشعب في الانتخابات البرلمانية التي جرت خلال شهري تشرين الثاني (نوفمبر) وكانون الأول (ديسمبر) 2005 حدثاً مهماً في الساحة السياسية المصرية طرح عديداً من الأسئلة حول أسباب الانتصار الانتخابي الكبير للإخوان، ومدى تأثيره في التطور السياسي في البلاد عموماً وعلى جماعة الإخوان خصوصاً، وحقيقة رغبة جماعة الإخوان المسلمين في الاندماج في العملية الديمقراطية بكل ما يقتضيه ذلك من قبول لقواعدها وفي مقدمتها تداول السلطة عبر الانتخابات الحرة. وقد حظيت كل تلك التساؤلات بحوارات واسعة داخل المجتمع المصري وبين أطراف نخبته السياسية وتناثرت الإجابات المختلفة عنها سواء من جانب الإخوان أو من جانب المحللين السياسيين من مختلف الحساسيات السياسية. إلا أن التساؤل الذي ظل موجوداً قبل نجاح الإخوان الانتخابي الساحق بوقت طويل وزاد تداوله بعده، هو ذلك المتعلق بحقيقة رغبة جماعة الإخوان المسلمين في الاندماج في العملية الديمقراطية بكل ما يقتضيه ذلك من قبول لقواعدها وفي مقدمتها تداول السلطة عبر الانتخابات الحرة.
ومن المعروف أن الجماعة المحظورة قانوناً في مصر منذ عام 1954 قد خاضت انتخابات مجلس الشعب في نهاية عام 2005 بنحو 150 مرشحاً من بين نحو خمسة آلاف مرشح تنافسوا على مقاعد يبلغ عددها 444 مقعداً. أي أن نسبة مرشحي الإخوان بالقياس إلى العدد الكلي للمرشحين لم تتجاوز 03. في المائة فقط منهم، ومع ذلك فقد نجحوا في الحصول على 88 مقعداً في المجلس يمثلون 20 في المائة من إجمالي مقاعده، ويمثلون نحو 60 في المائة من مرشحي الإخوان. وبالقياس إلى الأحزاب السياسية الشرعية التي خاضت تلك الانتخابات فقد بدا انتصار الإخوان كاسحاً، فالحزب الوطني الديمقراطي الحاكم نجح بنحو 145 مرشحاً من مرشحيه الرسميين لتلك الانتخابات، بما يعادل نحو 33 في المائة من مقاعد مجلس الشعب، من بين 444 مرشحاً رسمياً له، أما أحزاب المعارضة مجتمعة فلم تحصل سوى على تسعة مقاعد لا تزيد نسبتها في المجلس على 2 في المائة فقط منه.
بعد ذلك النجاح الكاسح للجماعة تزايدت التساؤلات حول حقيقة إيمانها بالديمقراطية ومدى استعدادها لقبول قواعدها الأساسية وبخاصة التداول السلمي للسلطة. والحقيقة أن عوامل عديدة تدفع إلى القول بصدق الإخوان في سعيهم نحو الديمقراطية واستعدادهم للاندماج في الحياة السياسية الشرعية بالرغم من وجود بعض التعميم وعدم التفصيل في مواقفهم من بعض القضايا المتعلقة بذلك، مثل وضع المرأة والمسيحيين الأقباط وحقوقهم السياسية. فمن ناحية يبدو واضحاً على المستوى الدولي أن كافة الحركات والأحزاب الإسلامية السياسية الاجتماعية التي تعد جماعة الإخوان المصرية واحدة منها، والتي اندمجت في الحياة السياسية الديمقراطية في بلدانها والتي سبقت الإشارة إلى بعضها، قد قبلت كل القواعد المنظمة لتلك الحياة وفي مقدمتها التداول السلمي للسلطة. ويعني هذا أنه لا يوجد من الأسباب المنطقية ما يدفع الجماعة المصرية إلى الانقلاب على تلك القواعد الديمقراطية وهذا التداول السلمي للسلطة حتى لو حصلت على الأغلبية البرلمانية في أي انتخابات قادمة. كذلك فقد أكدت الجماعة في عديد من الوثائق الرسمية الصادرة عن هيئاتها القيادية، منذ وثيقة عام 1994 السابق ذكرها ومروراً بمبادرة الإصلاح السياسي التي قدمها مرشدها العام في آذار (مارس) 2004 وحتى برنامجها الانتخابي العام في انتخابات مجلس الشعب عام 2005، على قبولها لكافة القواعد المنظمة للحياة الديمقراطية السليمة وعلى رأسها التداول السلمي للسلطة. من ناحية أخيرة، فإن السلوك العملي للجماعة في الانتخابات النقابية والعامة السابقة التي خاضتها أكثر من مرة وحصلت في بعضها على أغلبية المقاعد، يوضح قبولها العلني للقواعد المنظمة لكل انتخابات منها وفي مقدمتها التداول السلمي بحسبما تسفر عنه نتائج تلك الانتخابات.
ومع كل ذلك تبقى المشكلة الرئيسية أمام اندماج الجماعة في الحياة السياسية المصرية الشرعية هي تحولها إلى أو تشكيلها لحزب سياسي يعبر عن أفكارها وتوجهاتها، وتدخل به إلى عالم الشرعية السياسية والقانونية. وتبدو قضية الحزب السياسي، أو الاعتراف القانوني بالجماعة المحظورة، إحدى القضايا المهمة اليوم سواء على جدول أعمال الجماعة نفسها أو الدولة أو المجتمع السياسي المصري عموماً. فبداخل الجماعة لا تزال هناك إشكالية تتعلق بفكرة إنشاء الحزب ليس من حيث المبدأ الذي يوافق عليه جميع قادتها وأعضائها، بل بما إذا كان ذلك الحزب سيكون إحدى أدوات الجماعة في العمل العام والسياسي أم أنه سيحل محل الجماعة كلها. وتوضح مؤشرات عديدة أن الجماعة تكاد تكون منقسمة داخلياً بين هذين الرأيين، حيث تنحاز الأغلبية الساحقة من الجيل الأكبر إلى أن ينشأ الحزب بجانب الجماعة التي تظل لها المرجعية الرئيسية، ويقف معهم في الاتجاه نفسه عدد لا بأس به من المنتمين للجيلين الثاني والثالث. وعلى الجانب الآخر يقف المؤيدون لإنشاء حزب يحل محل الجماعة ويقوم بأدوارها السياسية والعامة، وهم ينتمون جميعاً تقريباً إلى الجيلين الثاني والثالث.
في كل الأحوال، فمن الواجب اليوم على جماعة الإخوان المسلمين المصرية، مع استمرارها في مطالبة الدولة بالاعتراف القانوني بها والذي هو حقها، أن تحدد بدقة المعني القانوني لهذا الاعتراف الذي تطالب به حتى لا تظل تلك المطالبة المشروعة محلقة في الفراغ. وتقدم الجماعة بهذا المطلب سيكون برهاناً إضافياً على صدق توجهاتها الديمقراطية ورغبتها في الاندماج السلمي في الحياة السياسية بكل ما يتطلبه ذلك من إيمان بقواعدها المنظمة وفي مقدمتها التداول السلمي للسلطة.