وزارة التجارة – فاقد الشيء لا يعطيه

قامت وزارة التجارة في الآونة الأخيرة بحملة تعريفية بمزايا انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية, واستخدمت الوزارة في هذه الحملة خيرة موظفيها الذين عملوا لسنوات طويلة لكي يتحقق هذا الهدف وعلى رأسهم معالي الوزير. إن معظم الحديث في هذه الندوات التعريفية يدور حول تهيئة رجال الأعمال والقطاع الخاص لسوق عالمية جديدة ومنافسة مرتقبة من كثير من الشركات العالمية التي ترى في سوق المملكة فرصاً تجارية تعد الأفضل على مستوى المنطقة ومستهلكين محليين بقدرة شرائية يسيل لها لعاب الباحثين عن أسواق جديدة لسلعهم ومنتجاتهم. إن هذه الرسالة التي تحاول وزارة التجارة مشكورة إيصالها إلى أصحاب الأعمال بشكل خاص والمواطنين بشكل عام قد وصلت للغالبية منهم عدا قلة مهمة جداً ذات تأثير مباشر على سرعة استعدادنا لما هو قادم. إن هذا العدد القليل الذي نتحدث عنه يمثلون جل صانعي القرار في الوزارة ومعظم موظفيها. إن أي زائر لقسم السجل التجاري في وزارة التجارة لا بد له أن يستغرب من المسافة الشاسعة بين ما يقوله معالي الوزير - عندما يتحدث عن انضمام المملكة إلى منظمة – وبين الممارسة اليومية لموظفي السجل التجاري ومحاولاتهم الجادة لتطبيق أنظمة أقل ما يقال عنها إنها أحد الأسباب الرئيسة لتخلف اقتصادنا عن طموحات القيادة وتطلعات المواطنين.
إن أحد الأمثلة الواضحة للاشتراطات غير المنطقية هو الشرط الذي وضعته الوزارة لمن يرغب في المشاركة بتأسيس شركه تضامنية, وينص هذا الشرط على ألا يكون طالب المشاركة من الأشخاص المرخص لهم بمزاولة مهنة حرة, وبالتالي فإن الوزارة تريد بذلك حرمان الأطباء، المهندسين، المحامين، المستشارين الاقتصاديين، والمحاسبين وأي شخص آخر يعمل في أي مهنة، من أن يسهم في تأسيس شركة. إن مثل هذا النظام لن تستطيع الوزارة فرضه على الشركات العالمية المقبلة، وبذلك فهي تضعنا عمداّ في موقع المنافس الضعيف بحرمانها شركاتنا من هذه النخبة . قد يكون هناك سبب (مع العلم أنه يصعب تصور وجود أي سبب مقنع لمثل هذا الشرط) جعل الوزارة تضع هذا الشرط قبل سنوات طويلة, ولكن الوضع الاقتصادي الذي تغير كثيراّ في السنين الأخيرة - إضافة إلى التطورات الكبيرة التي حصلت أخيرا التي أهمها انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية- يجعل من وجود هذا الشرط وأمثاله عقبة يلزم إزالتها قبل أن ينخرط مجتمعنا في المنظومة العالمية. إن الأجدى لوزارة التجارة أن تسعى سريعاّ لمراجعة مثل هذه الأنظمة التي تكبح جماح التقدم وتسهم في جعل اقتصادنا لقمة سائغة في أفواه الشركات العالمية الجائعة. إن أقل ما نطالب به وزارة التجارة هو أن تعاملنا بالمثل مع الشركات الأجنبية وألا تطالب شركاتنا بما لا تستطيع مطالبة الغير به. إننا لا نطالب هذه الوزارة بحماية مواطنينا وشركاتنا من المنافسة الخارجية ولكننا نطالبها بأن تحمينا من أنظمتها البائدة وإجراءاتها التعسفية. إن الوزارة لم تقم بأي عمل يذكر يتعلق بتسهيل الإجراءات وتسريعها, فهي مازالت تفرض مدة انتظار زمنية تتجاوز الشهر لكي تُصرح بإنشاء مؤسسة فردية, وأطول من ذلك بكثير في حال طلب تسجيل شركة من أي نوع. إن أول ما يواجه به أي مستثمر (سعودي) جديد – لأن الأنظمة التعسفية لا تطبق على سواهم – هو التدخل السافر من قبل موظفي الوزارة في تسمية هذا المستثمر مؤسسته أو شركته الجديدة, فبعضهم يُصّر أن يعرف معنى هذا الاسم وإذا لم يستسغ معناه فإنه لن يسمح لصاحبه بتسجيله والبعض الآخر يصر على أن يكون الاسم عربياً خالصاً متجاهلاً أن السواد الأعظم من الشركات التي سوف تعمل في سوقنا ستكون غير عربية وحتى العربية منها سُجلت في بلدانها بعيداً عن بيروقراطية الوزارة. بعد أن ينتهي هذا المستثمر من معاناة الاسم يطلب منه أن يستأجر موقعاً للمؤسسة قبل أن تتفضل عليه الوزارة بالتصريح, وبذلك تصر الوزارة على المطالبة بالعربة قبل الحصان, ثم يؤمر بالإعلان في إحدى الصحف لمدة شهر لا يحق له فيه إلا الانتظار في مكتبه الجديد الذي دفع إيجاره مع أنه لن يستفيد منه لأشهر طويلة. كل هذه الإجراءات الأولية تعمل في الدول المجاورة خلال ساعات قليلة وتعملها وزارتنا في أشهر طويلة, دون أدنى إحساس بأهمية الوقت وكأن عندنا من الوقت معيناّ لا ينضب. إن الواجب على وزارة التجارة أن تقوم بمراجعة أنظمتها وتسهيل إجراءاتها وتوعيه موظفيها قبل أن تبدأ في توعية الغير لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي