مهنة "موظف الاستقبال".. سعودة 100 % ومشاكل 200%
تكتسب مهنة موظف الاستقبال في الشركات والمؤسسات الأهلية وصف "مهنة من لا مهنة له"، ويراها البعض "مهنة المتاعب والمسؤوليات والمشكلات"، ورغم ذلك لا يصاحبها الراتب المجزي، وينظر إليها آخرون على أنها "مهنة بلا خبرة"، إذ لا يتطلب التعيين فيها الشهادات والخبرات التي لا غنى عنها في المهن الأخرى، خاصة الحرفية والفنية منها.
ورغم أن مهنة "موظف الاستقبال" من المهن التي تحققت فيها السعودة الحقيقية بنسبة تقترب من 100 في المائة دون مجهود أو مراقبة شديدة من الجهات المعنية، إلا أن العاملين فيها لا يرون فيها مستقبلاً حقيقياً يمكن الاعتماد عليه، وينظر إليها الموظف فيها على أنها مهنة انتقالية، لابد أن تنتهي وإن طال عليها الزمن. وإذا كانت هناك شركات ومؤسسات لا تهتم بموظفي الاستقبال لديها، ولا تعيرهم اهتماما، فإن شركات أخرى ترى في هذه المهنة وموظفيها واجهة وعنواناً لها في جذب عملاء جدد والمحافظة على العملاء القدامى، ولذلك ترى أنه لابد من الاهتمام بهم وبمظهرهم العام وتطوير أدائهم، في الوقت نفسه تنظر مؤسسات خاصة إلى هذه المهنة فرصة عظيمة، ترفع بها نسبة السعودة بين موظفيها الأجانب عن طريق تعيين موظف سعودي أو أكثر فيها، بهدف إرضاء مكاتب العمل التي تراقب السعودة.
مدة قياسية
ويدرك حبيب عوض (موظف الاستقبال في إحدى شركات المنطقة الصناعية الأولى في الدمام)، أن الأمل ضعيف جداً في الاستمرار في عمله، ويقول: "أعمل هنا منذ أكثر من عامين، وهي مدة قياسية مقارنة بالذين عملوا قبلي في هذه الشركة، إذ لا يستمر الموظف منهم أكثر من ثمانية أشهر، وبعدها يرحل بنفسه أو بقرار من إدارة الشركة لأسباب مختلفة"، مشيراً إلى أن ما يحدث في شركته يحدث في شركات كثيرة، خاصة في القطاع الأهلي، ويضيف: "من السهل أن يجد أي شاب سعودي مهنة "موظف استقبال" في أي وقت، ليس لسبب سوى أن العاملين في هذه المهنة لا يثبتون في مكانهم، وينتقلون إلى وظائف أخرى، وإن زادت في الراتب ريالا واحدا"، مشيراً إلى أن راتبه لا يتعدى 1800 ريال، ذاكرا أن هذا الراتب لا يساعد الشاب السعودي على التفكير في أي أمر من الشؤون الحياتية، مثل الزواج أو شراء سيارة أو شراء منزل أو حتى افتتاح مشروع صغير جداً، مختتما حديثه بقوله: "هذا يجعل لدي شعورا بأنني لن أستمر في هذه المهنة إلى الأبد، وحتماً سأتركها بمجرد أن أجد عملاً آخر أفضل منه".
نظرة دونية
ويتفق أسامة سعيد مع حبيب فيما وصل إليه، ذاكرا أن هناك نظرة دونية للعاملين في أقسام الاستقبال، والسبب يعود إلى أن هذه المهنة بالذات لا يتطلب التعيين فيها شروطاً كثيرة، إذا يكفي أن يكون لديه شهادة الكفاءة، ويقول: "أعمل في هذه المهنة منذ ثلاثة أشهر، علماً بأن شهادتي الثانوية العامة تقديرها جيد، إلا أن الجامعات لم تقبلني في أي من كلياتها، فقررت الاتجاه إلى سوق العمل، وعملت في مهن كثيرة، إلى أن استقر بي الحال في هذه المهنة، التي أشعر بأنها في الدرك الأسفل قياساً ببقية المهن في الشركة"، ويضيف: "لو أن هناك شروطاً مطلوبة فيمن يعمل في أقسام الاستقبال، لما انخفض راتبها بهذا الشكل المخيف"، مشيراً إلى أن راتبه 1700 ريال، وأنه تلقى وعداً من مديره المباشر برفع الراتب إلى 2000 ريال بعد مرور عام على تعيينه، متذمرا بقوله: "يؤلمني أن أجد الموظفين في الشركة لكل منهم عمله التقني أو الفني المتخصص فيه، فيما يقتصر عملي على الرد على الهاتف وتحويل المكالمات من تحويلة إلى أخرى، وكتابة أرقام المتصلين، وهي مهنة من الممكن أن يقوم بها أي فرد أمي لا يعرف القراءة والكتابة أو أي عامل لا يملك أي خبرات من أي نوع، في هذه اللحظات أتذكر شهادتي الثانوية وسنوات التعب والمذاكرة، وأضحك ألماً على ما آلت إليه أحوال الشباب الباحثين عن عمل".
الشركات الأوروبية
وعلى النقيض من حبيب وأسامة، يرى عماد جابر في مهنة "موظف الاستقبال" فناً و"إتيكيت" لا يتقنه إلا أصحاب الذوق العالي واللباقة في التعامل، ويقول: "في الشركات الأوروبية، يهتمون بموظف الاستقبال مثل اهتمامهم بالفنيين والمهنيين والمهندسين، ويختارونه من بين حملة الشهادات العليا، وبمواصفات شخصية معينة، وينظمون له دورات تدريبية في كيفية استقبال مكالمة العميل والتعامل معه في جميع الحالات والظروف، كما يطلعونه على جديد مهنته، لأنهم يدركون أن موظف هذه المهنة يمثل عنوان شركتهم"، مشيراً إلى أن رواتب هذه الفئة في الخارج تعادل رواتب المهن المهمة الأخرى، علاوة على أن النظرة لها يشوبها الاحترام من بقية المهن الأخرى، ويضيف آسفا: "لا يوجد الأمر نفسه في المملكة وشركاتها، إذ لا يوجد اهتمام بأصحاب هذا المهنة، فيبقون على حالهم منذ دخولهم إلى خروجهم إلى مهن أخرى، دون اكتساب أي خبرة أو أي مهارة تزين السيرة الذاتية للشاب في حال انتقاله إلى مهنة أخرى"، إذ يطالب عماد بقوانين من الجهات المعنية ترفع من مستوى أداء العاملين في هذه المهنة، ويقول: "إذا ما نظرنا إلى مهنة موظف الاستقبال، نجد أنها إحدى المهن التي صدر قرار بسعودتها قبل سنوات، وبالفعل شملتها السعودة بشكل جيد جداً وفي هدوء تُحسد عليه، بيد أن الجهات المعنية أغفلت في قرارات السعودة ضرورة تأهيل الشباب السعودي لهذه المهنة عن طريق برامج تدريب ومحاضرات وتنتهي باختبارات لابد من اجتيازها قبل قرار التعيين"، مشيراً إلى أن هذا الأمر سيضمن موظفين متخصصين في أقسام الاستقبال، لديهم خبرتهم ومكانتهم الاجتماعية.
أرامكو وسابك
بيد أن التعميم في كلام الجابر لم يعجب ماجد الزهراني (موظف الاستقبال في مستوصف خاص في الدمام)، إذ يقول: "ليس كل موظفي الاستقبال في المملكة بهذه الصور السيئة التي يراها البعض، حيث توجد شركات كبرى مثل أرامكو وسابك تهتم بجميع موظفيها وتحرص على تطوير أدائهم من فترة إلى أخرى"، مشيراً إلى أن قوة النظام الإداري في هاتين الشركتين وغيرهما من الشركات الأخرى، يرفع من شأن جميع الموظفين فيها، ويطور أداء جميع المهن بلا استثناء، بما في ذلك أداء المستخدمين الذين يخضعون كل فترة للتقييم.
معاناة الفتيات
تبدو معاناة الشبان في مهنة "موظف الاستقبال" أقل بكثير من مهنة الفتيات اللائي يجدن أنفسهن مجبرات على اقتحام هذه المهنة والاستمرار فيها حتى إشعار آخر، تساعد على ذلك نسبة البطالة المتمكنة في صفوف الجنس الناعم وقلة الفرص الوظيفية المتوافرة لهن، خاصة في القطاع الخاص.
وتجد سعاد الأسمري نفسها مجبرة على المحافظة على مهنتها كموظفة استقبال في مستوصف أهلي في الدمام، وتقول: "أنا خريجة كلية الآداب قسم اللغة العربية، وتهيأت لي العديد من فرص العمل في المدارس الخاصة، غير أنني لا أرغب في مهنة التدريس في المدارس الخاصة وتحكماتها، وأنتظر فرصة التعيين في المدارس الحكومية، إذ بحثت عن فرصة عمل مؤقتة، فلم أجدها إلا في المستوصفات الخاصة كموظفة استقبال"، مشيرة إلى أن الدوام في المستوصف لا يلائمها كفتاة سعودية لها تقاليد وعادات يجب أن تُحترم، وتقول: "الدوام ذات فترتين، صباحية تبدأ في الثامنة ومسائية تنتهي في الثامنة أيضاً، ما يعني أنني سأصل إلى منزلي في التاسعة مساءً، وهذا التوقيت بالطبع لا يناسبني، مما جعلني أتفق مع إدارة المستوصف أن تعفيني من حضور آخر ساعة في الدوام مقابل التنازل عن 250 ريالا من راتبي البالغ 1900 ريال، وتضيف: "ليت مشكلات هذه المهنة تقتصر على الدوام، فهناك كم هائل من المعاكسات التي نتعرض لها، سواء عبر الهاتف أو وجهاً لوجه من المراهقين زوار المستوصف، فلا أبالغ في القول إذا أكدت أننا تعودنا على هذه المعاكسات التي نتعرض لها بصفة يومية بمعرفة إدارة المستوصف التي تنصحنا بضرورة تحمل هذه المضايقات وتجاوزها بأسلوب لبق، منعاً للمشكلات وتطور الأمر إلى ما لا تُحمد عقباه".
تعليمات اللباقة واللين
وتشير زميلتها سهام الغامدي إلى ضغوط تتعرض لها موظفة الاستقبال في المنشآت الصحية الخاصة، وتقول: "المستوصفات والمستشفيات الخاصة تحرص على تعيين فتيات للتعامل مع النساء مثلما هي الحال في أقسام الرجال، بيد أن الإدارات في المستشفيات الخاصة تصدر تعليماتها المشددة لموظفي الاستقبال بضرورة التعامل مع جميع المراجعين بنوع من اللباقة واللين، وقد يصل الأمر إلى نصرة المراجع وتأييده على حساب موظف أو موظفة الاستقبال، وإن كان الأخير لديه الحق"، مشيرة إلى وجود تعليمات خفية غير معلنة من بعض الإدارات بضرورة التعامل مع المراجعين بالابتسامة العريضة الأسلوب الهادئ، وتقول: "كما قلت هذه التعليمات غير معلنة، إلا أنها تظهر بوضوح في قيام إدارة المستوصف أو المستشفى بإقالة موظفة تستخدم أسلوب الحزم والصرامة ضد المراهقين، في المقابل تتمسك بموظفة أخرى تسير وفق السياسة التي تدعو إليها الإدارة".
وتدعو الغامدي إلى حماية موظفات الاستقبال من أصحاب العمل ومن طيش المراجعين، وتقول: "هناك مشكلات تقف في طريق عشرات الفتيات اللائي يمكنهن العمل في مهنة موظفات الاستقبال، من بينها المواصلات الآمنة وتحكمات صاحب العمل وشروطه المجحفة والراتب المتدني، فيمكن حماية الموظفة وحماية حقوقها بقوانين عدة يلتزم بها صاحب العمل ويتعرض للعقاب إذا خالفها، وأهم قانون يمكن أن يصدر هو تحديد راتب معين تحصل عليه موظفة الاستقبال لا ينقص في المستقبل تحت أساليب التهديد المتبعة من إدارة المنشأة، إضافة إلى تحديد مهام المهنة في الرد على الهاتف وتحويل المكالمات واستقبال الضيوف من مراجعين وغيرهم"، مشيرة إلى إدارات تكلف موظفات الاستقبال بمهام إضافية على عملهن الأساسي دون أن تكون هناك مقابل مادي.
نفي التهم
ومن جانبهم، ينفي أصحاب العمل أن يكونوا هم أنفسهم عقبة من أي نوع تجاه عمل الشباب من الجنسين في مهنة موظف الاستقبال، ويقلبون الطاولة في وجه الشباب.
ويعترف سامح العلي المدير الإداري لشركة متخصصة في صناعة البويات في المنطقة الصناعية، بعدم ثبات موظف الاستقبال في منصبه أكثر من شهور معدودة، ويقول: "إدارة أي شركة ليست راغبة في تغيير موظفيها، خاصة إن هذا الأمر لا يصب في صالح العمل، بيد أن موظفي الاستقبال لا يستمرون طويلاً في مهنتهم فترات طويلة لأسباب عديدة، من بينها الراتب المتواضع حسب رؤيتهم"، ويضيف: "أولاً الراتب ليس ضعيفاً إذا عرفنا أن موظف الاستقبال لا يحتاج إلى أي مؤهلات علمية ولا شهادات خبرة، وبالتالي لا بد أن يكون راتبه متواضعاً مقارنة بأصحاب المهن الأخرى، يضاف إلى ذلك أن بعض الشبان العاملين في هذه المهنة لا يلتزمون بالسلوك القويم والآداب التي تفرضها عليهم مهنتهم، فقد يتنصتون على بعض المكالمات، وقد يسببون مضايقات لبعض المتصلين، خاصة النساء، بجانب ذلك تأخرهم في الدوام صباحاً، الأمر الذي يجعل الإدارة تتخذ إجراءات ضد المتسيبين منهم، قد تصل لحد الفصل من الوظيفة".
الطموحات العلمية
ولا يؤيد العلي ما جاء على لسان موظفي الاستقبال بأن هذه المهنة لا تمثل مستقبلاً حقيقياَ بالنسبة لهم، ويقول: "هذه المهنة مثل أي مهنة أخرى، يمكن أن يستمر فيها الشاب سنوات عمره إذا التزم بقواعدها وآدابها، شريطة أن يرضى الشاب بها كوظيفة له"، مشيراً إلى أن شباناً جامعيين يعملون فيها، وهذا بالطبع غير مناسب لإمكانياتهم العلمية وطموحاتهم العملية، لذا ليس غريباً أن يسعى الواحد منهم للانتقال إلى وظيفة أخرى تناسبه، وقال: "هذه المهنة تناسب عشرات الشباب الذين ليس لديهم خبرات علمية أو مؤهلات، لأنهم الوحيدون الذين يرضون بالأمر الواقع ولا يتمردون عليه قياساً على إمكانياتهم"، معترفا بوجود نوع من المضايقات والمعاكسات التي تتعرض لها موظفات الاستقبال في الشركات والمؤسسات الخاصة، ويقول: "هؤلاء الفتيات يتعاملن مع عشرات الأشخاص كل يوم، وهؤلاء الأشخاص يختلفون في الطباع ودرجة الالتزام والثقافة وأيضاً درجة الاحترام، ومن الطبيعي أن يكون من بين هؤلاء بعض المراهقين الذين يتعرضون بالمضايقة لفتيات أقسام الاستقبال"، موضحاً أنه من الطبيعي أن تحرص إدارات هذه الشركات على عدم الوقوف بحزم أمام هذه المضايقات، وإلا قضى مندوبوها الساعات الطوال في مخافر الشرطة ومكاتب هيئة الأمر بالمعروف لإنهاء مثل هذه المشكلات مع الجهات المعنية، مشيراً إلى أنه لا يقصد من هذا الكلام استخدام التسامح المطلق مع هؤلاء المراهقين، ويضيف: "هناك البعض منهم يتمادون في تصرفاتهم التي تتميز بقلة التفكير وأيضاً التسرع، ومثل هؤلاء لا بد من إيقافهم عند حدهم بالإبلاغ عنهم حتى ينالوا جزاءهم عقاباً على طيشهم المتعمد".
سعودة حقيقية
ويمتدح خالد الزهراني (مستثمر شاب) نسبة السعودة الحقيقية التي تتمتع بها مهنة "موظف الاستقبال"، ويقول: "ليت كل المهن التي صدر قرار بسعودتها تسير على المنوال نفسه، عندها سنضمن توظيف كل الشباب السعودي، ولن يكون هناك شاب يصرخ من البطالة كما هو حادث اليوم، إلا أن ما هو مطلوب الآن أن نؤهل شبابنا للعمل في جميع الوظائف بشكل احترافي في جميع المهن بلا استثناء، عندها سنضمن بقاء الشاب أو الفتاة في وظيفته فترات طويلة، وإن تركها، فبسبب انتقاله إلى وظيفة أفضل".
ويلفت الزهراني النظر إلى أن مهنة موظف الاستقبال من أهم الوظائف في الشركات والمؤسسات، حكومية كانت أو أهلية، ويقول: "حُسن استقبال العميل وتقديم الخدمة له بأسلوب طيب ومهذب بمجرد دخوله المؤسسة، يجعله يطمئن إلى سمعة وجدية المسؤولين في تلك المؤسسة، وهذا الشعور يحصل عليه من موظف الاستقبال"، مشيراً إلى مئات الصفقات التي تفقدها الشركات بسبب عدم احترام العميل ومقابلته بما يليق من جانب موظفي الاستقبال، وأضاف: "يظهر هذا في المستشفيات والمستوصفات الخاصة التي تعين موظفين غير ملمين بالمنشآت الصحية التي يعملون فيها، فيفشلون في استيعاب العملاء وفي الرد على استفساراتهم، وتكون النتيجة هرب العميل إلى مستوصف آخر يجد فيه إجابة عن أسئلته".