الشريم: الرضا بدين الله سعادة للمجتمعات المسلمة برمتها
شدد الشيخ الدكتور سعود إبراهيم الشريم إمام وخطيب المسجد الحرام في مكة المكرمة في خطبته أمس على ضرورة الرضا في أمور الحياة وما تقسمه للمؤمن في هذه الدنيا، موضحا أن من يرض بذلك وسيكون سعيدا طول حياته الدنيوية لأنه سيحقق حلاوة العبادات كلها، وأوضح أن للرضا حلاوة تفوق كل حلاوة، وعذوبة دونها كل عذوبة، وله من المذاق الروحي والنفسي والقلبي ما يفوق مذاق اللسان مع الشهد المكرر، لافتا النظر إلى أن الرضا في ألوهية الله سبحانه وتعالى وربوبيته، والرضا برسوله صلى الله عليه وسلم والانقياد له، والرضا في دينه والتسليم له، فحري بمن جمع هذه الدعامات الثلاث في قلبه أن يحيا هنيا ويعيش رضيا، ذلك لأن هذه الدعامات مقاصد مشروعة مضادة لما يخالفها من الهوى والشبهة والشهوة التي تعترض المرء مادام حيا، وقال: "إن الأمة في هذا العصر الذي تموج فيه الفتن بعضها ببعض، وتتناطح فيه الشرور والنكبات، لهي أحوج ما تكون إلى إعلان الرضا في الله ربا وفي الإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، ولا جرم أننا نسمع مثل هذا الإعلان على الألسن كثيرا، بيد أن هذا ليس هو نهاية المطاف، ولا غاية المقصد، بل إننا أحوج ما نكون إليه في الواقع العملي، ليلامس شؤوننا المتنوعة في المأكل والمشرب والملبس والعمل والحكم والاقتصاد والثقافة والإعلام وسائر نواحي الحياة".
وأبان الشيخ سعود الشريم أن العبد إذا رضي بألوهية الله وربوبيته فقد رضي عنه ربه، وإذا رضي عنه ربه فقد أرضاه وكفاه وحفظه ورعاه، مؤكدا أن انتشار الرضا بدين الله في أرضه، لهو مظنة سعادة المجتمعات المسلمة برمتها، وأنه متى عظمت الأمة دينها ورضيت به حكما عدلا في جميع شؤونها أفلحت، وهديت إلى صراط مستقيم، وإن واقع مجتمع يحث الناس على التدين ويذكرهم بحق الله لهو المجتمع الرضي حقا، المستشعر ضرورة هذا الدين لهم كضرورة الماء والهواء، لأن كل أمة تهمل أمر دينها وتعطل كلمة الله في مجتمعها، فإنما تهمل أعظم طاقاتها وتعطل أسباب فلاحها في الدنيا والآخرة.
وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أن الاضطراب والتفرق والذل والخوف والفوضى، كل ذلك مرهون سلبا وإيجابا بالرضا بالدين وجودا وعدما، مستشهدا بقول الله تعالى "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين"، وأن دين الإسلام هو الدين الكامل الصالح لكل زمان ومكان، وهو دين الرحمة والقوة والصدق والأمانة والاستقامة والعبودية لله، لا يقوض بنيانه ولا تهز أركانه.
وقال إمام الحرم: "إن حلاوة الإيمان لا يلذ طعمها ولا تلامس شغاف قلب المؤمن حتى يرضى بي محمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، فلا يتحاكم إلا لهديه، ولا يحكم عليه غيره، ولا يرضى في حكم غيره ألبتة و ألا يبقى في قلبه حرج من حكمه ويسلم تسليما أيا كان حكمه صلى الله عليه وسلم، ولو كان مغايرا لهوى النفس إلا أنه لا أقبح ولا أخزى في العصيان من معارضة سنته صلى الله عليه وسلم بالهوى أو الشهوة أو تقديم العقل عليها، أو التشكيك فيها ومن ذلك استسهال نقد نصوص السنة دون مسوغ شرعي يجب الرجوع إليه، والجرأة على مواجهتها، ووصفها بأنها تخالف المعقول تارة أو لا تلائم واقع الحال تارات"، مشددا على أن السعيد من تمسك بما كان عليه السلف واجتنب ما أحدثه الخلف، قال تعالى "من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا".
وقال إمام الحرم في خطبة الجمعة في المسجد الحرام: "إن من الأمور التي لا يماري فيها العقلاء أن الطمأنينة والاستقرار النفسي مطلب البشر قاطبة، وإن اختلفوا في تحديد معاييرها وسبل الوصول إليها، وربما ضاقت بعض النفوس في نظرتها إلى مثل هذا المعنى الرفيع، فحصرته كامنا في المال وتحصيله ونفوسا أخرى في الجاه والمنصب ونفوسا غيرها حصرته في الأهل والولد، وهذه المفاهيم وإن كانت لها حظوة في معترك الحياة الدنيا إلا أنها نسبية في الأفراد، ووقتية في الزمن، والواقع المشاهد أن الأمر خلاف ذلك فكم من غني لم يفارق الشقاء جنبيه، ولم يجد في المال معنى الغنى الحقيقي، وكم من صاحب جاه لم يذق طعم الأنس والاستقرار، وكم من صاحب أهل وولد يتقلب على رمضاء الحزن والقلق والاضطراب النفسي، وعدم الرضا في الحال، بينما نجد في واقع الحال شخصا لم يحظ بشيء من ذلك ألبتة، لا مال ولا جاه ولا أهل ولا ولد، غير أن صدره أوسع من الأرض برمتها، وأنسه أبلغ من شقاء أهلها وطمأنينته أبلج من قلقهم واضطرابهم"، مبينا أن السبب في ذلك، هو أن تلك الأصناف قد تباينت في تعاملها في نعمة كبرى ينعم الله بها على عبده المؤمن، إرثه الدنيا واسعة رحبة ولو كانت في جوف حجرة، ذرعها ستة أذرع ولو نزعت من قلب العبد لضاقت عليه الواسعة بما رحبت، إنها نعمة الرضا ذلكم السلاح
الفتاك الذي يقضي بحده على الأغوار الهائلة، التي ترعب النفس وتضرب أمانها واطمئنانها بسلاح ضعف اليقين والإيمان، لأن من أمن عرف طريقه ومن عرف طريقه رضي به، وسلكه أحسن مسلك ليبلغ ويصل، لا يبالي ما يعرض له، لأن بصره وفكره متعلقان لما هو أسمى وأنقى من هذه الحظوظ الدنيوية.
وفي المدنية المنورة أوصى الشيخ صلاح البدير إمام وخطيب المسجد النبوي، المسلمين بالابتعاد عن المعاصي والمنكرات والتسارع إلى المغفرة والتوبة النصوحة.
وطالب جموع المصلين في الإكثار من التوبة والاستغفار تمسكا بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قوله "ما رأيت أكثر استغفارا من رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وقال إن التوبة خنوع وانكسار وتذلل واستغفار واستقامة واعتذار وابتعاد عن المعصية ونوازع الشر ومجالس الفتن وسبل الفساد، وأصحاب السوء وقرناء الهوى ومفتنات الشر.
وأكد إمام الحرم النبوي أن التوبة صفحة بيضاء وصفاء ونقاء وخشية وإشفاق وبكاء ونجاة من كل غم، وبابها مفتوح وخيرها ممنوح إلى أن تغرغر الروح، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه قوله" يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم، وشدد الشيخ البدير على التقرب من الرب عز وجل بالأعمال والنيات، لأنه من تقرب من الرب شبرا تقرب منه الرب ذراعا ومن تقرب من ربه ذراعا تقرب منه الرب باعا.
ودعا إمام وخطيب المسجد النبوي المصلين، إلى الإكثار من الاستغفار والتوبة، لما فيها من فضل عظيم وعطاء جسيم في القول والعمل، محذرا من فوات الأوان وغرغرة الموت التي لا تقبل بعدها التوبة لان كل حي غايته الفوز وكل نفس ذائقة الموت.
وحث إمام الحرم النبوي المسلمين في ختام خطبته على الإجمال في الاستغفار والتوبة، ومجانبة المعاصي والحذر من المخاطرة والمقامرة وتبعات الحرص، كما حذرهم من الجشع والطمع الذي يسلب النفس فضائلها ويمنعها من أداء الواجب عليها، كما حثهم على التراحم بينهم وأن يعطف قويهم على ضعيفهم، وغنيهم على فقيرهم، وأن يكونوا إخوانا، داعياً الله أن يوفق الطلاب والطالبات في أداء اختباراتهم.