تقييم مرجعية حقوق المستهلك في السعودية

ليسوا قريبين بأي شكل من تلبية حقوق المستهلك أو معرفتها, وأن الأنظمة القائمة تنظيمية بالدرجة الأولى وتدور في إطار الوكالات والمحافظة على حقوق الوكلاء ومحاربة الغش في هذه الجهة، ولكنها لا تشفع للمستهلك الضعيف.

كنت قد تناولت من أسبوعين إشكالية حقوق المستهلك في بلادنا مع بعض التفصيل فيما تعنيه حقوق المستهلك التي ثبتتها منظمة حقوق المستهلك العالمية بما يعرف بالمبادئ الثمانية، بمناسبة صدور قائمة أعضاء المجلس البلدي المعين وبدء أعمال المجالس البلدية في أنحاء المملكة، وارتباط دورهم بالمستهلك والمحافظة على حقوقه والدفاع عنها.
وقد وددت في هذا الأسبوع أن أسلط الضوء حول مرجعية حقوق المستهلك لدينا. فوجدت أن الجهات المرجعية في قطاعنا الحكومي التي تتصل بحقوق المستهلك متعددة، فمنها وزارات: التجارة، الشؤون البلدية والقروية، المياه، الصحة، وبعض الهيئات كالطيران المدني. ومنها الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس (وهي لا تتصل بالمستهلك مباشرة)، لكن لا توجد أي إدارة أو هيئة أو جمعية غير حكومية يطلق عليها "جمعية حقوق المستهلك". كل ما هناك هو نظام بصدد الصدور من مجلس الوزراء أعدته وزارة التجارة باسم "الهيئة الوطنية لرعاية شؤون المستهلك" ويستعد مجلس الوزراء للمصادقة عليه بعد أن ينظر فيه مجلس الشورى، وقد مضى عليه عامان حتى الآن، مع ملاحظة أن هذه هيئة حكومية وليست مستقلة.
ففي وزارة التجارة، وهي الوزارة المعنية بشكل رئيس، هناك عدد من الإدارات التي لها صلة بـبعض شؤون المستهلك والمتعلقة بحقه في أن يحصل على سلعة آمنة صحية، منها الإدارة العامة لمكافحة الغش التجاري، وإدارة الرقابة العامة. وتقوم هاتان الإدارتان بتطبيق عدد من الأنظمة التي صدرت بخصوص حقوق المستهلك منها: نظام العلامات التجارية، ونظام المعادن الثمينة والأحجار الكريمة، ونظام المعايير والمقاييس والأوزان، ونظام الوكالات التجارية (يلزم البائع بالصيانة وتأمين القطع والوفاء بالضمان)، ونظام البيانات التجارية (ما يكتب على السلعة). ربما من المفيد الإشارة إلى أن وزارة التجارة لديها عدد من القنوات لاستقبال الشكاوى: فهناك خط استقبال الشكاوى المجاني: 8001241616، والخط العادي: 014035555، والفاكس: 014093047، وموقع على الإنترنت: http://www.commerce.gov.sa
وفي وزارة الصحة هناك إدارة الرخص الطبية والصيدلة التي تعنى بمتابعة سلامة الأدوية وأي مخالفات طبية. ونجد أن وزارة المياه تشرف على مصانع المياه وعلى البيانات التي تسجل على القوارير المعبأة. في حين مواصفاتها ومقاييسها تتبع هيئة المواصفات والمقاييس. أما بالنسبة إلى وزارة الشؤون البلدية والقروية فنجد أن هناك تضاربا في التخصصات بينها وبين وزارة التجارة، ولحل بعض هذه الإشكالات تقاسما بعض المهام. فعلى سبيل المثال حددت "التجارة" و"البلدية" ما يختص بكل منهما فيما يتعلق بالغذاء، فـ "البلدية" تختص بمراقبة المواد سريعة الفساد كاللحوم والدواجن والأسماك والخبز والبيض والألبان والأطعمة المطبوخة.. إلخ في الأسواق والمطاعم. و"التجارة" تراقب الأطعمة طويلة الأجل. وكما نعلم فإن الطيران المدني ليس لديه سوى الخطوط السعودية ليراقب أداءها أو يستقبل شكاوى المستهلكين بخصوصها وليس من الواضح ما اختصاصاته، وإن كان من الصعب أن يقوم بالرقابة نظراً لأن الخطوط قطاع حكومي فالرقابة فمن الصعب أن تقوم والجهة نفسها هي الخصم والحكم.
ومن متابعة مرجعياتنا الخاصة بحقوق المستهلك نجد أن اطلاعهم على الأنظمة العالمية الخاصة بحقوق المستهلك محدود جداً. فمنذ ستة أشهر فقط طلبت وزارة التجارة من ملحقيات المملكة في الخارج تزويدهم بما لدى تلك الدول من معلومات حول منظمات حقوق المستهلك. ومن الواضح أنهم ليسوا قريبين بأي شكل من تلبية حقوق المستهلك أو معرفتها, وأن الأنظمة القائمة تنظيمية بالدرجة الأولى وتدور في إطار الوكالات والمحافظة على حقوق الوكلاء ومحاربة الغش في هذه الجهة، ولكنها لا تشفع للمستهلك الضعيف الذي لا يعرف ولا يشتري الغالي فهو من يقع في مصيدة المقلد والخطر، لئلا يكون تحت رحمة الوكيل الذي ليس لديه منافس يحد من جشع بعضهم أو استغلالهم حاجة المستهلك وحماية أنظمة الوزارة لهم. كما نجد أنه لا غرامات ولا تعويض للمتضرر إلا إذا وصلت القضايا للمحكمة والحقوق. ويقتصر التعويض على حالة الغش التجاري, وبالتالي فهذه اللجان والوزارات تعمل في معزل عن تحديها من قبل الجمهور كما يتطلبه العمل, وعلى الرغم من أن الصحافة تقوم بدور مهم في متابعة ما يجري من انتهاكات يتعرض لها المستهلك، ولكن ذلك ليس بكاف, فالصحافة ليست جهة رسمية لها الحق في أن تستجوب وتراجع الوزارة ومصانعها وتقتص من النواحي المختلفة التي تتصل بحقوق المستهلك، وليست هناك جهة أهلية تراقب وتحاسب من يستغل سلامة أو صحة أو بيئة أو مال المستهلك.
هناك على سبيل المثال المياه المعبأة، فوزارة المياه تراقب أداءها وهيئة المواصفات والمقاييس وضعت لها مواصفات نجد تفاصيلها على القارورة من الخارج وفيها نسبة الأملاح المختلفة، وهذا أمر مهم جداً، ولكن ما تفتقد إليه هذه المقاييس إعلامنا بمصدر هذه المياه المعبأة. فغالبية الشركات التي تربو على المئات، لا تحمل معلومة عن مصدر هذه المياه وتكتفي بكتابة "مياه معبأة"، فمن أين؟ ما هو النبع؟ هل هي مياه محلاة؟ هل هي مياه جوفية؟ ثم هل تراقب هيئة المواصفات أو وزارة الصحة صحة تخزين هذه القوارير البلاستيكية، وهل من الشروط نقلها في شاحنات مبردة أو تخزينها في مخازن مكيفة؟ أشك في ذلك.
ومثال آخر، مستحضرات تبييض البشرة التي تحوي عنصر الزئبق المعروف تأثيره المدمر في الكلى، وعلى الرغم من الدراسات التي أجراها مستشفى الملك فيصل التخصصي ونشرت حول هذه المستحضرات الموجودة في الأسواق، إلا أنها لم تُسحب، ولم يعاقب أو يُغرّم وكيلها، ومازالت إعلاناتها تحاصر فتياتنا في كل مكان. فهل هي مسؤولية وزارة التجارة أم "الصحة"؟ وماذا عن هيئة المواصفات والمقاييس وسلطتها أو دورها في هذا الشأن؟. أو العصائر التي تقدم لأطفالنا وفيها من المواد الحافظة والملونة والمسكّرة أعلى من المسموح به دولياً مما يتلف كل مناعة لديهم، نجد أنها ليست مستوردة حتى نتحجج بمؤامرة الآخر علينا، وإنما هي صناعة سعودية بل ومحمية أيضاً، هل من تعليق؟
باختصار، فإن سوقنا مفتوحة وغير محمية. وفي ظل غياب رقابة ومحاسبة وقانون واضح محدد وقوي ومحاكم سهلة الوصول والتقاضي لكل مواطنة ومواطن وقصيرة الإجراءات، فمن الطبيعي أن يستشري استغلال المستهلك من قبل الشركات والتجار من مقدمي الخدمات والسلع، ممن غالباً ما يكونون في موقع قوة وسلطة، أو على الأقل، في موقع نفوذ مالي، فيأمنون على أنفسهم على حساب مال الناس وصحتهم وأمانهم وبيئتهم ومستقبلهم.
ويبقى المجلس البلدي المذكور، الذي يقع على عاتقه أن يقوم بجزء من المراقبة المستقلة التي نعنيها، أي بمراقبة تنفيذ البلدية مهامها التي منها ما يتقاطع مع حقوق المستهلك كالحق في البيئة الآمنة النظيفة الصحية وحقه في توفير سلع آمنة. فعسى!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي