نظام جديد للنقل العام في مكة المكرمة (1 من 2)
لم يعد بإمكان المملكة فعل الكثير من التطوير الإنشائي لزيادة الطاقة الاستيعابية للمشاعر لكي تستوعب هذا العدد الكبير من الحجاج. لقد صرفت المملكة خلال العقود الماضية مليارات الريالات على مشاريع إنشائية ضخمة كان الهدف منها تمكين أكبر عدد ممكن من المسلمين من أداء فريضة الحج بيسر وأمان. إنه لا يمكن لأي منصف أن يتوقع حجاً خالياً من المشاكل يجتمع فيه قرابة ثلاثة ملايين شخص في منطقه لا تتعدى بضعة كيلو مترات مربعة, ولكن ذلك لا يعني ألا نبحث دائماً عن أساليب جديدة لإدارة مثل هذا الحدث, وألا نبني نظاماً فاعلاً لتقييم هذه الأساليب وتطويرها وبناء الخبرات الضرورية.
إن النقل العام خلال فترة الحج من أهم الأعمال التي يمكن من خلالها تمكين الحجاج من أداء مناسكهم بيسر وأمان وخلال الفترات القصيرة المسموح لهم بها. إن نظام النقل العام الذي يستخدم الآن لم يعد مجدياً في مثل هذه الظروف بل أصبح يشكل أحد المعوقات الرئيسة لحج يسير.
إن الاستمرار في السماح لمختلف أنواع السيارات (التي لا يتجاوز عدد ركابها تسعة أشخاص) والدراجات النارية خلال أيام الحج هو أحد أهم الأسباب التي تؤخر الحجاج وتعوق تنقلهم وتعرضهم لمشاكل صحية بسبب السموم التي تنفثها هذه السيارات والدراجات, خاصة تلك التي تعمل بالديزل بمحركات أكل عليها الدهر وشرب. كما أن الاعتماد على نظام النقل الشخصي (حتى الحافلات الكبيرة يمكن أن تدخل تحت هذا التصنيف طالما أن تشغيلها لا يتم ضمن نظام النقل العام الذي يدار مركزياً) يتطلب جهداً كبيراً وإمكانات عالية لتنظيمه ومراقبته, وحتى عندما تتوافر هذه الإمكانات فإن النظام سيبقى عاجزاً عن تحقيق الكفاءة المطلوبة لأسباب كثيرة منها:
- اختلاف أنواع الحافلات مما يعني اختلاف قدرتها على السير المتكافئ وبالتالي تأخر بعضها عن بعض.
- اختلاف قدرات السائقين في التعامل مع الزحام الشديد مما يتسبب في الكثير من الاختناقات من خلال الممارسات الخاطئة مثل محاولات التجاوز الخاطئة, الوقوف المفاجئ, التوسط بين المسارات, القيادة ببطء شديد, الوقوف للتحميل والتنزيل.. إلخ.
- عدم تخصيص مسارات للحافلات فقط, حيث يشاركها الكثير من السيارات التي لا يتجاوز عدد ركابها تسعة أشخاص, وأحياناً أقل من ذلك.
- عدم قدرة الجهات التنظيمية على استغلال الطاقة الاستيعابية القصوى للطرق, إما لأسباب إدارية وإما لأسباب تصميمية مثل الجزر الواسعة بين المسارين والمداخل والمخارج التي تعوق استخدام كامل الطريق كاتجاه واحد خلال أوقات الصعود والنفرة.
- التلوث البيئي الناجم عن محركات الديزل وما يتسبب فيه من أضرار صحية على الحجاج والسكان.
- عدم إمكانية الاستغلال الأمثل للأنفاق في أوقات الذروة حيث انغلقت تماماً لفترات طويلة بسبب التزاحم عند مخارجها من قبل الحافلات المنتظرة.
وبما أن الكثير من الحجاج يمشون لمسافات طويلة بين المشاعر, فإن الوضع الحالي لطرق المشاة لا يمكنهم من أداء ذلك ويتسبب في الكثير من التأخير والإرهاق لهم. إن تخصيص بعض الطرق للمشاة لم يواكبه تطبيق فاعل للنظام حيث سمح باستخدامها مكاناً للسكن من قبل بعض الحجاج مما عاد بأثر عكسي على المشاة حيث تم حرمانهم من التنقل مشياً على هذه الطرق بيسر وسهولة, إضافة إلى منعهم من استخدام الحافلات. كما أن السماح للدراجات النارية في الأماكن المحظورة على السيارات يتسبب في إزعاج الناس وتعريض صحتهم وحياتهم للخطر دون أي فائدة تذكر, ولا يمكن أن نتصور أن يسمح لمثل ذلك في أي مكان أو بلد آخر ناهيك عن أمكنة تغص بملايين المشاة والجالسين.
لقد كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن حاجة مكة المكرمة والمشاعر إلى نظام نقل يعتمد على القطارات, خاصة قطارات الأنفاق لكي يكون بديلاً أو مرادفاً للنظام الحالي, ولكن طبيعة التنقل خلال فترة الحج لا يمكن أن تجعل مثل هذا النظام مجدياً, لارتفاع تكاليفه التي لا يمكن تبريرها لمثل هذه الفترة القصيرة التي لا تتعدى أربعة أيام, كما أن مثل هذا النظام سوف يستغرق سنوات طويلة لتنفيذه وقد يتسبب في تعطيل الحج أو تأخير الحجاج, إضافة إلى عدم مرونة النظام وصعوبة تعديله بعد إنشائه وحتى لو ذللت جميع تلك العقبات فإن مثل هذا النظام يتطلب الكثير من الوقت بعد تشغيله لكي يكون مقبولاً من المستخدمين.
لذا لا بد من البحث عن حلول أخرى لا تجتمع فيها تلك السلبيات وتكون قابلة للتطبيق بسرعة وبتكاليف قليلة وتعمل بكفاءة عالية تسهل تنقل الحجاج والمعتمرين والساكنين في مكة المكرمة, وفي الأسبوع المقبل سوف أتطرق إن شاء الله لأحد هذه الحلول.