الحوكمة .. الطريق إلى شطب عبارة "ما عدا السهو والخطأ"!

في غياب جهاز مركزي للرقابة والمحاسبة .. تعاني الشركات في المملكة العربية السعودية من سطوة مجالس الإدارات التي تستغل ضعف الجمعيات العمومية وتنتهج سياسات تعبر عن المصالح الشخصية للأعضاء.
ولقد اهتمت الحكومة السعودية منذ فجر تأسيس مؤسساتها الحكومية بإنشاء جهاز يتولي مسؤولية الرقابة المالية والمحاسبية على مؤسسات الدولة ثم تطور هذا الجهاز وأصبح يعرف باسم ديوان المراقبة العامة ويتولاه مسؤول بدرجة وزير، ولكن في المقابل فإن القطاع الخاص في المملكة العربية السعودية يفتقر إلى جهاز يضطلع بمسؤولية التنظيم والرقابة المالية والمحاسبية على الشركات والمؤسسات.
ولقد أدى غياب هذا الجهاز الذي لا يزال غائباً رغم وجوده في كثير من الدول المجاورة.. إلى انتشار الفساد المالي والإداري وغياب الشفافية بشكل متزايد في شركات القطاع الخاص.
ولا شك مع اتساع عدد الشركات وضخامة رؤوس أموالها التي تجاوز بعضها آلاف الملايين من الدولارات، ومع غياب جهاز مركزي للتنظيم والمحاسبة, سيزداد الفساد المالي والإداري في الشركات وسينذر بوقوع كوارث كتلك التي شهدتها أسواق أمريكا وأوروبا.
إن بعض مجالس الإدارات في البنوك والشركات في أمريكا وأوروبا ارتكبوا سلسلة من الفظائع المالية التي عصفت بوجود مجموعة من أكبر البنوك والشركات في العالم.
وأمام هذه الزلازل المدمرة التي ضربت سوق المال والأعمال في أمريكا وأوروبا وشرق آسيا, سعى المفكرون الإداريون والمشرعون إلى وضع أحكام صارمة هدفها محاربة الفساد المالي والإداري في مؤسسات القطاع الخاص، وتعرف هذه الأحكام الآن باسم (الحوكمة).
نعم منذ أن تعرضت الشركات الأمريكية والأوروبية الكبرى للإفلاس وبعد الانفجار الذي ضرب سوق المال الآسيوية في عام 1997م، أخذ العالم ينظر جدياً إلى تطبيق مبادئ "حوكمة" الشركات، كما أن أحداث فضيحة بنك الاعتماد وشركتي إنرون ووورلدكوم، وما تلا ذلك من سلسلة تلاعب الشركات في قوائمها المالية, أظهرت هذه التطورات أهمية حوكمة الشركات.
إن حوكمة الشركات في شكل الإفصاح عن المعلومات المالية يمكن أن يعمل على تخفيض تكلفة رأسمال المنشأة، كما أن حوكمة الشركات تساعد على جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية وتساعد في الحد من هروب رؤوس الأموال ومكافحة الفساد، وزيادة فرص التمويل مع انخفاض أسعار تكاليفه.
ويمكن تلخيص مبادئ الحوكمة فيما يلي:
1- الحفاظ على حقوق المساهمين، وبالذات أصحاب الأسهم القليلة.
2 - الحفاظ على حقوق الأطراف المتعاملة كافة بما فيها الدولة.
3 - تكريس الإفصاح والشفافية كمبدأ ملزم للشركات في جميع أعمالها وأنشطتها ومعاملاتها.
4 - اعتماد توازن دقيق في التنظيم والإدارة بين الصلاحيات الممنوحة للعاملين، وبين المسؤوليات الواجب عليهم القيام بها.
إن الالتزام بقواعد حوكمة الشركات أصبح ضرورة لتأمين وتحسين المناخ الاستثماري العام للدولة بكل ما يعنيه من قدرة على إنعاش الاستثمار الخاص وتحفيز كبار وصغار المدخرين وأصحاب رؤوس المال على ضخها في المعاملات بدرجة عالية من الثقة، ولا تعني حوكمة الشركات مجرد احترام مجموعة من القواعد وتفسيرها تفسيراً جامداً وحرفياً وإنما هي ثقافة وأسلوب في ضبط العلاقة بين مالكي الشركة ومديريها والمتعاملين معها وهي علامة الثقة التي لا غنى عنها في تعاملات البنوك ومؤسسات التمويل ومؤسسات التصنيف الائتماني للوصول إلى تحديد الجدارة الائتمانية للشركات, ولذلك فإن قواعد حوكمة الشركات تتضمن أدواراً رئيسية يقوم بها كل من الجمعية العمومية للشركة ومجلس الإدارة وكذلك نظام المراجعة الداخلية ونظام المراجعة الخارجية من خلال مراقب الحسابات مع ضرورة قيام مجالس الإدارة بالالتزام بالإفصاح عن السياسات الاجتماعية للشركة وتجنب تعارض المصالح وتشكيل لجنة من أعضاء المجلس غير التنفيذيين وتضم أحد الخبراء في الشؤون المالية والمحاسبية مع جواز الاستعانة بأعضاء من الخارج للقيام بمهام رئيسية تسهم في ضبط الأعمال والرقابة عليها في مقدمتها ما يلي:
* تقييم كفاءة المدير العام والمدير المالي وباقي أفراد الإدارة المالية الرئيسيين مع دراسة نظام الرقابة الداخلية ووضع تقرير مكتوب عن رأيها وتوصياتها.
* دراسة القوائم المالية قبل عرضها على مجلس الإدارة والإدلاء برأيها وتوصياتها. إضافة إلى دراسة السياسات المحاسبية المستخدمة والإدلاء برأيها وتوصياتها ، مع دراسة خطة المراجعة مع المراجع الخارجي.
* دراسة ملاحظات المراجع الخارجي على القوائم المالية ومتابعة ما تم بشأنها.
* دراسة تقارير المراجعة الداخلية والإجراءات التصحيحية لها. ويجب أن تجتمع اللجنة دورياً.
* يجب حث المساهمين على حضور اجتماع الجمعية العامة للشركة، وترتيب موعد ومكان اجتماعها بما ييسر عليهم ويشجعهم على الحضور.
* يكون كل موضوع معروضاً في جدول أعمال الجمعية العامة العادية أو غير العادية مصحوباً بشرح واف واستعراض كاف لجميع جوانبه بما يمكن المساهمين من اتخاذ قراراتهم بناء على المعلومات المقدمة إليهم، ويجب أن يكون القصد من تقديم تلك المعلومات تمكين المساهمين من اتخاذ قراراتهم بشكل سليم ومدروس وليس مجرد استكمال الجوانب الشكلية للاجتماع.
* تتم إدارة الجمعية العامة على النحو الذي يسمح للمساهمين بالتعبير عن آرائهم، وعلى إدارة الشركة الإفصاح التام والكافي عن كل ما يتضمنه جدول أعمال الجمعية من موضوعات.
* يجب قيد التصويت على قرارات الجمعية العامة للشركة بدقة متناهية, وفي حالة نشوء أي تنازع بشأن صحة تمثيل بعض الأصوات في الجمعية، يؤخذ التصويت باعتبار صحة هذه الأصوات مرة وبطلانها مرة أخرى للعرض لاحقاً على الجهة الإدارية أو القضائية المختصة بحيث تستمر إجراءات الجمعية العامة في جميع الأحوال.
وفي هذه الأيام تولي المؤسسات المالية في المملكة أهمية كبيرة لقضية تطبيق مبادئ الحوكمة في الشركات السعودية، وفي الورشة التي نظمتها هيئة سوق المال وحضرها رؤساء مجالس الإدارات وكبار التنفيذيين في الشركات السعودية التي عقدت في العاصمة الرياض في الشهر الماضي.. أكد رئيس مجلس هيئة سوق المال الأستاذ جماز السحيمي إلى أن الهيئة سوف تتبنى تطبيق قواعد حوكمة الشركات وأمله في أن يكون الالتزام بالقواعد والمعايير الخاصة بالإفصاح منهجاً للشركات المساهمة وجزءاً مكملاً لمنظومة حوكمة الشركات التي نسعى إلى تبنيها في سوقنا المالية, وأن يكون الالتزام بذلك أوسع من مجرد اتباع النص النظامي بل يتعداه إلى حرص المسؤولين التنفيذيين وأعضاء الإدارات على التفاعل الدائم من منطلق الوطنية والروح المهنية لاستكمال هذه المتطلبات النظامية للإفصاح والسعي إلى مبادرات أبعد وأشمل، وقال السحيم: إن اللائحة التنفيذية المتعلقة بقواعد التسجيل والإدراج الصادرة عن الهيئة تتضمن التزامات مستمرة على أعضاء مجالس الإدارات للإفصاح لملاك الأسهم وللمتداولين في السوق عن أي معلومات ضرورية، وأي تطورات جوهرية تخص الشركة، مضيفاً أن من المؤكد أن التوقيت المناسب والدقة في مسائل الإفصاح وبشكل متواصل ومستمر من قبل أعضاء مجالس إدارات الشركات هي معيارنا وأسلوب تقييمنا لمدى الحرص على الالتزام الأدبي والمهني المطلوب تجاه المساهمين والأسواق.
واعتبر أنه من أشد المؤمنين بضرورة النظر إلى مصطلح حوكمة الشركات على أنه تقنية، مثل أي تقنية أخرى، تتنافس الشركات في تطبيقها للرفع من مستويات الكفاءة لديها، ومن ظهرت عليه علامات العجز أو التباطؤ في تبنيها فسوف تكون فرصهم في الحصول على التمويل اللازم غير ممكنة أو مكلفة مالياً.
إن بعض العبارات المضللة التي درج على استخدامها محاسبو الشركات في حاجة إلى شطب وإلى حظر كامل في كل السجلات وفي كل مكاتب المحاسبة.
ولعل عبارة (ما عدا السهو والخطأ) أو عبارة (ديون معدومة) التي درج المحاسبون على استخدامها عند تلاعبهم أو عند عجزهم تحتاج إلى سكين الحوكمة كي تجزها من عنقها وتدفنها إلى غير رجعة.
وهذه العبارات المريبة ما هي إلا مبرر لتمرير الفساد المالي أو
- في أحسن الأحوال ـ هي تعبير عن عجز المحاسب عن الوصول إلى الحقائق الواجب الوصول إليها عبر الإفصاح والشفافية

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي