المملكــة بين المجلس والجامعــــة
تعتبر التكتلات الإقليمية بشكل عام والتكتل الاقتصادي بشكل خاص أحد أهم المطالب الدولية لتحقيق التكامل التنموي بين دول التكتل، ويغلب على مثل هذا التكتل وجود النيات الحسنة والعمل الجاد لتحقيق أهدافه وغاياته.
هناك الكثير من الأمثلة الناجحة التي تبرز كيفية تحقيق التكامل الإقليمي والاقتصادي بين الدول، ولعل لنا في تجربة الدول الأوروبية مع الاختلافات الكثيرة بينهم مثلاً جيداً حيث وصلوا بدولهم إلى تكامل اقتصادي سياسي اجتماعي متميز، وبدأوا في احتواء دول أوروبا الشرقية للانضمام إلى هذا التحالف الذي أصبح تكتلا اقتصادياً قوياً يقابله العديد من التكتلات التي تتراوح بين القوي والمتوسط في آسيا وأمريكا الجنوبية.
عند الحديث عن التكتل العربي من خلال جامعة الدول العربية أو التكتل الخليجي من خلال مجلس التعاون لدول الخليج العربية فإنني أعترف أنني لا أملك المعلومات عن أهدافها وأسباب قيام مثل هذه التكتلات ولا ما حققته لدول التكتل، كما أنني لم أطلع بشكل واضح وصريح على معوقات عدم قدرتهما على تحقيق الأهداف الموضوعة لهما، إلا أنني وبعد مرور كل هذه السنين نجد أننا مازلنا في مكانك راوح لا جديد ولا تقدم، وكل لقاء يأتي يجعل الواحد منا يضع يده على قلبه ألا تخرج مثل هذه اللقاءات عن الحدود المرسومة والمطلوبة لها من لقاء ودي ينتهي بالشجب والاستنكار لكل قضايا العالم، خصوصاً وأنها أصبحت لقاءات منقولة على الهواء ويتابعها مختلف قيادات وشعوب العالم، كما أن الغالب على هذه اللقاءات هو الجانب السياسي خاصة ما يتعلق بمناقشة قضايا موجودة وليس رسم رؤى استراتيجية مستقبلية لصالح دولهم وشعوبهم، بل الأمر أصبح مؤلما لنا لأننا في كل لقاء قمة تضاف دولة عربية جديدة نستنكر ما تتعرض له من محاصرة واعتداء، فمن فلسطين إلى ليبيا ثم العراق وسورية ولبنان وغيرها كثير دون تقديم الحلول لمعالجة مشاكلنا الأساسية وخصوصاً الاقتصادية منها.
إننا في المملكة العربية السعودية سواء على المستوى العربي أو الخليجي وكأفراد لم نر ما نأمله من هذه التكتلات، ففي الجانب العربي هناك دائما المطالبة الملحة من العديد من الدول بقيام المملكة بمسؤوليات وواجبات لا تقوم بها العديد من الدول الأخرى، ولعل القارئ يعرف ما أحاول قوله والإشارة إليه واللبيب بالإشارة يفهم، في المقابل أصبحت هذه العلاقة أحد المعوقات الأساسية لانطلاق المملكة في شراكات تنموية اقتصادية مع الدول الأخرى.
أما على المستوى الخليجي، فإن المؤشرات الحالية والتوجهات الإقليمية لبعض دول المجلس وسعيها إلى إيجاد تكامل اقتصادي مع بعض الدول الأخرى مع معرفتهم بحجم الضرر الذي سوف يلحق بالاقتصاد السعودي، وأن الاتجاه إلى شركات واتفاقيات فردية سوف تؤدي إلى التفكك التكاملي لدول المجلس تجعلنا جميعاً نسأل ما الهدف من قيام هذا المجلس ومدى التزام دولة بما يتم التوقيع عليه من اتفاقات.
إن الاقتصاد هو عمود وأساس أي تنمية وهو الموجه والمحرك لأي علاقة يجب أن تقوم بين الدول، ولهذا فإن الأخذ بمعيار التعاون والتكامل الاقتصادي يجب أن يكون هو المؤشر لنا لرغبة الدول الأخرى في العمل والشراكة معنا في مختلف جوانب التنمية.
إننا في المملكة ولله الحمد نعيش تجربة تنموية رائدة يتحقق فيها التكامل بين الإمكانيات والفرص وينسجم فيها التوازن بين العرض والطلب مما يجعلنا أقدر على بناء اقتصاد يعتمد بشكل مباشر على سكان البلاد من أهلها أولاً ثم من المقيمين على أرضها.
إذا لم يكن البعد الاقتصادي هو المحرك للعلاقات بين دول المجلس فإننا وفي رأيي المتواضع لا نحتاج إلى مجلس للتعاون في القضايا الاجتماعية والأسرية والرياضية وغيرها من الأمور الأخرى.
نحن في البعد الاجتماعي أسر مترابطة تجمعها الكثير من العلاقات الأسرية والقبلية وغيرها من الروابط التي لا تخفى على أعمى البصيرة، ولهذا فإن مثل هذه العلاقات سوف تعيش دون الحاجة إلى مجلس يوجهها ويقودها.
أما في البعد الرياضي وكما نعرف جميعاً فإن دورات الخليج من الدورة الأولى وحتى الدورات القريبة لم تساعد أبدا على دعم وحدة المجتمع الخليجي بل أكون صادقا إذا قلت إننا وصلنا في مرحلة معينة إلى حمل الكثير من الأحقاد والكره المتبادل بيننا بسبب دورات الخليج الرياضية وخصوصاً كرة القدم.
أما التكامل في القضايا الأخرى فإن ظروف المنطقة تفرضها وفقاً للتأثير المباشر لها في استقرار واستدامة الأمن والتنمية بها والحاجة إلى معالجتها وفقاً للأنظمة الدولية والاتفاقات الثنائية مما لا يتطلب معه إلى وجود مجلس للتعاون وهيئات واجتماعات يكون في غالب نتائجها كلمات مجاملة.
اليوم نحن في المملكة نحتاج إلى أن نعيد حساباتنا في علاقاتنا بمختلف الشركاء خصوصاً ضمن هذين التكتلين، وأن تكون مصلحة المملكة المطلقة هي الهدف الذي نسعى إلى تحقيقه، لأن الفرص تفوت وقد لا تعود، والأضرار عالية نتيجة المجاملات غير المبررة في بعض الأحيان، إنني هنا أنقل نبض بعض المهتمين في هذا المجال وتألمهم لصبر المملكة ومحاولاتها معالجة الأمور بالهدوء واستخدام الوقت والمهدئات، يقابلها من الجانب الآخر عدم المبالاة والسعي إلى تأكيد المصالح الخاصة لهذه الدول وعدم احترامها والتزامها بالاتفاقيات الموقعة بينها.
وقفـة تأمـل:
" يمتاز الأطفال بسبع خصال، أولها أنهم لا يغتمُّون للرزق، وثانيها أنهم إذا مرضوا لم يضجروا من قضاء الله، وثالثها أن الحقد لا يجد سبيلاً إلى قلوبهم، ورابعُها أنهم يسارعون للصلح، وخامسها أنهم يأكلون مجتمعين، وسادسها أنهم يخافون لأدنى تخويف، وسابعها أن عيونهم تدمع".