الطفرة أو النقلة العقارية قادمة وهل أنظمة البلديات مؤهلة لها؟
لا شك أننا نمر حالياً ببوادر نهضة وقفزة عقارية قادمة للتطوير العقاري والحضاري تحاول بكل قسوة تحطيم الأغلال والقيود التي فرضت حولها وهي نهضة ستكون متميزة لم نشهدها من قبل ولا يمكن مقارنتها بالحقبة الماضية من التطوير العقاري المتحفظ الذي كان يقودها ما أسميهم قابضي الورق أو الأراضي, حيث سنرى مولد طرح مساهمات الكثير من الشركات العقارية والمقاولات. إلا أنها لن يكتب لها الحياة إذا لم تتغير الأنظمة والتعقيدات البلدية والخدمية والإقراضية البنكية والحكومية الحالية. إن المشاريع العملاقة والمبتكرة والجريئة في منطقة الخليج ستؤثر فينا حتماَ للانطلاق إلى نهضة أكبر منها للمدن والأحياء السكنية المتكاملة. وهي ستمحو ما قبلها من التخبط العقاري. وهي نقلة ستضاهي وقد تتخطى ما يدور في الدول المتقدمة. كما أنها معدية حيث سينتقل أثرها لترفع من مستوى بقية الشرق الأوسط من سورية والأردن إلى مصر والمغرب العربي. وستتغير نوعية التركيز الحالي من الاستثمار في المشاريع السكنية إلى الصناعية والمكتبية ومشاريع الطاقة النووية والإلكترونية.
ويرجع سبب ذلك إلى مجموعة من الحوافز سبق أن أشرت إليها في مقال سابق, وأهمها:
* نضوج التفكير والوعي والحس الحضاري للمواطن.
* زياده أسعار النفط والغاز.
* تطور ونمو المؤسسات الخدمية للقطاع العقاري.
* النمو السكاني الهائل وتركزه في المدن الكبرى.
* اتفاقية منظمة التجارة العالمية ودخول الشركات الأجنبية.
* الموافقة على نظام الرهن والسجل العقاري.
وهذه النقلة السريعة والحديثة ستتميز بالتطوير المتكامل للمشاريع بدءا من تخطيط الأرض الخام إلى مدينة متكاملة الخدمات التحتية والعلوية تكون محددة فيها الاستعمالات ومواقع المساكن والمباني المكتبية والمراكز التجارية ومحطات الوقود والمستوصفات والفنادق. ليكون المواطن على علم مسبق بما سيجاوره من مبان واستعمالات. ويتم تنفيذ أهم مكوناتها السكنية والتجارية والمكتبية وما يساندها من مبان ترفيهية. ويتم التنسيق قبلها مع الجهات الخدمية مثل الكهرباء والماء والصرف والهاتف وبحيث يتم إشعارهم أتوماتيكياَ ( حاسوبياَ) بعد حصول المواطن على رخصة البناء مباشرةََ للإسراع في التجهيز لتصل الخدمة إليه. وبحيث يتم الطرق على باب المواطن لتقديم الخدمة له بدلاَ من إرهاقه بالمراجعات المملة. وكذلك التنسيق مع وزارة النقل والمرور وكود البناء.
وهذا العمل المتكامل يحتاج إلى تغير الأنظمة والقوانين البلدية الحالية والعقيمة للوصول إلى نوع من المرونة التي تكفل النجاح لهذه النهضة. وإلى سرعة تبني الهيئة العليا لمدينة الرياض وبقية المدن تفعيل المخططات الاستراتيجية والهيكلية للمدن والدخول في التفاصيل والمخططات التنفيذية للأحياء المتكاملة وتفعيل كود البناء وبإعطاء المواطن بعض المرونة في الحصول على تميز للارتفاعات مقابل تخليه عن جزء من أرضه. وهو لن ينجح إلا عن طريق عمل الفريق الجماعي الديناميكي الذي ينظر إلى المدينة ككل ومدى تناسق وترابط الأحياء مع بعضها وإلغاء فكرة تخصيص المرافق التي تترك لسنوات دون الاستفادة منها أو تفعيلها عن طريق طرحها للقطاع الخاص لاستثمارها. ومحاولة فهم أن هذه التغيرات ستحرك جميع قطاعات الاقتصاد الوطني والعالمي مثل قطاعات البنوك والاستثمار والتمويل والتصميم والاستشارات والمضاربات والمساهمات والوساطات والوكالات ودور التسويق والإعلان والمقاولات ومواد البناء وغيرها ويساعد على تطويرها بالتميز في طرق الابتكار والتنويع. إضافة إلى ما تجنيه الدولة من الفائدة غير الملحوظة وهي رفع مكانة الدولة عالمياَ مما يعطيها مكانتها الدولية ويساعد على جذب المستثمرين والاستثمارات لها. فرأس المال جبان ويهرب من التعقيدات والروتين القاتل ولذلك فإن من سبق لبق. وهي فرص إذا ضاعت فإنها لن تعود. "ومصائب قوم عند قوم فوائد".
لذلك فهي نهضة لن تعيش في ظل وجود بعض التعقيدات في الأنظمة البلدية الحالية سواء على مستوى الأمانات أو الوزارة أو بعض موظفيهم الذين أكل الزمان عليهم وغير المؤهلين لحمل هذه الرسالة وما يلقاه المطورون من مشاكل وتعقيدات في الإجراءات القضائية والتنظيمية. والعمل على تعديل ورفع مستوى الأنظمة الحالية وأن تطرح على طاولة النقاش مع خبراء تخطيط المدن والمهندسين في منتديات ومراكز أبحاث . وإلا فإنها ستبقى عثرة ووصمة سوداء في تاريخ إحدى أهم قواعد الدولة الاقتصادية وستترك سلبياتها على بقية الاقتصاد الوطني. وفي نهاية المطاف ستساعد على هجرة الأموال والاستثمارات إلى الدول المجاورة مما يؤثر سلبياً في اقتصاد ومدخرات الدولة.
وهي فكرة تهتم بالبعد الإنساني والمشاة في التخطيط ووضع مواصفات قياسية للارتفاعات والارتدادات الصحية ولتصميم المباني. واختيار مواد تنفيذ مناسبة للمشي في البيئة الصحراوية وبألوان فاتحة تعكس الحرارة مع تظليلها. وحوائط ساندة ودرابزينات لحماية المشاة. ومواصفات لأغطية فتحات الخدمات الأرضية ( مانهول) وبحيث لا تعرقل حركة المشاة. مواصفات قياسية لتأثيث الطرق ونوع الإنارة وبطريقة جذابة. ووضع مسافات قياسية لعزل مسارات كل نوع من الحركة سواءَ المشاة أو الدراجات أو السيارات. وتوفير الساحات العامة والحدائق على مسافات مريحة للمشاة ولممارسة رياضة المشي والجري. والاهتمام بمواصفات وتنسيق لوحات الدعاية والإعلانات ولوحات المحلات التجارية وفق تصاميم موحدة وبارتفاعات وأبعاد متساوية واختيار ألوان مريحة للنفس. وإعادة تصميم بعض الشوارع الكبيرة داخل الأحياء السكنية سواء القديمة أو الحديثة أو المستقبلية وذلك بإلغاء بعض المسارات من كل جهة لتوسعة الأرصفة الجانبية وتقليص الجزيرة الوسطية.
فالمطلوب هو رفع مستوى تخطيط المخططات الحالية وعمل دراسة تنفيذية للمخططات بعد وضع تخيل عام للمظهر المستقبلي للمدينة وخط السماء وفكرة وشخصية اعتبارية متميزة لكل حي. وإعداد تصاميم تفصيلية للطرق والأرصفة والبنية التحتية. ومحاولة الاستفادة من تنفيذ بعض المدن والأحياء الصناعية العالمية الحديثة بتنفيذ البنية التحتية لشبكة المياه والكهرباء والهاتف والصرف الصحي والأمطار.
ويبقى بعد ذلك موضوع إدارة تلك الأحياء ووضع قوانين وأنظمة للبناء وما بعد البناء لطريقة التنفيذ واختيار المواد والألوان وتقيدهم بواجهات أنيقة وفخمة وفق تصميم راق. وغير ذلك من التنظيمات التي ستوضع بطريقة مستساغة لمستعملي وسكان المدينة وتوعيتهم.
ولعلي أرى أن الفرصة مناسبة اليوم لسماع نوع من الطرح الذي قد يساعدنا على إيجاد مخرج من هذه التعقيدات. التي قد تؤدي إلى نتائج عكسية مثل تصدير الأموال والاستثمارات الوطنية إلى الدول الخليجية المجاورة والخارج.