صندوق استقرار السوق المرتقب.. إصلاح أم إخلال؟

صندوق استقرار السوق المرتقب.. إصلاح أم إخلال؟

 صندوق استقرار السوق المرتقب.. إصلاح أم إخلال؟

مع تداعيات الهبوط الحاد في سوق الأسهم المحلية جاءت حزمة من الإصلاحات الضرورية لهيكلة سوق رأس المال حيث صدرت تجزئة الأسهم وتم السماح للمقيمين بالتداول, وعلى الصعيد نفسه خرجت مطالبات من مجلس الشورى بإنشاء صندوق يهدف إلى تحقيق الاستقرار في السوق المالية بحيث يتدخل بالبيع لكبح جماح السوق التصاعدي ويقوم بالشراء عند وصول الأسعار إلى مستويات منخفضة, ولم يتكرم المجلس الموقر بالإفصاح عن ماهية هذا الصندوق من حيث الإطار القانوني والنظام الإداري والاستراتيجية الاستثمارية, ولعل الحاجة تستدعي الاطلاع على تجارب الدول في هذا المجال للاستفادة من مواطن النجاح وتجنب مواضع الخلل في تلك التجارب.
في كوريا الجنوبية تم تأسيس صندوق استقرار سوق الأسهم بواسطة الحكومة التي تباشر إدارته في أيار (مايو) 1990 عندما تهاوت أسعار الأسهم, وساهمت شركات كبرى متداولة في السوق (تملك شركة LG نحو 4.75 في المائة من موجودات الصندوق) وشركات وساطة في تكوين رأسمال الصندوق البالغ 4.8 تريليون وأن (5.25 مليار دولار أمريكي) ولا يتم الإفصاح للشركات المشاركة أو للعامة عن المعلومات المتعلقة بتوزيع المحفظة الاستثمارية للصندوق, وفي نهاية عام 1994 بلغت القيمة السوقية للأسهم المملوكة للصندوق 4.6 مليار دولار أمريكي ما يعادل 2.3 في المائة من رسملة السوق, وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2002 تدخل الصندوق مجددا ليضخ مبلغ 203.6 مليون دولار في السوق لدعم الأسعار المتدنية, ولم يكن الصندوق فعالا في حفظ استقرار السوق حيث صعد المؤشر في الشهر اللاحق للتدخل إلا أنه ما لبث أن انخفض بشكل حاد فيما بعد.
تأثر سوق الأسهم في تايوان بحالة التوتر السياسي بين تايوان والصين عام 1995 حيث هبط المؤشر بشكل حاد وفقد السوق نحو 38 في المائة من قيمته خلال العام, ونتيجة لذلك قامت الحكومة بتأسيس صندوق استقرار السوق لإعادة الثقة للمستثمرين, وبدأ الصندوق أعماله في 23 شباط (فبراير) 1996 بحجم ملياري دولار وذلك بعد عدة أيام من نشر الجيش الصيني لقواته على الحدود التايوانية لإجراء مناورات عسكرية, وتساهم في الصندوق مؤسسات مالية وصناديق التقاعد وتقوم إدارة مستقلة بإدارة الصندوق وتتم مراقبته من قبل أعلى هيئة في البلاد تعنى بوضع السياسات الاقتصادية, وعلى الرغم من أن الصندوق استطاع أن يحسن أداء السوق ويعيد بعض الثقة التي اهتزت حيث صعد المؤشر بنسبة 34 في المائة خلال عام 1996, إلا أن الخبراء نادوا بتوقف الصندوق الذي ينظر إليه أنه يشوه مبدأ الاقتصاد الحر الذي تقوم عليه البلاد حيث ينطوي ذلك التدخل على تضخيم الأسعار وبالتالي إعطاء صورة غير حقيقية للأسهم المتداولة.
تتدخل حكومة هونج كونج في سوق الأوراق المالية بشكل مباشر ومتواصل لحماية السوق من التقلبات مما جعلها مثارا لانتقاد منظمة التجارة العالمية التي تعارض التدخل الحكومي في أسواق المال الذي يخل بقوى العرض والطلب ويساهم ذلك في دعم الشركات التي يتم الاستثمار بها على حساب شركات أخرى, وظهر ذلك التدخل جليا في آب (أغسطس) 1998عندما قامت الحكومة باستثمار 15 مليار دولار في سوق الأسهم بعد انهيار السوق إبان الأزمة المالية التي عانت منها اقتصادات دول شرق آسيا, وقد أدى التدخل إلى تحسين أداء السوق إلا أنه ساهم في تضخيم الأسعار مجددا حيث ارتفع مؤشر السوق بنسبة 70 في المائة خلال عام 1999.
من خلال تلك التجارب نستطيع القول إن صناديق استقرار أسواق الأسهم شهدت جدلا على نطاق واسع بين مؤيدين ومعارضين, فمن جهة يرتكز المطالبون بالصناديق على قدرتها على زيادة السيولة التي تحتاج إليها السوق وتعميق دور صناع السوق لتوطيد الاستقرار في السوق وحمايته من التقلبات الحادة التي قد تسبب أزمات مالية خانقة, ومن جهة أخرى يوجه المعارضون انتقادات لتلك الصناديق كونها تخل بتوازن السوق وتفتقر للشفافية, كما أنه قد ينطوي عليها حالة من المخاطرة الأخلاقية بحيث إنه بدلا من تطوير سلوك اتخاذ القرارات الاستثمارية وزيادة الوعي الاستثماري يعتمد المستثمرون على صندوق استقرار السوق الذي يتدخل لرفع الأسعار عندما تتهاوى.
من الناحية النظرية فإنه إذا كان السوق تنافسيا وفعالا فإن التدخل المؤسساتي في السوق قد يعوق أو يؤجّل استجابة حركة الأسعار إلى المعلومات, لذا فمن هذا المنظور يعتبر صندوق الاستقرار غير مرغوب فيه, ومع ذلك فإنه إذا كانت استجابة المستثمرين للأخبار تسبب رد فعل مبالغا فيه فإن التدخل المؤسساتي لحفظ الاستقرار في السوق يعتبر مبررا على اعتبار أن تقليل التقلبات وتقليص حالة عدم التأكد التي تشهدها السوق بسبب التصحيح القوي يعتبر مفضلا لمعظم المتعاملين في السوق, وقد أشارت بعض الدراسات إلى أن صناديق الاستقرار تعد فعالة للأسواق خلال الأزمات ولكن لفترة قصيرة نسبيا.
بناء على ما تقدم فإن تأسيس صندوق يهدف إلى استقرار سوق الأسهم السعودي يتطلب دراسة عميقة لمدى حاجة السوق إليه ومدى قدرته على تحقيق التوازن دون الإخلال بقوى العرض والطلب في السوق, وإن استدعى الأمر إنشاء ذلك الصندوق فيجب وضع الإطار القانوني والنظام الإداري المناسبين له كي يقوم بالدور المنوط به بكفاءة ومنحه الاستقلالية التي تضفي المرونة وسرعة اتخاذ القرار وتمتعه بالحيادية لمنع تضارب المصالح, خاصة أنه بالنظر إلى المؤسسات الحكومية القائمة حاليا في نظامنا واللاعبة في السوق فإنها لا تستطيع لأسباب نظامية وإدارية القيام بدور صانع السوق الذي يهدف إلى تحقيق الاستقرار حيث تفتقر تلك المؤسسات إلى الاستقلالية والاحترافية والبنية والسياسة الاستثمارية.

الأكثر قراءة