Author

التصنيع الخيار الاستراتيجي لمواجهة تحديات المستقبل

|
من أهم معايير التمييز بين الدول المتقدمة والدول النامية هو مدى ما وصلت إليه الدولة من تقدم تقني وصناعي, إذ لا يُنظر إلى تاريخ الدولة ولا حضارتها الموغلة في القدم, ولا عدد سكانها, ولا موقعها الجغرافي.. إلخ. ولهذا فإن الوصول إلى درجة معينة من التقدم تسمح بتصنيف الدولة ضمن طائفة الدول المتقدمة أمر ليس سهلاً, بل يتطلب بذل الجهد ووضع استراتيجية طويلة المدى, تقسم إلى مراحل زمنية محددة, تتضمن أولويات معينة, بحيث يتم البدء أولاً بإنتاج وتصنيع سلع ومنتجات للاستهلاك المحلي, ثم تصنيع منتجات أو سلع وسيطة تدخل ضمن مكونات صناعات أخرى, وتُغني عن الاستيراد من الخارج. وهذا يتطلب مضاعفة المقدرات التقنية للصناعات الوطنية. وتشير بعض الإحصاءات إلى أن نصيب الدول العربية مجتمعة من الصناعات بمختلف أنواعها متواضع جداً, إذ لا تحظى بأكثر من 1.7 في المائة من إجمالي الاستثمارات العالمية المباشرة, يتم توجيه نسبة بسيطة منه للاستثمار الصناعي. وهو أمر ملحوظ كذلك على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي, حيث تُشير الإحصاءات إلى أن معدل النمو السنوي للاستثمارات الصناعية فيها قد انخفض خلال السنوات الأخيرة حتى وصل إلى نحو 4 في المائة مع نهاية عام 1998, بعد أن وصل إلى 35 في المائة في عام 1994, وقد عزا الاقتصاديون هذا الانخفاض إلى انخفاض أسعار وإيرادات النفط, وإلى الآثار التي ترتبت على الحروب التي تعرضت لها منطقة الخليج في تلك الفترة. كما أشاروا إلى أن هناك حاجة إلى ضخ نحو 11 مليار دولار سنوياً في قطاع الصناعة, وذلك للمحافظة على معدلات النمو السابقة, بحيث يصل مجموع الاستثمارات في قطاع الصناعة التحويلية إلى نحو 134 مليار دولار في عام 2005, ونحو 154 مليار دولار في عام 2010. ولكن الملاحظ أن أسعار النفط قد ارتفعت في السنوات الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً لم يكن له نظير في الماضي, مما ترتب عليه وجود فوائض مالية كبيرة لدى هذه الدول, ولهذا نرى ضرورة توجيه هذه الفوائض نحو الاستثمار الصناعي, وذلك لإنشاء قاعدة صناعية فيها تجعلها في مأمن من الأزمات المفاجئة, نتيجة الحروب كما حدث إبان حربي الخليج الأولى والثانية ومع تقلبات أسعار النفط. كما تشير الإحصاءات إلى أن 80 في المائة من صادرات هذه الدول تعتمد على النفط والغاز, وأن الاستثمارات الصناعية الخليجية خلال العقد الأخير من القرن العشرين قد ارتفعت بمعدل 180 في المائة لتصل إلى 80 مليار دولار في عام 1998, مقابل 28 مليار دولار في عام 1997. فيما ارتفع ناتج الصناعات التحويلية من 13.35 مليار دولار في عام 1988, ليصل إلى 25.64 مليار دولار في عام 1997, وازداد نصيب الصناعات التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي من 5 في المائة إلى أكثر من 10 في المائة خلال فترة المقارنة. وعلى ذلك فإذا كان التصنيع يُعد خياراً استراتيجياً للإسراع في تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مختلف دول العالم, فإن له أهمية خاصة في السعودية, إذ اهتم به ولاة الأمر, فأصبح القطاع الصناعي مصدراً من مصادر الدخل الوطني, حيث حقق نمواً وصل إلى نحو 96 في المائة, وتزداد أهمية هذا القطاع مع قرب انضمام السعودية لمنظمة التجارة العالمية, مما سيترتب عليه زيادة حدة المنافسة في مجالات التصنيع لسد احتياجات السوق المحلية والانتقال إلى آفاق الأسواق العالمية. ويشير آخر تقرير صادر عن مؤسسة النقد العربي السعودي إلى أن وزارة التجارة والصناعة قد قامت بتسجيل نحو 938 شركة جديدة خلال عام 2003, بلغ رأسمالها نحو أربعة مليارات ريال, مقارنة بنحو 922 شركة تم تسجيلها في عام 2002, برأسمال مقداره 2.7 مليار ريال. كما أصدرت وزارة التجارة والصناعة تراخيص جديدة لإنشاء 1109 مصانع جديدة في مختلف الأنشطة الصناعية بتمويل بلغ نحو 29 مليار ريال. وبلغ عدد المصانع القائمة والمرخصة من قبل وزارة التجارة والصناعة حتى نهاية عام 2003, 3650 مصنعاً منتجاً, يعمل به ما يقارب 346 ألف عامل. وبلغ إجمالي تمويل المصانع القائمة نحو 255.9 مليار ريال, تشكل مبالغ التمويل للصناعات الكيماوية والبلاستيكية نحو 62.2 في المائة من إجمالي مبالغ التمويل. وارتفع إنتاج شركات الأسمنت العاملة في المملكة وعددها ثماني شركات بنسبة 6 في المائة لتنتج نحو 24.5 مليون طن من الأسمنت, وبلغ إجمالي مساحات المدن الصناعية التي تشرف عليها وزارة التجارة والصناعة "عدا مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين" أكثر من 38.1 مليون متر مربع في نهاية عام 2003. ونظراً لما يشهده الوقت الراهن من تغيرات عالمية ترتكز على حرية تدفق رؤوس الأموال وتحرير التجارة العالمية وتحديات المنافسة, فإنه قد حان الوقت لتوجيه الرساميل المحلية والأجنبية نحو الاستثمار في المشاريع الصناعية الحيوية القادرة على سد الاحتياجات الاقتصادية للسوقين المحلية والعالمية, بدلاً من المضاربات في أسواق الأسهم والمساهمات العقارية وغيرها من المجالات التي يكون دورها محدوداً في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية, ذلك أن إنشاء المصانع سوف يترتب عليه إيجاد فرص عمل للشباب وفتح آفاق لقيام أنشطة خدمية لهذه الصناعات, وإنعاش صناعات وقطاعات أخرى.
إنشرها