إلى أين تتجه أسعار النفط؟

انخفضت أسعار النفط بشكل كبير نسبياً منذ نهاية شهر تشرين الأول (أكتوبر)، الأمر الذي أقنع البعض بأمرين، الأول أن الأسعار المرتفعة بدأت بتحطيم الطلب على النفط، والثاني أن "أوبك" قد تقرر تخفيض الإنتاج في اجتماعها يوم 12 كانون الأول (ديسمبر) المقبل في الكويت بهدف المحافظة على الأسعار، ما مدى صحة هذه الآراء؟
يستعرض الشكل البياني رقم (1) أسعار النفط المختلفة منذ بداية عام 2005. يوضح الشكل أن ارتفاع الأسعار ووصولها إلى مستويات قياسية في نهاية آب (أغسطس) ارتبط بالأعاصير المدمرة في خليج المكسيك. كما يوضح أن أسعار النفط قد انخفضت بأكثر من عشرة دولارات للبرميل منذ نهاية شهر آب (أغسطس) وحتى بداية الأسبوع الحالي. ورغم هذا الانخفاض إلا أن الأسعار مازالت فوق المستوى الذي ترغبه "أوبك" وفوق مستوى الأسعار في فترة ما قبل الأعاصير. هذه النتيجة مهمة لأنها تعني أمرين، الأول أن ارتفاع الأسعار لم يؤد إلى تحطيم الطلب كما توقع البعض، وأن "أوبك" لن تخفض الإنتاج لأن الأسعار الحالية أكثر من مرضية لـ "أوبك".
ولكن كيف يمكن شرح انخفاض الطلب على النفط في أيلول (سبتمبر)؟ هل أدت الأسعار العالية فعلاً إلى بدء تحطيم الطلب العالمي على النفط؟ الجواب النهائي لن يعرف قبل عدة شهور من الآن، إلا أن هناك حقيقتين لا يمكن التغاضي عنهما. الأولى أن إعصار كاترينا أغرق عشرات الألوف من السيارات التي توقفت عن السير فترة طويلة من الزمن. الثانية أن حركة المواصلات على الطرق والجسور الرئيسة في الولايات المتحدة انخفضت بشكل طفيف، وعلى غير العادة، في أيلول (سبتمبر).
إن هاتين الحقيقتين تشيران إلى نتيجتين مهمتين، الأولى أن انخفاض الطلب على النفط في أيلول (سبتمبر) كان مؤقتاً بسبب غرق السيارات. الثانية أن ارتفاع الأسعار قد يكون قد أدى إلى تحطيم جزء من الطلب على النفط، خاصة من ذوي الدخل المنخفض في الولايات المتحدة الذين استغلوا سهولة الحصول على قروض وانخفاض أسعار الفائدة منذ عام 1998 وقاموا بشراء سيارات عائلية كبيرة، والمشهورة باستهلاكها الكبير للبنزين. إلا أن هذا التصرف يثير بحد ذاته عدة تساؤلات منها: هل بدأ المستهلكون من ذوي الدخل المنخفض أو المحدود بتغيير سلوكهم نتيجة أسعار البنزين المرتفعة، أم نتيجة الارتفاع المفاجئ في أسعار البنزين؟ إن تجربة عام 2004 والنصف الأول من عام 2005 تشير إلى أن المستهلكين لا يتأثروا بارتفاع أسعار النفط إذا كان هذا الارتفاع تدريجياً ومتوقعاًُ، ولكن ارتفاع الأسعار في الصيف الماضي جاء مفاجئاً وكبيراً، الأمر الذي يعزز من فكرة أن انخفاض الطلب سيكون مؤقتاً وأن ارتفاع الأسعار لن يؤدي إلى تخفيض دائم للطلب على النفط. ومن هذه التساؤلات أيضاً: لو عاد كل أصحاب الدخل المنخفض في الولايات المتحدة إلى السيارات الصغيرة التي كانوا يقودونها قبل عام 1998، هل سينخفض الطلب على النفط بشكل كبير؟ وهل سيؤدي ذلك إلى تراجع مستمر في الأسعار؟ الجواب عن كل هذه الأسئلة هو "لا" بسبب النسبة الصغيرة لهؤلاء في المجتمع الأمريكي من جهة، وبسبب صغر الفرق بين استهلاك السيارات الكبيرة والصغيرة مقارنة بالطلب العالمي على النفط.
يوضح الرسم البياني أمراً مهما أيضاً، فالفرق بين أسعار خام "غرب تكساس" وسلة "أوبك", الذي يعكس الفرق في النوعية و الموقع الجغرافي، زاد بشكل كبير في الشهور الأخيرة، الأمر الذي يعكس الوضع الحالي لأسواق النفط العالمية، فالنفط الذي تدعي "أوبك" وجوده كطاقة إنتاجية فائضة من النوع الثقيل الذي لا يرغب أصحاب المصافي في شرائه إلا إذا انخفض سعره بشكل كبير بحيث تكون أرباح الحصول على مشتقات نفطية خفيفة من النفط الثقيل تعادل أو تزيد عن الأرباح التي يحققها هؤلاء المصفون من تكرير النفط الأخف مثل خام غرب تكساس. وتشير البيانات الحالية إلى أن الفرق بين خام غرب تكساس وسلة أوبك يجب أن يتضاعف على الأقل كي تتمكن "أوبك" من بيع كميات إضافية. وهذا يعني أن تخفيض "أوبك" للإنتاج لن يؤثر كثيراً على أسعار النفط العالمية في الوقت الحالي.
إن المحدد الأساس لأسعار النفط في الشهر المقبل هو برودة الطقس في الولايات المتحدة وأوروبا. إن وجود موجات باردة في كل من أوروبا وأمريكا الشمالية في الوقت نفسه سيؤدي إلى انخفاض الإمدادات، زيادة الطلب، انخفاض المخزون التجاري، وارتفاع أسعار النفط، خاصة أن وفرة الإمدادات في الولايات المتحدة تعود إلى تصدير أوروبا لمزيد من النفط ومشتقاته إلى الولايات المتحدة الذي سينخفض مجرد اجتياح أول موجة باردة لأوروبا. لذلك فإن هناك احتمالاً كبيراً أن ترتفع أسعار النفط خلال الأسابيع المقبلة، ولكن يصعب التنبؤ فيما إذا كانت الأسعار ستصل إلى مستويات قياسية جديدة أم لا. المهم في الأمر أن أسعار النفط ستكون أكثر من مرضية لدول أوبك على كل الحالات. لذلك فإن "أوبك" لن تقرر تخفيض الإنتاج لأن الطلب المستقبلي على النفط, خاصة في الربع الأول من العام المقبل سيرتفع.
خلاصة الأمر أن كلا من الطلب الحالي والطلب المستقبلي وأسعار النفط الحالية والفرق بين أسعار النفط الخفيف والثقيل يتطلب عدم قيام "أوبك" بتخفيض الإنتاج، لكن هذا لا يعني عدم اتخاذ "أوبك" قرارات مفاجئة معاكسة لما ذكر سابقاً، خاصة أن "أوبك" اعتادت على إصدار قراراتها بالإجماع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي