تدويل أنشطة البحث والتطوير
حسب تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أو "الأونكتاد" فإن هناك توجها عالميا نحو تدويل أنشطة البحث والتطوير لغرض الحصول على ابتكارات جديدة. وقد ركز تقرير عام 2005 على هذه الظاهرة, واستخلص إلى نتيجة مفادها أن الشركات العالمية باتت تهتم أكثر من أي وقت مضى بالقيام بعمليات البحث والتطوير في مختلف بقاع العالم مع التركيز على قارة آسيا على وجه التحديد.
يرى تقرير "الأونكتاد" أن الشركات العالمية (أو عبر الوطنية كما يحلو له تسميتها) تتزعم عمليات البحث والتطوير على الصعيد الدولي. وتأتي شركة فورد الأمريكية للسيارات في مقدمة هذه الشركات, حيث أنفقت مبلغا قدره 7.2 مليار دولار على البحث والتطوير عام 2002. أيضا سجل تقرير الاستثمار قيام شركات أخرى عالمية بصرف أموال ضخمة على عمليات البحث والتطوير (شركة سيمنز الألمانية 5.7 مليار دولار, شركة تويوتا اليابانية 4.6 مليار دولار, شركة غلاكسو- سميث - كلاين البريطانية 4.4 مليار دولار). بالمقابل أنفقت غالبية دول العالم مبالغ أقل مقارنة بالشركات العالمية على أنشطة البحث والتطوير.
ولاحظ التقرير أن الشركات العالمية أصبحت تنشئ مراكز للبحث والتطوير في البلدان النامية ومن ثم تقوم بإدماج النتائج مع الجهود الابتكارية التي تقوم بها في البلدان الصناعية المتقدمة. بمعنى آخر حتى الماضي القريب كان تركيز الشركات العالمية ينصب على إنشاء مرافق في مختلف دول العالم لغرض تكييف التقنية حتى يتسنى لها ترويج منتجاتها محليا. أما ما يحدث اليوم فهو أكثر بكثير من مجرد التكييف مع الأسواق المحلية, حيث يلاحظ أن أنشطة البحث والتطوير التي تجري في الدول النامية أصبحت متممة لعمليات شبيهة تجرى في الدول المتقدمة.
حسب التقرير أنفقت الشركات التابعة الأجنبية ما قيمته 30 مليار دولار على أنشطة البحث والتطوير عام 1993 داخل البلدان المضيفة. وقد ارتفع الرقم إلى 67 مليار دولار عام 2002. وقد ارتفع نصيب آسيا من مجموع الإنفاق العالمي من 2 في المائة عام 1991 إلى 6 في المائة عام 2002.
صعود آسيا
يشير تقرير "الأونكتاد" إلى الصين على وجه الخصوص التي باتت مركزا لعمليات البحث والتطوير للكثير من الشركات العالمية. فقد أنشأت شركة موتورولا الأمريكية أول مختبر مملوك لشركة أجنبية في الصين عام 1993. أما في الوقت الحاضر فهناك 700 وحدة تابعة لشركات عالمية في الصين تهتم بعمليات البحث والتطوير. والحال نفسه ينطبق على الهند التي بدورها أصبحت مركزا مهما للأبحاث. يلاحظ أن العديد من الشركات المهتمة بالمواد الصيدلانية مثل (فايزر وأسترا وغيرها كثير) باتت تستخدم الهند لأنشطة بحثية سريرية, كما باتت منطقة جنوب شرق آسيا واحدة من أهم المناطق في العالم فيما يخص تصميم أشباه الموصلات. حقيقة فإن نحو 30 في المائة من الأنشطة المتعلقة بتصميم هذه السلعة الاستراتيجية تتم في دول مثل سنغافورة وماليزيا وغيرها في المنطقة. من جهة أخرى يلاحظ أن البرازيل أصبحت لاعبا مهما في مجال تصميم وصناعة السيارات. فقد سجل التقرير وجود منافسة حادة بين شركة جنرال موتورز في البرازيل والشركات التابعة لنفس المجموعة والموجودة في أمريكا.
براءات الاختراع
لاحظ التقرير زيادة مطردة في عدد الطلبات المسجلة من قبل البلدان النامية في مكتب براءات الاختراع والعلامات التجارية في الولايات المتحدة. فقد ارتفع نصيب طلبات براءات الاختراع المقدمة من بلدان نامية وجنوب شرقي أوروبا وكومونولث الدول المستقلة (عن الاتحاد السوفياتي سابقا) من 7 في المائة في الفترة ما بين 1991 و1993 إلى 17 في المائة في الفترة ما بين 2001 و2003. إلا أن التقرير أشار إلى وجود تفاوت بين الدول النامية فيما يخص مسألة الابتكار. فيلاحظ أن منطقتي جنوب آسيا (مثل الهند) وجنوب شرق آسيا (مثل سنغافورة) تتصدران مجال القدرة على الابتكار. بيد أن حدث تدهور في القدرة على الابتكار في أماكن أخرى منها غرب آسيا (دول مجلس التعاون الخليجي), فضلا عن إفريقيا وأمريكا اللاتينية والكاريبي.
إضافة إلى ذلك تشير نتائج دراسة استقصائية (نشرت في تقرير الأونكتاد) إلى الأهمية المتزايدة لأنشطة البحث والتطوير خارج البلدان المتقدمة. فقد كشفت تسع من بين كل عشر شركات يابانية عن وجود خطط لديها لزيادة أنشطتها البحثية في الخارج. وأشارت العديد من الشركات إلى وجود نية لديها للتوسع البحثي في الصين من بين كل دول العالم.
حقيقة لا تلام الشركات التي تقوم بأعمال الابتكار لسبب جوهري. المعروف أن بمقدور الشركات فرض رسوم عالية نسبيا على السلع المستحدثة التي بدورها تأتي عن طريق الابتكارات. بالمقابل ليس من السهل فرض رسوم أكثر على السلع من تلك السائدة في الأسواق في منطقة ما بسبب عامل المنافسة. وعليه يمكن الزعم أن الربح أو الخير الكثير يكمن في السلع المستحدثة. وشك في أن السلع المستحدثة تأتي عن طريق الإنفاق في أنشطة البحث والتطوير.