تطبيق مبدأ الجودة الشاملة في المؤسسات

تطبيق مبدأ الجودة الشاملة في المؤسسات

تحقّق المؤسسات في عالم اليوم نجاحات في أعمالها اليومية نتيجة لشروعها في تطبيق ما يسمى " الجودة الشاملة". وقد بدأ بعض المؤسسات الخليجية الأهلية في الشركات والمؤسسات في الاستعانة وتطبيق هذا المبدأ من خلال تنظيم دورات لموظفيها، خاصة في مستويات الإدارة العليا التي يوجد فيها في معظم الأحيان عناصر غير خليجية، اللهم بعض الأفراد منهم ممن حالفهم الحظ في الوصول إلى تلك المناصب، بيد أن هذا المبدأ يمكن تحقيقه أيضا على مستوى المدارس الابتدائية، ناهيك عن المؤسسات الأكاديمية العليا، والمؤسسات الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة والكبيرة.
وعموما تتنوع المؤسسات التي تطبق هذا المفهوم العصري الحديث في أي مجال إداري أو إنتاجي يتخيله المرء، سواء أكانت تلك المؤسسات تعمل على أسس تجارية بحتة، أو كانت تنتمي إلى مؤسسات غير ربحية، باعتبار أن تطبيق هذا المبدأ يؤدي في كثير من الأحيان إلى رفع كفاءة أداء القطاعات العاملة، وينعكس أيضا على المنتسبين أو العاملين في تلك المؤسسات من حيث تطوير عمليات الأداء، والتحسن في الإنتاجية، وإعطاء المزيد من القدرة للمؤسسات على العمل في المجالات العلمية والعملية، ومواجهة التحديات والمنافسات المتعددة التي أصبحت إحدى سمات العصر.
وكما هو معروف فإن "الجودة الشاملة" عبارة عن برنامج استشاري تطويري يهتم بالتخطيط والتطوير والمساهمة، كما يهتم بنشر ثقافة الجودة في العمل والإنتاجية، ويعني بمراقبة الجودة، وقياس وتقويم الأداء، ووضع المعايير الخاصة من أجل التحسين ومواصلة التطوير.
والجودة والإتقان في العمل مبدأ قرآني وإسلامي، حيث يقول الله تعالى في كتابه الكريم: "إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا"، ويقول رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه". فمن خلال هذه المقولتين الشريفتين نستنتج أن الإسلام سبق النظريات الحديثة في وضع مفهوم العمل المتقن والجودة في الأداء، باعتبار أن ذلك يؤدي إلى رفع مستوى العطاء والتحصيل والتفوق في العمل والأداء الإداري والفني والتفاعل مع البيئة والمجتمع، وتحسس العامل مدى التفوق الذي يحرزه عند أداء عمله بصورة متقنة.

ويرى الخبراء العاملون في هذا البرنامج أن الجودة هي مبدأ فكري يبدأ من خلال الإيمان الكامل بجدوى التطبيق وتحقيق التكامل بين كافة المستويات التنظيمية للتوحد ورفع مستوى الأداء. وقد ظهرت هيئات متخصصة تعنى بجودة الخدمات والإنتاجية، وإدارة الأفراد وتطوير التشريعات وغيرها من القضايا الأخرى المرتبطة بهذا المفهوم. ومما لا شك فيه أن الاهتمام بتطبيق منهجية (إدارة الجودة الشاملة) في مؤسساتنا الحكومية والقطاع الخاص سوف يساعد كثيرا على تحوّل الفكر لدى العاملين في مختلف المؤسسات وكذلك في الجانب الإداري. وعليه فإن إيجاد "الجودة الشاملة" يؤدي إلى التخلص من الأساليب غير المجدية في النواحي الفنية والإدارية في المؤسسات، ويصل إلى معرفة أوجه القصور في العمل والإنتاجية، وبالتالي يؤدي إلى تحسين الأداء العام، وتقليل الفاقد والحد من الهدر بجميع صوره وأشكاله، وتعرية أولئك الذين يقولون أكثر مما يعملون، ويضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
ولتحقيق هذا المفهوم فإنه يتطلب أولا أن تكون هناك قناعات داخلية لدى العاملين في المؤسسات بأهمية العمل، وضمير مستيقظ يخشى الله ويتقيه، باعتبار أن الجميع مطالب بإتقان العمل والجد والاجتهاد دون استخدام الأساليب الملتوية لتضخيم عمله على حساب الجودة والإتقان.
فالحديث عن إدارة الجودة الشاملة لا تمله نفوس المخلصين والمحبين للعمل المتقن وللآراء الأفضل وللتطوير المستمر بغض النظر عن حجم المؤسسة وأهميته بين الناس، باعتبار أن عصارة وخلاصة إنتاج تلك المؤسسات تصل إلى أيدي العملاء والزبائن والمراجعين والمتعاملين معها، الأمر الذي يتطلب المثابرة والاستمرار والتطوير.
فعلى مستوى المؤسسات الأهلية فإن الجودة تعتبر أحد العوامل الرئيسية التي تساعد في رفع روح التنافس بين الشركات والمصانع والخدمات المختلفة وذلك لوعي المستهلكين في اختيار السلعة أو الخدمة ذات الجودة العالية وبالسعر المناسب. فالجودة تعني هنا تحقيق متطلبات المستهلك سواء من السلعة أو الخدمة المطلوبة. وعليه فمن الأحرى تثقيف ونشر الوعي بمفهوم وثقافة الجودة في المجتمع الخليجي في مختلف المؤسسات، سواء أكانت هذه مؤسسات خدمة أو إنتاجية أو تعليمية أو غيرها، الأمر الذي يتطلب تضافر الجهود وتوحيد الأهداف لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي السامي.
ولا شك أن العديد من الدول الصناعية المتقدمة كاليابان وغيرها طبقت هذا المبدأ وظهرت فوائدها العديدة للجميع، ثم طبقت دول عدة متقدمة هذا المبدأ وأثبتت نجاحا ملحوظ في مجالات كثيرة، حيث إن من نتائج تحقيق هذا المبدأ أن تراجعت المصروفات التشغيلية للمؤسسات، واستطاعت القضاء على المشاكل التي يعاني منها العملاء، والتوسع في الأعمال دون توظيف المزيد من العمالة لأنهم سوف يكونون أكثر إنتاجية لمعرفتهم الجيدة لتوقعات العمل والعملاء، ومعرفة متطلبات السوق أولا بأول. فالجودة أصبحت في عصرنا الحاضر المعيار الرئيسي للتبادل التجاري في العالم على مستوى العلاقات التجارية. ومن هذا المنطلق ينصح الخبراء في هذا المجال بضرورة المعرفة بأن الجودة هي الثقافة التي ينبغي أن تتبنى من جميع أفراد المنشأة أو المنظمة، وأن تحقيق هذا المبدأ ليس بالأمر الهيّن، حيث إن تغيير الثقافة المتبعة في المنشأة أو المنظمة يحتاج إلى الالتزام بمتطلبات الجودة الشاملة من قبل الإدارة العليا أولا، ومن ثم من قبل جميع رؤساء الأقسام، وأن تطبيق الجودة يحتاج إلى جهد وتخطيط، لأنها سوف تواجه بمقاومة ليست باليسيرة في بادئ الأمر من قبل الذين لا يؤمنون بهذا الأسلوب العلمي الإداري التطويري، لأنها سوف تحدد مصير أشخاص قبل مصير العملاء.

الأكثر قراءة