التنظيمات الجديدة للمساهمات العقارية هل تعالج تسرّب الاستثمارات؟

قرار تنظيم الممارسات الجديد على الرغم من تصريح وزير التجارة بأنه يدفع إلى مزيد من الاستثمار فهو في الحقيقة فعلاَ سيدفع إلى مزيد من الاستثمار ولكن عند جيراننا من الدول الشقيقة. فهو قرار أجهز على مفهوم المساهمات العقارية. فبدلاَ من أن نسمع توبيخاَ أو عقاباَ للمستهترين بتلك المهنة الأساسية والمحركة للاقتصاد الوطني وليكونوا عظة وعبرة للجميع, نقوم بالإجهاض على فكرة المساهمة والشرفاء في المهنة.
إن اشتراط أن تكون أرض المساهمة مملوكة بصك شرعي يعني فقدان مبدأ المساهمات فهي أصبحت عملية بيع عادية وليس مساهمة. كما أنها عملية تصب في صالح كبار تجار العقار أو الأغنياء لتنحصر في أيديهم, وبذلك تصبح عملية احتكارية في أيدي هؤلاء الأغنياء ليتلاعبوا بالمضاربات فيزداد الأغنياء غنى والفقراء فقراَ. وبذلك نكون قد أجهزنا على طبقة متوسطي الأعمال والدخل والذين قدمنا لهم تذكرة غير مرجعة للاستثمار في الخارج وللتشجيع على هجرة الأموال إلى الخارج. فهل يا ترى هؤلاء التجار هم الذين خلف هذا القرار؟
والاشتراط الآخر هو إشراف هيئة سوق المال والتي عساها بحملها تثور فهي غير قادرة على مواجهة هوامير الأسهم وتلاعب العملاء والوسطاء ومسربي الأخبار والذين عادة يعزر بهم دوليا. كما أنها تنقصها الخبرة العقارية والهندسية.
ولماذا لا يكون لمثل هذه القرارات مسحة زمنية تدريجية وبحيث تفعل تدريجياَ.
كما أن هذا القرار لم يحل المشكلة حيث إن المتلاعبين سيقومون بالدوران حول القرار بعمل مبايعات سرية أو خفية مع ملاك الأراضي لتصبح نوعا من التستر. وبذلك نكون فقط قد ساعدنا على نوع من السوق السوداء مثل السوق السوداء للعمالة الأجنبية التي ولدها قرار السعودة وأصبحت تأشيرة الأجنبي تباع في السوق السوداء وأغلى من المخدرات.
ولماذا لا يبقى الوضع كما هو وبدون شرط تملك الأرض فهناك آليات آخرى كثيرة يمكن توظيفها مثل إيجاد دور رقابي أو محاسب قانوني محايد أو إنشاء شركات تضامنية أو توصية بسيطة, أو ضمانات بنكية مع خبرة عقارية طويلة.
ومن جهة أخرى, فإن القرار لم يتعرض إلى ضرورة توعية المواطنين إلى عدم السعي وراء الطمع وأن يفتحوا أعينهم قبل الوقوع مع هؤلاء المسيئين إلى المهنة العقارية. فالقانون لا يحمي الأغبياء.
أما إذا كنا نعتقد أن الهدف من هذا القرار هو توجيه الاستثمار العقاري ليصب في أعمال تطوير الأراضي والمباني وهو قرار صائب ولكنه مختلف موضوعياَ. ولماذا لا يكون ذلك القرار صريحاَ ليكون واضحاَ للجميع من مبدأ الشفافية التي نسعى إليها. وإن كانت النظرة هي لموضوع مراقبة غسل الأموال فهناك ميكانيكيات أفضل عن طريق البنوك ومؤسسة النقد بدلاَ من تعقيد موضوع العقار.
ومهما كانت هناك خسائر للبعض في سوق المساهمات فإن إيجابياتها أكثر من سلبياتها. وهي معرضة للربح والخسارة مثلها مثل سوق الأسهم والتي مرت بتلك المساهمات وخسرت شريحة أكبر من المواطنين بسبب ممارسات هوامير الأسهم ولم يطلهم أية عقاب ولم تصدر قرارات في سوق الأسهم بضرورة تملك الشركة أو المحفظة بصك الشركة. حتى أنشئت هيئة سوق المال, فمتى نرى هيئة سوق العقارات والتي هي أكبر وأهم من سوق الأسهم أضعافا مضاعفة. وأولى أن تكون لها هيئة منظمة تضع ضوابط وأنظمة وقوانين تحكمها وتحاول التنبؤ بالمشاكل المستقبلية لهذا القطاع ومحاولة توجيهه لتلبية الاحتياجات والعرض والطلب الحالي والمستقبلي.

يعتبر الاستثمار في القطاع العقاري إحدى أهم القواعد الاقتصادية لمعظم الدول ويقدر حجمه بآلاف المليارات. وهو في ظل وجود بعض التعقيدات في الأنظمة له وللقواعد الاقتصادية الأخرى مثل التجارة, الصناعة, السياحة, والزراعة وما تلقاه هذه الأنشطة من مشاكل وتعقيدات في الإجراءات القضائية والتنظيمية وصعوبة الاستقدام والسماح للأجنبي بالدخول وحمايته واستثماراته. يبقى الاستثمار في العقار والأسهم أسهل وأسرع فرص للاستثمار. كما أن المستفيد منها ليس ملاك المساهمات فقط. بل إنها تدر أرباحاَ للمواطنين إضافة إلى تدويرها للأموال لتتوزع على جميع القطاعات الاقتصادية ليستفيد منها الجميع مثل المكاتب الهندسية, المقاولين, تجار مواد البناء, ودور النشر والصحف, مكاتب الإعلانات والتسويق, شركات الحاسوب, الإنترنت, وغيرها. وهؤلاء سيدورن هذه الأرباح لشراء متطلبات أخرى لهم ولأفراد عائلتهم سواء من الكماليات كسيارات, ساعات, أدوات تجميل, العلاج في المستشفيات والمستوصفات, أو الأغذية, وغيرها من التدوير للقطاعات الاقتصادية الأخرى وبذلك تحرك الاقتصاد الوطني للدولة. كما أنها ساعدت على امتصاص جزء كبير من العمالة والوظائف للمواطنين وغيرهم من الدول العربية والإسلامية الشقيقة.
صحيح أن هذا القطاع الحيوي والمهم بدأت تشوه صورته وتزعزها بعض الممارسات السيئة والخاطئة والتي هي دخيلة وتسيء إلى أهل هذه الصناعة, وهي ممارسات لدخلاء قليلي الخبرة وحديثين على المهنة سواء بحسن أو سوء نية. وألحقت الضرر ببعض المواطنين والضعفاء. واستغلوا ثقة المسؤولين وولاة الأمر لمباركة تلك المشاريع ولكنهم خذلوا وزعزعوا تلك الثقة. واستعملوا أسلوبا مبالغا فيه ومغريا لخداع الناس. لذلك فإن مثل هذه الممارسات يجب ألا نغمض أعيننا عنها ولا ندعها تمر بسهولة ولماذا بدلاَ من معاقبتهم وردعهم نقوم بمعاقبة المجتمع والمواطنين الشرفاء. وحتى لا تبقى وصمة سوداء في تاريخ إحدى أهم قواعد الدولة الاقتصادية وقد تترك سلبياتها على بقية الاقتصاد الوطني, وفي نهاية المطاف ستساعد على هجرة الأموال والاستثمارات إلى الدول المجاورة مما يؤثر سلبياً في اقتصاد الدولة ومدخراتها.
ويبدو لي أن الأهم من ذلك القرار أن نبدأ بالأهم وهو الصرامة في القوانين وتطبيقها بعدالة. ثم إنشاء هيئة عليا للعقار للقضاء على الممارسات السيئة التي تهدد السوق والمهنة العقارية مثل مواضيع الاعتداء على الأراضي والصكوك المزدوجة التي يظهر أصحابها بعد البيع والتصرف في الأموال. أو الشراء بسعر وإدخال المساهمين بسعر أعلى. أو التبايع فيما بينهم لرفع سعر الأرض على الصك" ولا يبع بعضكم على بيع بعض".
ومن جهة أخرى, فإن توعية المواطنين تلعب دورا أساسيا في الموضوع لتوعية بعض المواطنين من السعي الأعمى وراء الربح السريع وما يصور لهم من أرباح خيالية.
ولعلي أرى أن الفرصة مناسبة اليوم لإعادة النظر في هذا القرار ولسماع نوع من الطرح الذي قد يساعدنا على إيجاد مخرج من هذه التعقيدات. والتي قد تؤدي إلى نتائج عكسية أدت وستؤدي إلى تصدير الأموال والاستثمارات الوطنية إلى الدول الخليجية المجاورة والخارج. والتي تراقب بحذر نتائج المد والجزر في قراراتنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي