عودة قطاع الطرق

كان الناس في الماضي يهابون السفر ويتحاشونه, وإذا عزم أحدهم على الرحيل فإنه يعد العدة للسفر والحرب معاً وتكون الرحلة شاقة والوداع قاسياً والعود أمنية, ولذلك استعاذ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من وعثاء السفر, ولكن بعد تطور الحضارة الإنسانية واختراع آلات التنقل الحديثة, تقاربت المسافات وسهل الترحال ولم يعد السفر يشكل هماً على صاحبه, بل أصبح متعة لمن يقوم به وتجربة إنسانية غنية بالمعرفة ووسيلة آمنة لكسب الرزق والترويح عن النفس.
في بلادنا كان الكثير من المسافرين يذهبون ضحية لقطّاع الطرق الذين يسلبون الأموال ويذهبون الأرواح ويبثون الرعب في قلب كل من دعته الحاجة إلى السفر أو كل مَن ينتظر عودة غائب, ولكن وبعد أن أنعم الله على هذه البلاد بنعمتي الأمن والرخاء, زال هذا الخوف وأمن الناس من شر هؤلاء وأصبح السفر يُوصف بالمتعة والراحة بدلاً من المشقة والمخاطرة, ولكننا وجدنا أنفسنا أمام أعداء أكثر فتكاً وقسوة من سابقيهم وأكثر تهديداً للبلد وساكنيه من تلك القلة المرعبة.
لقد أصبحت طرقنا تعج بنوع جديد من قطّاع الطرق, إنهم يفتكون بالأموال والأرواح دون أدنى سبب فلا تحدوهم حاجة البحث عن الرزق أو الدفاع عن النفس.
في كل سنة يقتل آلاف الأبرياء على طرقنا وتهدر مليارات الريالات بفعل الذين جعلوا من شوارعنا وطرقنا محرقة للأرواح والأموال, فكم من أم بكت ومن زوجة ترملت ومن والد فقد أعز ما لديه ومن طفل تيتم. كل ذلك لا لشيء, بل لأن بعضنا يريد أن يصل إلى مقصده أسرع من غيره بدقائق معدودة, فهل من أجل هذا تضيع الأرواح وتتلف الممتلكات ويعم الحزن؟
إن بإمكان هذا البلد بما مَن الله عليه من إمكانات - وبما لدى أهله من قيم إسلامية تحثهم على المحافظة على الروح والمال - أن يعمل بجد على وقف هذا النزيف بوقف المستهترين عند حدهم وإجبارهم على احترام أرواح الناس وأموالهم. إن ما نعيشه اليوم من تزايد مستمر في أعداد القتلى والمصابين ليس إلا حرباً شعواء أعلنت علينا من أناس من بني جلدتنا, فهي حرب يجب ألا نخسرها, وألا نسمح لها بالاستمرار على أرضنا, وعند الحروب تستنفر الطاقات ويبذل الغالي والنفيس.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي