علاقات عامة
جلسة الاستماع التي عقدها الكونجرس الأسبوع الماضي لخمسة من كبار مسؤولي الشركات النفطية في الولايات المتحدة، كانت تمرينا للعلاقات العامة وإيصال رسالة إلى جمهرة الناخبين أن نوابهم المحترمين مهتمون بمتاعبهم وأسعار الوقود المرتفعة التي تأكل من جيوبهم، أكثر منها جهدا جادا من قبل النواب لاستقراء تشابكات قضايا الطاقة المعقدة للوصول إلى حلول بشأنها.
ولم تغب الاعتبارات السياسية ومحاولات تحقيق انتصارات صغيرة هنا أو هناك لا تسمن ولا تغني من جوع مثل حماس الديمقراطيين في الكونجرس أن تكون الشهادات بعد أداء المسؤولين النفطيين القسم، ورفض الجمهوريين ذلك مستخدمين أغلبيتهم.
ولا يحتاج الأمر إلى كثير تعمق لتعود الذاكرة إلى أن قضية الطاقة عادت مرة أخرى إلى المسرح وهي لم تغب عنه أكثر من ثلاثة أشهر، هي المدة التي انقضت منذ قيام النواب المحترمين بإجازة خطة إدارة الرئيس جورج بوش للطاقة، وهي الخطة التي أثارت الكثير من الجدل، ولكن في واقع الأمر لم يكن جدلا لصالح تخفيف اعتماد الولايات المتحدة الخارجي الكبير على الإمدادات الأجنبية تلبية لاستهلاكها المتصاعد.
ومع أن بوش وضع هدف إجازة خطة للطاقة على رأس القائمة، وكلف نائبه ديك تشيني بوضع تلك الخطة، وبعد مضي أسبوعين فقط من دخوله البيت الأبيض، إلا أن فترته الرئاسية الأولى لم تشهد إجازة تلك الخطة، ولم يكن الأمر يتعلق بمعارضة الديمقراطيين، وإنما كانت صراعا على نوع الدعم الذي ستحصل عليه هذه الولاية أو تلك أو هذه الصناعة أو تلك. ويذكر أن توم راشيل زعيم الإقليم الديمقراطي السابق سعى بصورة حثيثة لضمان أن يحصل مزارعو ولايته على نصيبهم في إطار برامج دعم مشاريع الطاقة الخضراء أو البديلة. والنتيجة أن تلك الخطة التي أجيزت وتم التوقيع عليها قبل بضعة أسابيع من إعصار كاترينا الذي كشف عيوب الصناعة النفطية الأمريكية، تحملت عبئا ماليا يبلغ 14.5 مليار دولار في شكل إعانات مختلفة الأشكال والألوان، لكن لم تقدم حلول أو خيارات لتخفيف الاستهلاك أو تقليص الاعتماد على النفط الأجنبي، وهي كلها أمور تتعلق بطبيعة الحياة الأمريكية واستهلاكها العالي، كونها أكبر اقتصاد في العالم.
مسؤولو الشركات كان ردهم بسيطا، أن الأرباح التي تحققها الصناعة النفطية ليست شيئا شاذا، بدليل أن صناعات أخرى تحقق أرباحا مثلها أو أكثر منها، وأنها تعيد تدوير بعض هذه الأرباح الصناعية نفسها وتطويرها، وأهم من هذا كله أن سوق النفط تعيش دورات متتالية، فالأسعار الحالية اليوم ليست بالضرورة هي التي ستكون سائدة في كل الأحوال، إذ تستمر في عمليات التوسع في الاكتشافات والإنتاج والتكرير مع تراجع الأسعار عن المعدلات القياسية الحالية.
هل تعتبر الشركات كبش فداء لعجز أو فشل الساسة في الخروج بخطط عملية تواجه قضايا الطاقة المعقدة في السوق الأمريكية؟ الإجابة تبدو أقرب إلى نعم، وذلك لسبب بسيط، أنه لا يمكن لمن أجاز خطة للطاقة قبل بضعة أشهر أن يكتشف فجأة الممارسات القبيحة للشركات النفطية. وقد تكون للشركات النفطية ممارسات سيئة هنا أو هناك, والصناعة عموما تعاني من صورة نمطية سيئة، لكنه قطعا ليست المسؤولة عن كل الخلل وحدها.
وحالة الشركات الراهنة تماثل الوضع الذي تجد منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" نفسها فيه، أي تحميلها مسؤوليات أوضاع ذات طبيعة سياسية، الأمر الذي يجعلها كبش فداء لأسباب انتخابية محلية أو لـ "فشة خلق" والتنفيس عن احتقان بسبب ارتفاع في الأسعار يخشى من انعكاساته السياسية على الحزب الحاكم أو على النواب، خاصة عندما تكون هناك انتخابات محلية أو نصفية على الأبواب. وفي هذه الحالة يكون من المفيد إشعار الجمهور أن ساستهم يتحركون ويعملون شيئا لتخفيف معاناتهم حتى وإن كانت النتيجة معروفة مسبقا لهذا الجهد.
وقد لا يكون هذا كافيا من الناحية الأخرى، فهناك مشكلة صورة حقيقية تواجه منظمة "أوبك" والشركات النفطية، وهما لاعبان أساسيان فيما يتعلق بهذه الصناعة في جوانب الإنتاج، التكرير، النقل، والتوزيع. ومع أن العلاقة بين الطرفين مرت بفترات توتر وصعود وهبوط، خاصة بعد سيطرة الدول المنتجة على المفاصل الأساسية في الصناعة وقيام الشركات النفطية الوطنية، إلا أنه توجد مساحات للعمل والتعاون. ويكفي أنه بعد سنوات من السيطرة الوطنية وإبعاد الشركات الأجنبية من الدول المنتجة تحت مختلف التسميات من تأميم ومشاركة وغيرها، عاد العديد من الدول المنتجة وباستثناءات قليلة إلى السماح للشركات النفطية بالعودة تدريجيا إلى ساحاتها. ففي ظل الحاجة الماسة إلى التقنية والرساميل للاستمرار في تطوير الصناعة النفطية تظل هناك حاجة إلى من يملك هذين وهي الشركات الأجنبية.
ويبدو الآن أن هناك حاجة ثالثة، ضرورة التنسيق مع بعض وربما القيام بعمل مشترك لمواجهة الصورة النمطية والدفع باتجاه كبش الفداء المعروف لوضع المستهلكين أمام مسؤولياته الحقيقية وليس لخوض المعارك المفتعلة.