أزمة النفط.. تفتح الطريق إلى قرية العيينة
يكاد يجمع الخبراء على أن أسعار النفط مرشحة للتصاعد ولا يوجد، على الأقل في المدى المنظور، ما يشير إلى أن الأسعار سوف تنخفض وتعود إلى معدلاتها الطبيعية، ولذلك فإن العالم معرض للدخول في أزمة نفطية مقبلة.
ومن هذا المنطلق فإن قضية البحث عن بدائل للطاقة ستعاود الظهور بشكل مكثف وقوي. ويبدو أن الطاقة الشمسية، ستكون في مقدمة مشاريع الطاقة البديلة. ومن حسن حظ المملكة العربية السعودية أن مخزونها من الطاقة الشمسية يفوق مخزون أي دولة أخرى.
وكانت المملكة إبان أزمة النفط التي شهدها العالم عقب حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973 قد أولت اهتماماً كبيراً بمشروع الطاقة الشمسية، ويومذاك أنشأت المملكة المركز الوطني للعلوم والتكنولوجيا ودعمته بالمال والرجال، ووفرت له أكفأ الكفاءات برئاسة الدكتور رضا عبيد واستمر الاهتمام بهذا المركز يتواصل عاماً بعد عام حتى أصبحت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا التي قامت بالعديد من المشاريع والبرامج وأنشأت ما كان يعرف بالمجمع الشمسي لإنتاج الطاقة الكهربائية في القرية الشمسية التي أقيمت في محيط ثلاث قرى هي العيينة والجبيلة والهجرة الواقعة في شمال مدينة الرياض، وتعتبر هذه القرى الآن جزءاً لا يتجزأ من العاصمة الكبرى الرياض.
وبلغت المملكة شأواً عظيماً في مجال تطوير تكنولوجيا الطاقة الشمسية وحققت نجاحات لا تقل عن مستوى ما تحقق لدى بعض الدول الأوروبية المتقدمة، ولذلك كانت هذه الدول تنظر إلى المملكة بشيء كبير من التقدير بعد أن وقفت على مدى التقدم الذي حققته مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا في مجال استخدام الطاقة الشمسية واستخدامها في تنفيذ برامج التنمية.
وأذكر أن مدينة الملك عبد العزيز نظمت ندوة عالمية في قرية العيينة إحدى القرى الثلاث التي يتكون منها المجمع الشمسي لتقييم نتائج التجربة السعودية في مجال استخدامات الطاقة الشمسية ودعت إلى الندوة كبار العلماء من كل أنحاء العالم، ولقد أجمع العلماء الذين حضروا من أوروبا وأمريكا على أن النظام الذي توصلت إليه المملكة في القرية الشمسية يعد الأول من نوعه في العالم، وأكدوا خلال هذه الندوة أنه لم يتم إنشاء مشروع يماثل هذه القرية من حيث الحجم والنوعية التي ترقى إلى مستوى ما وصل إليه الغرب من تقدم في مجال الطاقة الشمسية.
وإذا كانت أزمة الطاقة في الثمانينيات قد جاءت لأسباب سياسية وزالت مع زوال أسبابها، فإن أزمة الطاقة في هذه المرة تجيء لأسباب طبيعية واقتصادية، لأن آبار النفط في كثير من الدول المنتجة للنفط بلغت مرحلة النضوب الفعلى مثل إندونيسيا وشمال بريطانيا والنرويج، كما أن بعض الدول الأخرى تقترب من النضوب مثل مصر، والبحرين وقطر، كما أن الاكتشافات الجديدة قليلة ولم تعد بالحجم الذي كانت عليه في السبعينيات والثمانينيات. في مقابل ذلك فإن معدلات استهلاك النفط تتزايد وتتعاظم.
وهذا يؤكد أن الأزمة الحالية هي أزمة جادة وحتمية ومصيرية، وأن البحث عن مصادر بديلة للطاقة لم يعد مسألة خيار مطروح نأخذ به أو لا نأخذ به، بل هو خيار بأمر القوة الجبرية.
ولعل ما يزيد من احتمالات نشوب الأزمة النفطية المحتملة المناخ السياسي المتوتر بين إيران التي تصر على مواصلة تجاربها النووية والغرب الذي يهدد بدفع الملف إلى مجلس الأمن. في مقابل ذلك جاهر الرئيس الإيراني بأن إيران ستتوقف عن بيع نفطها إذا وصل الملف إلى مجلس الأمن.
ولقد ثبت من البحوث التي أجرتها مدينة الملك عبد العزيز أن الطاقة الشمسية من أفضل أنواع الطاقة على وجه الأرض لعدة اعتبارات فهي طاقة نظيفة لا تحدث تلوثاً عند استخدامها وهي طاقة مستمرة وباقية ما دامت الحياة، وهي طاقة مجانية ومتوافرة على جميع الأراضي التي تسقط عليها أشعة الشمس، كما أنها طاقة عالية الحرارة، أما إذا قارنا النفط مع الطاقة الشمسية فيكفى القول إن النفط أصبح اليوم مكلفاً وغالي الثمن، إضافة إلى أنه قابل للنضوب.
من هذا المنطلق أولت المملكة مشروع الطاقة الشمسية منذ ربع قرن خلا اهتمامها البالغ وعملت على تطوير الأنظمة الخاصة به وقامت المملكة بتعبئة الطاقة الناجمة عن الشمس في أنابيب حتى أصبحت في مقدمة الدول المصدرة للطاقة الهيدروجينية كما هو الحال بالنسبة للنفط.
وإذا كانت خلايا الطاقة الشمسية باهظة الثمن في الماضي وكان من الصعب الحصول عليها أو استغلالها، ولكن الآن بعد أن كثر إنتاج الخلايا وحدثت ابتكارات جديدة وحديثة للأنظمة أصبحت التكلفة منخفضة، ما أتاح استخدامها على الطرق النائية وفي الاتصالات اللاسلكية وفي إنتاج الطاقة الكهربائية لتزويد القرى النائية، كما استخدمت في الساعات وفي الآلات الحاسبة وهناك بلا شك استخدامات كثيرة الآن بعد التطوير في إنتاج ونوعية الأنظمة وثبوت جدواها الاقتصادية.
ولهذا يمكننا التأكيد أن الطاقة الشمسية إحدى ثروات المملكة الطبيعية التي حباها الله بها فلدينا شمس مشرقة طوال العام في مناطق المملكة كافة.
ورغم أنه يوجد في المملكة احتياطي نفطي ضخم إلا أن ترشيد استهلاك النفط يصبح ضرورة، ولاسيما أن الصناعات البتروكيماوية التي برعت فيها المملكة عبر شركات سابك العملاقة تتسع وتقوم على النفط مما يتطلب ضرورة ترشيد استهلاكه وتقنين استخدامه.
ولعلي أستغرب وأتساءل: لماذا انقطع حبل الاهتمام بتطوير الطاقة الشمسية، ولماذا خف الحماس الذي كان سائداً في أجواء البحث في مجال استغلال الطاقة الشمسية وتطور تكنولوجيتها بهدف استغلالها لأغراض التنمية في مجالات كثيرة منها توليد الطاقة الكهربائية وتحلية المياه المالحة وتطوير وتنمية الزراعة المحمية واستخدامها، على نطاق واسع، في جميع مجالات الحياة؟
وأتصور أن الظروف الآن لاستغلال الطاقة الشمسية وتطويرها أفضل مما كانت عليه قبل ربع قرن، إذ إن العالم حقق تقدماً مذهلاً في مجالات الحاسبات الآلية وتوصل إلى معجزة الاتصالات عبر الفضائيات والإنترنت التي يمكن أن تقدم لأبحاث الطاقة الشمسية المزيد من النجاحات والتقدم نحو تحقيق المزيد من المكاسب والتطوير في مجالات التنمية المستدامة.
وإذا كان مجلس الشورى قد أعاد الروح إلى الاتفاقية الثقافية السعودية، الألمانية التي ظلت حبيسة في أدراج بيروقراطية وزارة التعليم العالي سنوات طويلة لأسباب واهية وغير مقبولة، فما أحوجنا الآن إلى العودة إلى مشروع الطاقة الشمسية كمصدر مهم من مصادر الطاقة البديلة ومصدر مهم من مصادر الثروة الوطنية الغالية.