تراجع الاستهلاك في أمريكا وآسيا يدفع "أوبك" إلى خفض الإنتاج

تباشر السوق النفطية نشاطها اليوم وهي أكثر حيرة في المسار الذي يمكن أن تتخذه الأسعار. فالتقلبات أصبحت سيدة الموقف، ورغم التأثير المتوقع من أساسيات السوق فيما يتعلق بالعرض والطلب، إلا أن العوامل السياسية والأمنية اللتين تؤثران على الدول المنتجة أصبح لهما دورهما الضاغط على هيكل الأسعار كذلك.
وما جرى الأسبوع الماضي تأكيد آخر على حالة البلبلة التي تعيشها السوق. ففي يوم الجمعة، أعلنت منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" مراجعة إلى أسفل في تقديراتها للطلب مقارنة بتوقعاتها في الشهر الماضي. ففي تقريرها للشهر الجاري، قالت "أوبك" إنها تقدر انخفاض الطلب بنحو 110 آلاف برميل يوميا، أو 1.46 مليون برميل خلال العام إلى 84.5 مليون برميل يوميا. وعزت المنظمة السبب إلى تراجع في حجم الاستهلاك في كل من الولايات المتحدة والدول الآسيوية، ويلاحظ هنا قرار الصين تحديد نسبة النمو الاقتصادي بـ 7.5 في المائة فقط، الأمر الذي ستكون له انعكاساته على الطلب الصيني ومجمل الطلب الذي تتوقعه السوق العالمية.
وجاء التراجع الذي تمثل في انخفاض أسعار شحنات نيسان (أبريل) من خام ويست تكساس الخفيف الحلو بنحو 81 سنتا ليستقر سعر البرميل عند 62.77 دولار، كما تراجعت شحنات خام برنت بالنسبة لشهر أيار (مايو) 95 سنتا الى 63.26 دولار للبرميل، وهو ما يعكس من جهة أخرى تأثر هذا الخام بما يجري على الساحة النيجيرية، إذ لا يزال نحو 20 في المائة من الإنتاج النيجيري عاجزا عن الوصول إلى موانئ التصدير بسبب المتاعب الأمنية والسياسية.
الأثر الذي أحدثه تقرير "أوبك"، جاء بعد يوم من ارتفاع شهدته الأسعار الخميس الماضي بمعدل بلغ 1.4 دولار، إثر تواتر أنباء أكبر هجوم جوي تشنه الولايات المتحدو بمساندة من القوات العراقية على مواقع يعتقد أن بعض المتسللين يتمركزون فيها. يومها أقفل سعر "ويست تكساس" على 63.58 دولارا للبرميل، لكن بعد ثلاثة أيام بدأت لهجات التشكيك في جدوى العملية، التي يرى البعض أنها تمت لمخاطبة الرأي العام المحلي الأمريكي، حيث وصلت شعبية الرئيس جورج بوش إلى أدنى معدل لها وتراجع بذلك عن المرتبة التي وصل إليها أي رئيس في فترة رئاسته الثانية مهما حاق بها من متاعب، وهو ما يضيف إلىالتأثير السياسي على الأسعار.
لكن ما يجري في العراق، الذي لم يستعد قط معدلات إنتاجه النفطية التي كان عليها قبل الحرب، جعل مجمل إنتاج الدول العشر المقيدة بنظام الحصص يقل عمليا عن 28 مليون برميل التي أقر وزراء "الأوبك" أن تكون سقفا للمنظمة حتى نهاية حزيران (يونيو) المقبل، وهو المؤشر على تراجع الطلب.
ويؤكد على ذلك ما ذكرته إدارة معلومات الطاقة الأمريكية في تقريرها الأسبوعي الأربعاء الماضي من أن مخزونات الخام ارتفعت بمقدار 4.8 مليون إلى 339.9 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في العاشر من هذا الشهر، وهو أعلى معدل منذ أيار (مايو) 1999، ورغم التراجع الذي أسهمت في أحداثه هذه المعلومات، إلا أن الأسعار ظلت فوق 62 دولارا للبرميل لأن مخزونات البنزين من ناحيتها شهدت تراجعا بنحو 900 ألف برميل إلى 223.9 مليون خلال الفترة نفسها، كما تراجع المخزون من المقطرات 3.9 مليون برميل إلى 127.5 مليون. وبصورة عامة يمكن القول إن حجم المخزون الأمريكي زاد في فترة ثلاثة أسابيع 7.3 مليون برميل أكثر مما هو معهود في مثل هذا الوقت من العام، بينما تراجع مخزون المشتقات 7.6 مليون.
وسجلت واردات الولايات المتحدة من النفط الخام تراجعا بنحو 205 آلاف برميل يوميا إلى 9.9 مليون، وفي الوقت ذاته زاد إنتاج المصافي المحلية 313 ألف برميل إلى 14.4 مليون برميل وأصبحت تعمل بطاقة 85.7 في المائة.
وفيما يتعلق بالغاز قالت إدارة معلومات الطاقة إن السحب من المخزون بلغ 55 مليار قدم مكعب في الأسبوع المنتهي في العاشر من هذا الشهر مقابل 85 مليارا في الأسبوع الأسبق و95 مليارا في الفترة المقابلة من العام الماضي. وبلغ حجم المخزون أخيرا 1.8 تريليون قدم مكعب، بزيادة 439 مليارا في الفترة المقابلة من العام الماضي و688 مليارا عن معدل السنوات الخمس الماضية.
ورغم هذا يرى متعاملون أن أسعار البنزين في أعلى معدلاتها في فترة سبع سنوات، ولو أنها لا تزال في إطار المدى الذي كانت عليه قبل عام. والتركيز على البنزين والمشتقات عموما يكتسب أهمية بسبب الاتجاه إلى بدء موسم قيادة السيارات.
والتطورات التي شهدتها الأسعار عندما حققت بصورة عامة زيادة بلغت ثلاثة دولارات تشير إلى حجم التقلبات التي صارت ترسم خطى السوق، الأمر الذي دفع العديد من المراقبين إلى التعبير عن عدم الارتياح حول مسار الأمور التي لا يحكمها منطق وإنما تتفاعل بغلبة الواقع السياسي والأمني لدى بعض الدول المنتجة.
ويتخوف هؤلاء من حدوث هبوط مفاجئ في الطلب بسبب ورود أرقام تشير إلى تراجع في معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي لبعض الاقتصادات الرئيسية، أو ارتفاع في معدلات الفائدة، وهو ما يمكن أن يمثل ضربة لثقة المستهلكين وتوجهاتهم الإنفاقية.
ورغم الحديث عن زيادة المخزونات وضعف الطلب، إلا أن ظروف التوتر الأمني التي تمر بها كل من إيران، العراق، نيجيريا، وفنزويلا جعلت بعض المحللين يتساءل إذا كان في مقدور دول "أوبك" الوفاء بالإمدادات التي تحتاج إليها السوق، فيما إذا ظل الحال على ما هو عليه. فحتى حجم الزيادة المتوقع في الطاقة الإنتاجية المستدامة من بعض الدول الأعضاء ستعوض فقط إلى حد كبير النقص في الإمدادات العراقية أو النيجيرية وغيرها، الأمر الذي يعيد التركيز على قضية اضمحلال الطاقة الإنتاجية مجددا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي