Author

تخفيض نسبة التذبذب يصب في مصلحة السوق والمتداولين

|
قبل أكثر من عام تقريبا، وبعدما تعرضت سوق الأسهم السعودية لذبذبات مرتفعة أدت إلى رفع الأسعار إلى مستويات قياسية مبالغ فيها، تزيد بأضعاف مضاعفة عن قيمها العادلة، وجهت من خلال صفحات "الاقتصادية" نداء إلى هيئة السوق المالية من أجل تخفيض نسبة التذبذب إلى 5 في المائة لحماية السوق من الارتفاعات المبالغ فيها، ومن الانهيارات التي قد تتعرض لها السوق بسبب جشع بعض المضاربين، ومنذ تاريخ نشر المقال حتى يومنا الحالي تعرضت السوق لانهيارين منظمين من قبل بعض كبار المضاربين، ثم شهدت ارتفاعات جنونية لا يمكن للإنسان العاقل أن يتقبلها، ما يثبت حاجة السوق الفعلية لتقليص نسبة التذبذب من أجل حماية السوق، وتحييد المضاربين عن بعض تصرفاتهم المُضرّة بالسوق. من ضمن ما جاء في تلك المقالة ما يلي: "على الرغم من أهمية نسبة التذبذب القانونية، التي يلتزم بها نظام التداول في سوق الأسهم السعودية لحماية السوق من الارتفاع المبالغ فيه أو الانهيار لا قدّر الله، إلا أن هناك بعض الآراء التي تنتقص من مقدرة هذا النظام على تحقيق الأهداف الحقيقية التي وضع من أجلها، ويستشهدون بما حدث في الأيام الماضية من ارتفاعات بنسب متتالية بلغت بالأسعار عنان السماء ثم هوت بنسب دنيا متتالية أدت إلى كوارث مالية لا تعوض على معظم المستثمرين. لا خلاف على أن نسبة التذبذب الحالية وضعت لتكون صمام أمان لسوق الأسهم ولتقليل المخاطر، ولكن الممارسات اليومية للمتداولين تثبت أن بعض كبار المضاربين استخدموا هذا النظام للتأثير على مجريات السوق وإخضاعها لتوجهاتهم الخاصة، مستغلين الفارق الكبير في التذبذب وإمكانية مضاعفته من خلال التحكم في أسعار الأسهم صعودا وهبوطا. من الممكن بسهولة جعل فارق النسبة اليومي 20 في المائة بين أدنى وأعلى نقطة يصل إليها سعر السهم، فعلى سبيل المثال، فإن السهم الذي يغلق على سعر 100 ريال من الممكن تحريكه نظاما بين نسبتيه الدنيا والعليا بفارق 20 ريالا في اليوم الثاني، (من 90 وحتى 110 ريالات)، أي ما نسبته (20 في المائة). الاختراق القانوني للنظام من قبل المتداولين يستدعي إعادة النظر في آليته ومدى ملاءمته لوضع السوق الحالي. في مثل هذا الوضع الحرج والتصرفات الغريبة التي ينتهجها صناع السوق، بمن فيهم بعض محافظ البنوك، فإن الأمر يستدعي التدخل لتعديل هذا النظام ليكون أكثر ملاءمة لوقتنا الحالي من خلال خفض نسبة التذبذب الحالية بمعدل النصف لتصبح 50 في المائة. هذه النسبة المتدنية نسبيا ستساعد في استقرار السوق، وستحد من الارتفاعات المبالغ فيها، خصوصا في أسهم المضاربة، كما أنها ستساعد كثيرا في حماية السوق من الانخفاضات الحادة في حالة الهزات العنيفة. هناك من استخدم نظام النسب، الذي أنشئ من أجل حماية السوق، للتغرير بصغار المستثمرين والإيقاع بهم في شباك لعبة لا يستطيعون فهمها أو استيعابها، فالنسب المتتابعة أدت إلى رفع الأسعار نحو قمم قياسية جديدة أغرت الكثير من العامة بدخول سوق الأسهم بحثا عن تحقيق حلمهم في الثراء السريع، الذي غالبا ما يتحول إلى كابوس مزعج يصعب الفكاك منه. ربما كانت نسبة التذبذب المحددة بـ 10 في المائة مناسبة للبدايات الأولى التي أعقبت تدشين نظام التداول، ولكنها لم تعد كما كانت عليه من قبل قياسا بما تتعرض لها السوق من هزات وشطحات دراماتيكية تسببت في خسارة الكثير من المتداولين. لذا فإن خيار تقليص نسبة التذبذب إلى 5 في المائة، وإعادة النظر في آلية تسجيل سعر إغلاق السهم سيساعدان كثيرا في استقرار السوق وعكس انطباع حقيقي عن مجرياته اليومية، وسيساعد أيضا على حماية السوق من التذبذبات الكبيرة التي تتعرض لها. كما أنها ستوفر في الوقت نفسه حماية جيدة لصغار المستثمرين". أثبتت الأيام أن جل ما نشر عن نسبة التذبذب هو سيناريو متقدم لما حدث بالفعل خلال أكثر من عام مضى. ربما يكون الأمر أكثر سهولة على المنتقدين، لكنه ليس كذلك بالنسبة لهيئة السوق التي تحتاج إلى وقت للدراسة والتدقيق قبل اتخاذها أي قرار استراتيجي قد يعرّض السوق إلى مشاكل أخرى تنتج عن قرارات التصحيح وإعادة التنظيم. لعل هيئة السوق المالية، وبعد التدقيق والتمحيص ودراسة الموضوع من جميع جوانبه، أدركت خطورة بقاء نسبة التذبذب على ما كانت عليه منذ إنشاء السوق. فالسوق في وقتنا الحالي لم تعد كما كانت من حيث الاستقرار ودينامايكية الحركة، أو من حيث النقاط التي تضيفها إلى المؤشر بصفة يومية. أما كبار المضاربين فأصبحوا أكثر خطورة وحنكة من أي وقت مضى، حتى أصبحت إمكانية اكتشافهم أو تحييدهم ضربا من ضروب الخيال. وهو ما جعل هيئة السوق المالية أمام تحد لا يمكن التراجع عنه. إما تخفيض نسبة التذبذب، وإما السماح للمضاربين بالتلاعب في أرقام المؤشر، وأسعار الأسهم، هبوطا ونزولا بفوارق رقمية كبيرة لا تتحقق إلا في السوق السعودية. بصدور قرار خفض نسبة التذبذب إلى 5 في المائة، فإن هيئة السوق المالية تكون قد حلت جزءا من مشكلة المضاربة المحمومة التي عصفت بالسوق وجعلت منها أداة سهلة التحريك من قبل بعض كبار المضاربين، كما أنها في الوقت نفسه، وضعت حماية مقبولة للسوق من أية انهيارات مفتعلة أو موجات تصحيحية حادة قد تتعرض لها السوق مستقبلا. ومع يقيننا بنجاعة القرار المتخذ، ودور الهيئة القيادي في تطبيق كل ما من شأنه إعادة الاستقرار للسوق، إلا أننا نعتقد أن التحدي الأكبر الذي تواجهه الهيئة، هو تطهير السوق من بقايا التكتلات المضاربية، أو ما يطلق عليه المضاربون "الجروبات، Group" وهي كلمة إنجليزية تعني التجمعات. هذه التجمعات أصبحت كالقطيع المفترس الذي ينهش في عضد السوق من خلال دفع أسعار أسهم بعض الشركات إلى تحقيق النسب المتتابعة. يمكن لتلك المجموعات من تحقيق أرباح تزيد على 70 في المائة من رأس المال خلال سبعة أيام متتابعة، أسوة بما حدث في شركة الغذائية، التي لا تزال تحقق النسب تلو النسب دون أسباب منطقية وفي غفلة تامة من رقابة السوق، وغيرها الكثير من الشركات. هم لا يهتمون بسلامة السوق ولا سلامة المتداولين بقدر اهتمامهم بمضاعفة رساميلهم في مدة قصيرة لا تتجاوز الشهر فقط. فلسفتهم مبنية على حشد أكبر عدد من المستثمرين، خصوصا أصحاب الأموال الضخمة، للسيطرة على أسهم الشركات الصغيرة ومن ثم رفعها بالنسب القصوى دون أي سبب سوى السيطرة والتحكم. فلسفة تقوم على بيوع الغرر والنجش، وتتعارض مع المبادئ الأخلاقية، ولكنها تطبق بحرفية وتخفي لا يمكن الوصول إليها إلا بشق الأنفس. أعتقد أن القرار المساعد لقرار خفض نسبة التذبذب هو القرار الذي يمكن من خلاله السيطرة على هذه المجموعات وتحييدها وحماية السوق منها، إضافة إلى قرار آخر أكثر تقدما ينص على تعليق أسهم الشركات التي تحقق ثلاث نسب متتالية دون أن يكون هناك خبر يدعم ذلك الارتفاع، ومن ثم البدء في فرز الأوامر التي أدخلت على السهم خلال مدة محددة لمعرفة المتسببين في عمليات التداول التضليلية.
إنشرها