حلال أم حرام؟
اتصل بي أحد الأقارب وسألني عن معرفتي بفلان، وفلان هذا رئيس مجلس إدارة إحدى الشركات المساهمة، فأجبته أعرفه عز المعرفة " أنت تأمر" كانت إجابتي له ظناً مني أنه يطلب شفاعة حسنة أو سيسأل عن أمر ما !!!، ولكني فوجئت بطلب غريب حيث قال لي اسأله عافاك الله عن وضع الشركة وهل عندهم ترتيبات لم تعلن بعد حول زيادة رأس المال أو أرباح الربع الثالث؟
وقع هذا الطلب علي كان كالصاعقة، فلم أود أن أرد قريبي خائبا فهو أول طلب له مني، وفي الوقت نفسه لم أكن لأستجيب لطلبه بأي حال من الأحوال لقناعتي التامة بأن مثل هذا الفعل غير جائز أخلاقا ولا عرفاً فضلا على أنه لا يجوز شرعاً، حيث إن هذه المعلومات التي كان قريبي يسأل عنا معلومات غير معلنة، وبالتالي فإن صاحبنا سيستغل هذه المعلومات في الشراء لأسهم الشركة أو بيع ما يملكه منها، وذلك وفقاً لطبيعة المعلومات المتحصل عليها، أجبت صاحبي وقلت له لو جاءك مشتر لشراء بيتكم وبعته له بسعر السوق، وعرفت بعد ذلك أن البيت سيخضع للإزالة والتعويض نتيجة لإعادة تخطيط المنطقة، وأن التعويض سيكون بضعف سعر البيت الذي تم بيعه به وأن المشتري اشترى البيت عن علم مسبق بهذا التخطيط، فماذا سيكون تعليقك؟ قال: حرامي!!! "يقصد المشتري"، قلت له: إذن عندنا اثنان حرامية.
في رأيي أن الأسوأ من هذا الفعل ما يقوم به بعض المضاربين (المتعاملين) في السوق برفع سعر سهم شركة معينة وذلك بهدف بيع أسهمه مستقبلا بسعر عال، أو تخفيض سعر سهم شركة أخرى بهدف شراء الأسهم بسعر أقل، وهذه التصرفات معروفة في السوق سواء قام بها مضارب وحيد أو اتفق أكثر من مضارب على ذلك، وهذا فيه خديعة وغش للآخرين لا تخفى على عاقل، والمتعامل يجد لها ألف مبرر إذا ربح من هذه العمليات، وإذا فعلها غيره وكان هو ضحية لها قال فيها ما لم يقله مالك في الخمر !!! أليست ضرباً من الغش الصراح؟ أليست من بيع النجش أليست من بيع الغرر؟ والقائمة تطول.
المؤسف أن هذه التعاملات "غير المشروعة"، لا يرى مرتكبوها أي جرم أو محرم فيها، بل ويتفاخر بعض المتعاملين في السوق بها، وهذه وقفة تحتاج إلى تأمل ودراسة، وإن كنت أرى أن المشكلة الأكبر تدور حول السؤال الكبير: لماذا لم تردع الأخلاقيات والتربية وقبل ذلك الدين هؤلاء عن غش الآخرين وأكل أموالهم بالباطل؟ ومن هنا أطلب من كل متعامل في السوق أن يلم بأحكام البيع والشراء وفقه المعاملات ويحرص على تعلمها أكثر من حرصه على تعلم فنون البيع والشراء، وإذا لم يستطيع فليسأل أهل العلم .
أختم هذا المقال بطلب أقدمه لهيئة سوق المال وهو تكوين لجنة شرعية استشارية لهيئة سوق المال من المتخصصين في الاقتصاد والفقه، وتكون هذه اللجنة مسئولة عن شرعية التصرفات في السوق، ويلي ذلك قيام الهيئة بتحديد المخالفات النظامية في تعاملات سوق الأسهم وعرضها على الهيئة وبيانها للجمهور، وبالتالي عرضها على جهات الفتوى الرسمية وإصدار فتوى واضحة حولها، حتى لا نفاجأ بأن الحرام أصبح حلالاً، وأننا نأكل ما نأكل و نحن نرعى حول الحمى إن لم نقع في الحرام.