القمح المحصول الاستراتيجي
تعالت في الآونة الأخيرة بعض الأصوات التي تنادي برفع الدعم عن محصول القمح الاستراتيجي، ذاهبة في دفوعاتها عن صوتها هذا بالحجج التي ظلت تُردد والمتمثلة في نقصان المخزون المائي غير المتجدد وارتفاع تكلفة الدعم الموجه لهذا المحصول الاستراتيجي.
وأؤكد على كلمة الاستراتيجي المشار إليها في أكثر من موقع من هذا المقال لأسباب عدة أهمها:
- في خضم سياسة الهيمنة والعولمة التي يمارسها الغرب عالمياً، لا بد من التمسك بتوفير الحد الأدنى من الأمن الغذائي الذي يمثل محصول القمح الاستراتيجي أحد أهم مكوناته، حتى لا نجد أنفسنا عرضة لمزايدات نحن في غنى عنها.
- تتواتر الأخبار عمّا بات يعرف بالتصحر واحتمالات حدوثه الكبيرة في أوروبا كنتاج لتدهور خصائص التربة الزراعية لنقص العناصر الغذائية فيها، والنتيجة الحتمية لهذا التدهور، هي نقص الإنتاجيات الزراعية والإنتاج الكلي لمختلف المحاصيل الزراعية، وبالتالي ارتفاع أسعار هذه الحاصلات ومنها بالطبع محصول القمح الاستراتيجي.
- ارتفاع أسعار السلع المستوردة (ومنها القمح إذا تمّ استيراده) يعني استيراد المزيد من التضخم والذي تسوّد الصفحات هذه الأيام بالحديث عنه وعن آثاره السالبة في دخل الفرد وحياته، وعن محاولات الدولة الكبيرة في خفض آثاره، فهل هنالك حاجة إلى مصادر جديدة للتضخم؟ وما زالت تجربة محصول الأرز ماثلة للعيان، وأشير هنا إلى أن أسعار القمح زادت بنحو 300 في المائة خلال العامين الماضيين، كما أشير إلى توقعات ارتفاع أسعار السلع الزراعية عموماً ومحصول القمح الاستراتيجي خصوصاً في السنوات المقبلة لعدة أسباب أهمها:
* الاتجاه العالمي المتزايد خاصة في أمريكا نحو بدائل الطاقة خاصة ما يعرف بالوقود الحيوي.
* نمو الطلب على المنتجات الزراعية ومنها محصول القمح الاستراتيجي في بعض مناطق الكثافة السكانية في العالم كالهند والصين، نتيجة تحسن مستويات الدخل في هذه المناطق.
- إيقاف أو خفض زراعة القمح الاستراتيجي يعني فقدان أو نقص مداخيل شريحة كبيرة من المجتمع باتت لا تعرف حرفة أو عملا كمصدر لمداخيلها غير زراعة محصول القمح الاستراتيجي، فأين فرص العمل لهذه الشريحة في ظل النقص الكبير الحاصل في سوق العمل الآن؟!
وأضيف إذا ما أوقفت زراعة القمح بالفعل لا سمح الله، حتماً سيتم الرجوع إلى زراعته مرة أخرى في المدى المتوسط (خمس إلى عشر سنوات) هذا إذا لم تكن الرجعة في المدى القصير (سنة أو سنتان)، وذلك لما سقته من مبررات بعالية، وساعتها ستكون الرجعة مكلفة وموجعة للغاية، لفقداننا وقت التوقف هذا، جل وإن لم يكن كل الخبرات البشرية والمهارات التي تمّ اكتسابها والتي تراكمت على مدى أربعة عقود من الزمان في زراعة هذا المحصول الاستراتيجي، وكذلك لفقداننا وقت التوقف أيضاً المعينات الإنتاجية لزراعة محصول القمح الاستراتيجي من معدات وآليات زراعية تمّ التخلص منها بالبيع أو إعادة التصدير، أو نتيجة التقادم، هذا بخلاف التكلفة الكبيرة غير الظاهرة التي يعرفها جيداً أهل الزراعة.
في تقديري إن سياسة خفض مساحة محصول القمح الاستراتيجي أو إيقاف زراعته مستقبلاً، تحتاج للمزيد من الدارسات العميقة والمستفيضة لإنفاذها.
اقتصادي