البطالة العربية نحو القمة.. أين الخبر؟

البطالة العربية نحو القمة.. أين الخبر؟

تواصل المنطقة العربية تصدرها بلا منازع قائمة المناطق الأكثر "زخما" من حيث البطالة. أين الخبر؟! فارتفاع معدلات البطالة ليس إقليميا، بل هو دولي، لأسباب كثيرة، أذكر منها: تباطؤ الاقتصاد العالمي. الصراعات التي لم تحسم ـ ولا يبدو أنها ستحسم قريبا - بين الدول المتقدمة وتلك النامية، في مفاوضات التجارة العالمية. وهناك من يقول إن بعض الأوبئة المدمرة ـ مثل الالتهاب الرئوي الحار المعروف باسم سارس- أسهم في السنوات القليلة الماضية في ارتفاع البطالة عالميا. هناك أيضا الحروب الموزعة على خريطة العالم هنا وهناك، خبراء الأمم المتحدة يضيفون عاملا آخر يرتبط بالإرهاب الذي أسهم - حسب زعمهم- في تباطؤ حركة السياحة. ويمضي البعض خطوة أخرى بالقول: إن بعض الدول تسمح بتشغيل الأطفال على حساب البالغين، وبالطبع على حساب مستقبل الأطفال أنفسهم. إذن.. هي مجموعة من العوامل والأسباب التي ترفع معدلات البطالة عالميا، وذلك لا بد من أن تنسحب على المنطقة العربية، كجزء من الكيان الدولي. نعم الخبر ليس هنا.. بل هو في مستقبل المشكلة ـ الكارثة. ففي الوقت الذي يقوم فيه عديد من الدول بوضع الاستراتيجيات وإقرار الآليات لحلها، نجد أن "همة" المنطقة العربية لا تزال دون "هول" الكارثة. فحتى الآن لا توجد أرقام حقيقية لعدد العاطلين في العالم العربي. هي عالية بلا شك، لكنها غير محددة، فهي تتأرجح – كما هو متداول- بين عشرة إلى 17 مليون عاطل. والحقيقة أنها لو كانت في حدود الـ 10 تظل الأعلى عالميا، وإن كانت في نطاق الـ 17 تتسيد القائمة المرعبة، ولكي نكون في المنطقة الآمنة، نتعاطى مع الأرقام والنسب التي أقرتها منظمة العمل العربي، فهذه المنظمة من أكثر المؤسسات العربية، التي لم تتوقف عن دق ناقوس الخطر، وخلقت صخبا متواصلا ومزعجا، لكنه حقيقي وواقعي. فمع نهاية هذا العام سترتفع نسبة البطالة العربية إلى 14 في المائة، من مجموع شرائح القوى العاملة. وسترتفع هذه النسبة مع الارتفاع الهائل في النمو السكاني في العالم العربي إلى 338.4 مليون نسمة من 319.2 مليون نسمة في عام 2006. وإذا كانت المشكلة هنا، فإن الكارثة تكمن في أن نسب البطالة بين الشباب تجاوزت 25 في المائة. وحسب التقديرات، ففي غضون عامين فقط سيصل عدد العاطلين العرب إلى 20 مليونا، أي إلى أكثر من 20 في المائة، من مجموع الأعمار المؤهلة للعمل. ولكي نفصل الكارثة أكثر فإن عدد العاطلين عن العمل على مستوى العالم – حسب منظمة العمل الدولية – يبلغ 185 مليونا، وإذا ما أخرجنا نسبة العاطلين العرب من هذا العدد، فإننا نقف أمام مستوى مفجع, ما هو؟ 9.2 في المائة. أين الخبر؟ هنا الخبر. أين الكارثة؟ هنا الكارثة. أين الحل؟ هنا المشكلة. لا أحد يشك في أن البطالة في العالم العربي هي بمثابة قنبلة موقوتة. لكن "القوة النووية الموقوتة" مزروعة في غياب الاستراتيجيات، والافتقار بالتالي إلى آليات لنزع فتيلها، على الرغم من أن الجميع يعرفون الحقيقة، وعلى الرغم من وجود جهات لا تكف عن وضع الكارثة على الطاولة. ومع التأكيد أن الحل هو خلق فرص عمل، إذ تحتاج المنطقة – حسب مجلس الوحدة الاقتصادية التابع إلى مجلس "الجامعة العربية" - إلى إيجاد 100 مليون فرصة عمل بحلول عام 2030 . إلا أن مشكلة أخرى تبرز وسط الكارثة، مرتبطة بمستوى التأهيل في العالم العربي ككل. وبذلك نكون أمام كارثة تتحول مع الوقت إلى مصيبة، تحتاج إلى "نفير عام"، أكثر مما تحتاج إلى حلول تقليدية، وإلى سياسة تحاكي المستقبل الذي يمضي في طريقه بسرعة فائقة. فالمال ربما يوفر آلية جيدة للاستثمارات، وبالتالي توفير فرص العمل، لكن ذلك ليس نهاية المطاف. إن الحقيقة الكاحلة هنا هي أن مستوى التأهيل عند الشرائح المؤهلة سنا – لا كفاءة - للعمل في العالم العربي، في أدنى درجة له، الأمر الذي يدفع الغالبية العظمى من الجهات التي يمكن أن توفر الوظائف مترددة في تقديمها. فمع وجود قرابة الـ 100 مليون أمي من أصل 330 مليون عربي ـ تقريبا ـ ومع تردي المستوى التعليمي في عديد من البلدان العربية، نقف أمام واقع مرعب. ولعل هذا ما دفع الشهير بيل جيتس، إلى اعتبار أن الحل الأساسي لمشكلة البطالة في العالم العربي يتمثل في رفع المستوى التعليمي، ومنح الشباب المستويات الأكاديمية المناسبة، وأن تكون التكنولوجيا عاملاً أساسياً لزيادة النمو. ولذلك فإن فرص العمل المطلوبة، لا يمكن أن تنفصل عن مكنونات التأهيل العلمي والمهني والكفاءة. وهذا يستدعي تفعيل تطبيق البحوث العلمية العربية ـ وهي كثيرة - بدلا من أن تكون حبيسة الأدراج. إن ذلك سيشجع على إنشاء المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي توفر بالتالي فرص عمل مستدامة، لا آنية، ووظائف مستمرة، لا متقطعة، أو موسمية. إن هذا لن يشغل العاطلين، بل سيسهم في تطبيق أحد مقررات "قمة الألفية" التي عقدت في الأمم المتحدة عام 2000، الهادف إلى تخفيض نسبة سكان العالم الذين يعيشون عند خط الفقر، وبالتالي سيخفض عدد الجائعين، وسيزيل كثيرا من شوائب الحياة. هناك فرصة أكثر من ذهبية أمام العالم العربي مطلع العام المقبل، الذي سيشهد انعقاد القمة العربية الاقتصادية - بعد شد وجذب قيل إنها لن تعقد، ولا سيما أنه تم الاتفاق على عقدها في قمة عمان العربية عام 2001 - هذه فرصة للجميع، لكي يقدموا حلولا لكارثة البطالة العربية على مستوى القمة. فالكارثة بلغت القمة وتربعت عليها، وبالتالي فهي تحتاج إلى معالج بزخم مستواها. لن تكون الحلول يسيرة، ولن تكون سريعة، بل الأفضل ألا تكون كذلك، لأن كارثة في العمق، لا يمكن أن تواجه إلا من العمق، الأمر الذي يتطلب وقتا وجهدا وإرادة، ومحاكاة لمستقبل الأجيال. إن الوظيفة التي توفر عملا فقط، لا أثر لها في المستقبل، فوظيفة العمل أن تحتوي المستقبل، لأن تداعيات هذا الأخير عادة ما تكون كارثية. [email protected]
إنشرها

أضف تعليق