هل تعكس سوق الأسهم واقع الاقتصاد السعودي؟

هل تعكس سوق الأسهم واقع الاقتصاد السعودي؟

تعد سوق الأسهم كما في أي دولة مرآة اقتصاد تلك الدولة، وبذلك فإن على سوق الأسهم أن تحتوي على عينات ممثلة لمجتمع الشركات في الدولة.
ولا شك أن سوق الأسهم السعودية تعد سوقا ناشئة تبحث عن عوامل الاستقرار. فالحالة المضربة التي تمر بها سوق الأسهم السعودية وتشهدها من فترة إلى أخرى هي طبيعية ولكن يجب ألا تترك على حالها.
وقد كانت خسائر البورصات الخليجية بحسب تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي في عام 2006 تصل إلى نحو 242 مليار دولار، أي تقدر بـ 1.5 واردات النفط لدول الخليج للسنة نفسها. صحيح أن الخسائر الآن لم تكن بالقدر نفسه، وهي كذلك أقل من حجم خسائر الأسهم العالمية منذ بداية هذا العام التي بلغت نحو 11 تريليون دولار، بينما الأسهم السعودية انخفضت نحو 19 في المائة نتيجة عمليات بيع كثيفة شملت جميع الأسهم وسط عزوف من المتعاملين عن شراء الأسهم المتهاوية، وهو ما يفسر ذلك بسبب السيولة الذكية المؤقتة وليست الاستثمارية التي تدخل سوق الأسهم وقت الانخفاض وتبيع وقت الارتفاع، أي أن هذا الانخفاض ليس ناتجا عن زيادة عدد الشركات المدرجة مثلما تردده بعض التحليلات وبعض الكتابات على أن أسباب الانخفاض تعود للاكتتابات المتلاحقة، بل إنه على العكس من ذلك فإن الإدراجات المتوالية المنضبطة والمدروسة تعمق السوق وتوزع المخاطر التي تقلل من الانهيارات الكبيرة جدا مستقبلا بجانب الضوابط الأخرى. لأن الإدراجات الكبيرة توسع من قاعدة السوق وتعمقها وتضيق على المضاربين وتضعف تحكمهم في السوق، لأن السوق يغلب عليها تداول الأفراد التي تصل نسبتهم إلى 92.4 في المائة، بينما لا تزال حصة الصناديق الاستثمارية منخفضة جدا ولا تتجاوز الـ 1.7 في المائة، وكذلك انخفاض حصة الخليجيين التي لا تزيد على 1.5 في المائة، ومعروف أن تداولات الأفراد يغلب عليها البيع على الشراء، لأن أغلبها تداولات مضاربية على الأجل القصير وليس استثمارية على الأجل الطويل، بينما ترتفع تداولات الشركات في الشراء على البيع، لأنها تستثمر في الأجل الطويل إلى جانب المضاربة في الأجل القصير، فالبيع لديها يبلغ نحو 2.8 في المائة، بينما الشراء يرتفع إلى 4.3 في المائة.
فإشكالية السوق السعودية اقتصاره على تداول الأفراد أكثر من 90 في المائة، بسبب عدم ثقتهم في البنوك ولا في شركات الوساطة التي كانت تتبع البنوك بسبب قيامها في السابق بتسييل محافظهم لتغطية مراكز العملاء الذين حصلوا على تسهيلات، وكذلك أحيانا تحدث عمليات بيع مكثفة بضغط من شركات الوساطة، ما يؤدي إلى سرعة تخلص الأفراد من أسهمهم بأي سعر تمهيدا لترتيب تقارير شركات الوساطة التي يتعين عليها إرسال تقاريرها نظيفة خالية من التداولات المكشوفة إلى هيئة الأوراق المالية مثلما يحدث هذا في الإمارات الآن في نهاية كل شهر. ومشكلة صغار المساهمين ليست مقتصرة على دول الخليج فقط، بل إنها مشكلة الأسواق الناشئة مثل سوق الأسهم في الصين التي خسرت البورصة الصينية ثلث قيمتها تضرر على أثرها صغار المساهمين، ما اضطر الحكومة إلى خفض الضرائب المفروضة على التعاملات في الأسهم والحد من تقلبات الأسعار من خلال المطالبة بإجراء بعض التداولات الكبرى خارج سوق الأسهم النظامية، الأمر الذي دفع السوق لأعلى بنسبة 14 في المائة، لكنه عاود الهبوط مرة أخرى لأن الارتفاع لم يكن بقوى السوق أو بفعل تشريعات وضوابط وإنما بتدخلات مباشرة.
والحل هو البحث عن سبل لانضمام المتداولين الأفراد إلى شركات الوساطة الموثوق في تعاملاتها حتى لا يصبح صغار المساهمين وقودا للمضاربين، وسببا رئيسا في هبوط السوق وانهيارها وفي تقلباتها الحادة. لأن شركات الوساطة الموثوق بها هي أقدر على الاستثمار في الشركات الناجحة، فمثلا عندما استحوذت شركة داوكيميكال على شركة روم هاوس ارتفعت قيمة أسهم شركة روم هاوس بزيادة 29 دولارا إلى 74 دولارا أعقاب إعلان الصفقة، بينما انخفض سعر سهم "داوكيميكال" 1.5 دولار ليصل سعر السهم عند 32 دولارا، فشركات الوساطة تستثمر في الشركة التي تكون موضوع استثمار رابح وفي الشركة القادرة على توليد زيادة في قيمة السهم، لأن المستثمر يحتاج أن يكون شخصا هادئا وعقلانيا على عكس المضارب فهو قلق وعجول، خاصة أن الأرباح السريعة انتهى عهدها ولكن استمرار تداول الأفراد يشجع المضاربين الأكثر ربحا البقاء على حساب صغار المساهمين، لكن بانضمامهم إلى شركات الوساطة ستتغير المعادلة.
والسوق السعودية ستبقى مرتبطة بالفرص الاستثمارية، لذلك فإن الغرب يتطلع للوصول المباشر إلى سوق الأسهم الخليجية والسعودية بشكل خاص، ففي 24/6/2008 تم استحواذ بورصة نيويورك "يورونيكست" على حصة تبلغ ربع سوق الدوحة للأوراق المالية بنحو 250 مليون دولار في خطوة استراتيجية، إضافة إلى تملك ثاني أكبر بورصة أمريكية "ناسداك" لنحو 33 في المائة من بورصة دبي مقابل تملك دبي لثلث بورصة "ناسداك أو إم إكس" في صفقة مزدوجة تعزز من الشراكات الاستراتيجية مع البورصات العالمية.
ورغم تلك الخسائر، فإن نتائج أداء صناديق دول مجلس التعاون الخليجي قد حققت نتائج جيدة للنصف الأول من العام الجاري رغم الاضطراب الإقليمي بسبب اتباعها استراتيجية انتقاء الأسهم واتباع سياسة نهج التحليل العام في إدارة المخاطر.
ولا تزال السوق السعودية بالنسبة للأسواق الناشئة أفضلها أداء، ففي عام 2007 لم يتم تداول بأقل من سعر الطرح في السوق السعودية سوى شركة واحدة من أصل 27 شركة تم طرحها للتداول، بينما تم التداول بأقل من سعر الطرح في الصين لنحو 128 شركة من أصل 237 شركة تم طرحها. إضافة إلى أن أرباح القطاع الصناعي السعودي بدأت تتصاعد، فقد ارتفعت من 34.5 في المائة عام 2006 إلى 40.8 في المائة عام 2007، في المقابل انخفضت أرباح البنوك من 37.7 في المائة عام 2006 إلى 28.4 في المائة عام 2007 نتيجة تأثر البنوك بفصل الوساطة واستقلالها عن البنوك، ما يفرض عليها أن تبحث عن أنشطة استثمارية أخرى تسهم في التنمية الوطنية وتعزز من ربحيتها.
فالاكتتابات الحالية والمستقبلية ستزيد من عمق السوق السعودية وتقدم قيمة مضافة للاقتصاد الوطني وإعادة التوازن إلى السوق السعودية، مع معالجة الجوانب السلبية في السوق مثل ارتفاع مكرر الربحية حتى نهاية 2007 في قطاعات كان أداؤها ضعيفا، مثل قطاع الزراعة التي وصل مكرر الربحية فيها إلى 74.57 مرة، رغم أن قيمتها السوقية منخفضة ولا تتجاوز ,5 في المائة، وكذلك ارتفاع مكرر الربحية في التأمين إلى 57.34 مرة وكذلك في الخدمات التي وصل مكررها إلى 48.92 مرة، وهي مكررات ربحية عالية جدا ناتجة عن المضاربات وليس عن الاستثمار وهي أعلى من المكررات الربحية في البنوك والصناعة والاتصالات.
والحقيقة أن هيئة سوق المال قامت منذ إنشائها بجهود حثيثة وجريئة من أجل توجيه دفة السوق نحو الاستقرار وتقوية دعائمه وتعميقه، مثل استبعاد حصص الحكومة من مؤشر الأسهم رسميا في نيسان (أبريل) 2008، وأطلقت المؤشر الحر الذي رفع أوزان أسهم عشر شركات وخفضت أوزان خمس شركات، وتتأهب الآن لتحديد موعد تطبيق أسعار وحدات التغيير للأسهم الجديدة، وتبدأ كذلك بمراجعة العمولات المستخلصة جراء عمليتي البيع والشراء، وتدرس أيضا إعلان حصص كبار العملاء وهو شبيه بما أعلنت سلطة الخدمات في المملكة المتحدة هذا العام على شكل غير متوقع عن قوانين الإفصاح لأي شخص يمارس بيع الأسهم في الأجل القصير في أي شركة أثناء قيامها بإصدار للحقوق.
وتطالب ممارسي البيع المكشوف البدء بتقديم تقارير تتعلق بالمراكز لخلق كفاءات عالية لأداء الأسواق، وفي هذه الأسواق القديمة كان يستخدم البيع المكشوف كاستراتيجية تحوط تهدف إلى حماية المستثمرين لأجل طويل خوفا من مخاطر هبوط الأسعار، فيأخذ المستثمر طويل الأجل مراكز مالية قصيرة الأجل وهو أسلوب موجود منذ 400 عام، لكن بعد ممارسة البيع المكشوف بكثافة كبيرة تسبب في انهيار الأسواق الذي يعتبره الاقتصاديون مسؤولا عن انهيار سوق (الزئبقة الهولندية) في القرن 17، وانهيار "وول ستريت" في نيويورك.
فأصبحت هناك مخاوف إزاء تصاعد البيع المكشوف عندما تتراجع الأسواق، ما يسهم في زيادة انهياراتها وعدم الثقة بها مما يترك السوق لقمة سائغة للمضاربين فقط التي رفعت ثرواتهم في العالم نتيجة المضاربات إلى 40.7 تريليون دولار عام 2007 حسب تقرير صادر عن "ميريل لنش" وشركة الاستشارات "كابجيمبناي" رغم الأزمة العالمية، وفي السعودية وصل عدد الأغنياء إلى 1001 ألف مليونير، وفي الإمارات 79 ألف مليونير.
وسوف تقوم هيئة سوق المال بإلزام الشركات بالسير بنظام الحوكمة. وسبق أن أعلنت هيئة سوق المال في 21/5/2008 عن غرامات مالية على ثماني شركات مخالفة لم تلتزم بالإفصاح عن نتائجها السنوية كي تعزز من الشفافية لدى الشركات المساهمة، كما سبق أن أوقفت شركة أنعام عاما كاملا، وحينما وافقت على تداول أسهمها جعلتها تتداول خارج التداول وأسهمها معلقة، وتحتاج سوق الأسهم إلى المزيد من التشريعات التي تضبط سيرها وتحافظ على حقوق المساهمين مثل إصدار نظام جديد يتضمن تخفيض نسبة الخسائر إلى 50 في المائة بدلا من 75 في المائة المعمول به الآن للحفاظ على حقوق المساهمين، وسيتم تعليق عدد من الشركات في سوق الأسهم مثل شركة ساب تكافل وهي شركة لم تبدأ ممارسة نشاطها وأعلنت عن خسائرها بنحو 49 في المائة من رأس المال، ولابد أن ننتقل إلى محاكمة المسؤولين عن الانهيارات والمتسببة في تلك الخسائر مثلما اقتيد مديران سابقان لصندوق تحوط خاص بإحدى الشركات المنهارة وهي "بير سيرنز" للمحكمة الفيدرالية في بروكلين لمواجهة تهم تتعلق بالفساد حتى نعزز من مكانة سوق الأسهم والثقة فيه ويكون انعكاسة حقيقية للواقع الاقتصادي السعودي. فالولايات المتحدة تمثل نحو 30 في المائة من الاقتصاد العالمي تمتلك بورصتين للأسهم تفوق نسبة تمثيل اقتصادها للعالم إلى نحو 45 في المائة من إجمالي قيمة أسواق الأسهم في العالم وفي لندن نحو 10 في المائة من قيمة الأسواق العالمية.
فنحن نحتاج إلى بناء سوق أسهم يعتمد فيه المستثمرون في قراراتهم على عوائد الشركات وليس على عوائد المضاربات كي تعكس الواقع الحقيقي للاقتصاد السعودي.

[email protected]

الأكثر قراءة