الحديد والأسمنت .. من يجيب عن هذا السؤال؟
الحدث:
شهدت إحدى جلسات ملتقى المال والأعمال الذي عقد أخيرا في مدينة الرياض مناقشة ساخنة حول القرار الحكومي القاضي بحظر تصدير الأسمنت والحديد إلى خارج المملكة، وقد أثنى أحد المحاضرين المتخصصين في مجال الاقتصاد على هذا القرار وأيده بحماس كبير، وبرر هذا الحماس بحرصه على المواطنين وغيرته على مصالحهم، هنا عجت الصالة بالتصفيق تأييداً وفرحاً.
التعليق:
من المهم أن نستهل التعليق بالتأكيد على مجموعة من المبادئ والحقائق الرئيسية:
1. إن السوق السعودي يقوم على مبادئ الاقتصاد الحر.
2. إن المصانع السعودية عند الترخيص لها لا تتعهد لها الدولة بأي ضمانات للنجاح أو الربحية.
3. إن الدولة تؤكد أن صناعة الحديد والأسمنت صناعة عالمية تخضع لقوى العرض والطلب والأسعار العالمية.
4. تسعى الدولة بجميع فعاليتها لتشجيع التصدير، بل وأنشأت هيئة متخصصة مهمتها الوحيدة تشجيع التصدير، وبرامج معنية بضمان الصادرات السعودية.
5. قامت المصانع السعودية وأسست وفقا لدراسات جدوى اقتصادية كانت الافتراضات التسويقية مفتوحة لها، سواء للأسواق الداخلية أو الخارجية.
6. إن نسبة كبيرة من الاستهلاك المحلي للحديد والأسمنت لم تستهلك من قبل المواطنين، وإنما وجهت لبناء المشاريع، وهي مشاريع تجارية تخضع لقوانين السوق والربح والخسارة تماماً مثل شركات الحديد والأسمنت.
7. إن هذه الشركات أيضاً يملكها المواطنون، وخاصة المساهمة منها وفيهم الأيتام والأرامل والمواطنون الآخرون.
8. إن واجب الدولة تجاه المواطنين يمثل التزاماً أساسياً تجاههم بتحقيق الرفاه بمفهومه الشامل، وأحد جوانب هذا الالتزام توفير المسكن.
وأؤكد هنا أنني لست مستثمرا في نشاطي الحديد والأسمنت، ولست مساهما في أي شركة من شركات الأسمنت المدرجة في السوق، بل والأدهى والأمر أنني خلال هذه الأيام أبحث وأستنجد بالأصدقاء والمعارف لشراء كميات من الحديد والأسمنت لبناء عقار لي، وبالتالي فأنا أحد المستفيدين الرئيسيين شخصيا من قرار حظر التصدير.
هنا سؤال يطرح نفسه بقوة الأسمنت وصلابة الحديد: كيف سيتخذ المستثمر مستقبلاً قراره الاستثماري في السوق السعودي وخاصة المصنعين، الذين يساهمون بأكبر قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، بل كيف نساهم في جذب الاستثمارات الأجنبية، التي ندعو لها كل يوم، ونحن نؤصل باتخاذ هذا القرار أن القواعد غير ثابتة وغير مستقرة!! هل سيعتمد المستثمر على القرارات والأنظمة المحددة والمقررة والمتعامل بها، أم أنه سيضع قراره على صفيح ساخن، وبالتالي تتزايد مخاطر الاستثمار في السوق السعودي؟
برأيي أن قرار إيقاف تصدير الأسمنت والحديد قرار صائب، ولكن يلزم اتخاذ قرار آخر معه وهو تعويض المصنعين والمستثمرين في هذه الصناعة عن الفروقات السعرية بين أسعار البيع المحلي وأسعار البيع في دول الجوار، التي تمثل الفرصة البديلة لهذه المصانع، أما التجار والموزعون فهؤلاء يحصلون على هامش أرباح مقابل المبيعات في جميع الأحوال، هنا تقوم الحكومة بدورها الحقيقي في تحقيق الرفاه، فمن جانب المواطن سيتم كبح جماح الأسعار (إلى حد .. ما) ومن جانب المصنعين سيتم تعويضهم عن الفرصة البديلة، وبذلك تضرب الدولة المثال الأبرز في حماية الاقتصاد ومستقبله.
السؤال الافتراضي هنا .. لو حصل كساد في يوم ما .. في صناعة الحديد والأسمنت هل ستقوم الحكومة بحماية المصنعين؟ أم ستقوم بشراء إنتاجهم؟ أم ستمنع الاستيراد لحماية الصناعة؟ أم ستدعم وضعهم المالي؟ وهل يمكن ذلك في عالم منظمة التجارة العالمية؟ أسئلة لا أملك إجابات لها .. ولكن قد يقرأ هذا المقال من يستطيع الإجابة عنها.