حد أدنى من الأجور لمواجهة تحديات التضخم

حد أدنى من الأجور لمواجهة تحديات التضخم

حد أدنى من الأجور لمواجهة تحديات التضخم

دعا وزير العمل مؤسسات القطاع الخاص إلى رفع أجور العاملين السعوديين فيها بالقدر الذي يمكنهم من مواجهة تداعيات التضخم وغلاء المعيشة.
ومن العوامل الرئيسة في فشل برنامج السعودة الذي تبنته الدولة في الفترة السابقة هو عدم تحديد حد أدنى للأجور بسبب أننا لا نمتلك قوى سوق حقيقية تنافسية استغل القطاع الخاص وضع حالة البطالة في البلد رغم أن البطالة هي بطالة هيكلية وليست بطالة حقيقية بسبب تكدس العمالة الأجنبية التي حلت مكان السعوديين لأسباب عديدة. ففي عام واحد استقدمت الدولة في عام 2007 أكثر من مليون و700 ألف عامل أجنبي وفي الربع الأول من عام 2008 استقدمت نحو 700 ألف عامل.
ولا يعقل في ظل تزايد التضخم الذي وصل إلى 9.7 في المائة الآن ومع ارتفاع مستوى المعيشة أن تظل رواتب مثل المعلمات في المدارس الأهلية التي تراوح بين 1200 و1800 ريال في حين أن زميلاتهن في المدارس الحكومية يتقاضين رواتب تراوح بين خمسة آلاف و17 ألف ريال هذا علاوة على توقف تلك الرواتب المتدنية في فصل الصيف ولا يختلف الوضع كثيرا في المستشفيات الأهلية الكبيرة التي لا يحصل فيها العاملون على رواتب تراوح بين 2500 وثلاثة آلاف ريال لدوام ينقسم إلى فترتين صباحية ومسائية بينما الوضع في المستوصفات الصغيرة أسوأ حالا.
من ينظر إلى هذا الوضع المؤلم فإنه يجد إجحافا وابتزازا لشباب هذا الوطن لا يمكنه من العيش بكرامة كي يؤمن له سبل العيش من تأمين السكن وبقية متطلبات العيش الكريمة.
ويتساءل البعض لماذا لا يسهم هؤلاء الشباب في الاقتصاد وفي خلق فرص ذاتية؟ يمكن أن نرجع ذلك إلى نوعية التعليم التلقيني الذي تلقوه والذي كان على حساب اكتساب الجوانب الأخرى التطبيقية والمهارية واللغوية التي حدت من قدراتهم على مواجهة الواقع.
فإلى جانب تحديد الحد الأدنى من الأجور فإن الأمل معقود على ضرورة إعادة هيكلة مؤسسات القطاع الخاص الذي تأخر كثيرا، أما بالاندماج أو تشجيعها كي تتحول إلى شركات مساهمة كي تستطيع أن تستوعب عدد العمالة الوطنية التي تدخل سوق العمل سنويا بنحو 300 ألف مواطن حتى تؤمن لهم فرصا وظيفية متكافئة قدر الإمكان ولا داعي أن تكون النتائج الاقتصادية متساوية. ومعروف أن مؤسسات القطاع الخاص الصغيرة والمتوسطة عالميا تستوعب 70 في المائة من الأيدي العاملة الوطنية.
إذاً هناك ثلاثة أمور أسهمت في تزايد البطالة أولها غياب الأمن الوظيفي بسبب استغلال القطاع الخاص حالة البطالة، وتأخر هيكلة القطاع الخاص الذي تسبب في توافد عمالة أجنبية رخيصة على حساب العمالة المحلية وهي تحصل علي أجور متدنية ولكنها تساوي عشرة أضعاف قيمة عملة بلدهم بعد تحويلها والأمر الثالث تواضع مخرجات التعليم التي لا تتواءم مع حاجات السوق.
وأنا هنا لا أطالب بتوزيع متكافئ في مكاسب الدخل، ولكن ما يعطى الآن أجور زهيدة لا تتوافق مع مستوى المعيشة المحلية، وكذلك لا تتناسب مع الدخول التي تحصل عليها المستشفيات وبقية القطاعات الأخرى وإذا كانت الدخول التي تحصل عليها متدنية فإن الجدوى الاقتصادية ستكون قد بنيت على أساس العمالة الأجنبية الرخيصة وتحتاج إلى إعادة دراسة مرة أخرى تبنى على أساس العمالة الوطنية.
إن تدني الأجور في العالم هو نتيجة تغيرات تكنولوجية متحيزة للمهارات أو للأسواق التي يمكن أن يفوز بها أصحاب المواهب والمهارات بالغنيمة الكبرى مثلما هو حاصل في الدول الصناعية، بل إن تأثير العولمة على التمايز في الدخول كان له تأثير معتدل وهي أقل من تأثير التغيرات التكنولوجية المتحيزة للمهارات.
وفي بلد مثل الولايات المتحدة عندما يتم إغلاق الشركات أو المصانع تخسر عندها الوظائف ولكن في المقابل تبرز الحمائية باعتبارها الشكل المقبول اجتماعيا من المقاومة ضد السوق، فتلجأ الدولة إلى المزيد من الإنفاق على تعليم الفئات الأقل حظا والتأمين الصحي الشامل، إضافة إلى الاستجابة إلى رفع الحد الأدنى من الأجور وإعطاء دعم سخي لأصحاب الدخول المنخفضة.
والدول الصناعية نتيجة ارتفاع الدخول رفضت استقدام عمالة أجنبية تحل محل العمالة الوطنية وفضلت انتقال تلك الأعمال بالكامل إلى دول اليد العاملة الرخيصة كي تكون المحصلة في النهاية محدودة وتحافظ على حقوق العمالة الوطنية وفي الوقت نفسه لن تنتقل الأعمال الخدمية التي هي عصب ومحور الاقتصاد الوطني لأنها تستحوذ على 90 في المائة من إجمالي العمالة وبذلك يكون أثر انتقال تلك الأعمال محدود جدا.
ولا يمكن أن نفرق بين شرائح المجتمع فالمرأة كالرجل لها كامل حقوقها مثلما أكد الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك حينما قال (النساء شقائق الرجال) فـ 4.7 مليون سعودية في سن العمل و66 في المائة طالبات مسجلات في جامعات المملكة.
ولسنا الوحيدين حينما نطالب بوضع حد أدنى للأجور فقد سبقتنا إلى ذلك دول عديدة مثل: ألمانيا حددت الحد الأدنى للأجور في بعض القطاعات مقابل أن تكون لها مميزات كخفض كبير على الضرائب وغيرها من مميزات تشجع تلك القطاعات على الاستجابة.
القضية طال أمدها والظروف الاقتصادية والاجتماعية أصبحت في غاية التعقيد والمشكلة ما زالت تراوح مكانها وما زالت الحلول جزئية ومؤقتة والبطالة تتراكم سنة بعد أخرى وهي لم تعد قضية اقتصادية بل أصبحت أيضا قضية أمنية واجتماعية تؤثر في استقرار المجتمع وفي اتساع رقعة الفقر وانكماش الطبقة الوسطى التي هي أساس استقرار المجتمعات.

[email protected]

الأكثر قراءة