المستثمرون الجدد قادمون

المستثمرون الجدد قادمون

لم تشترك دول الخليج بفاعلية كعادتها في التحرك العالمي الجديد الذي تقوده أمريكا نحو معالجة نقص السيولة بعد تلقي دول الخليج دروسا تاريخية حول تجميد أرصدتها في كهوف المصارف المركزية الغربية الباردة. فأعلن البنك الفيدرالي الأمريكي والأوروبي والبنك السويسري يوم 2/5/2008 زيادة مساعداتها للسيولة في الأسواق مع استمرار الصعوبات التي تواجهها المصارف في إعادة تمويل ذاتها, واتخذ هذا القرار بالنظر إلى استمرار الضغوط في مجال السيولة في بعض الأسواق التمويلية الآجلة. فهذه البنوك الثلاثة هدفت إلى تعزيز قوة الأدوات منذ بدء الأزمة المالية الذي اعتبرها جورج سوروس أخطر أزمة تعرض لها النظام العالمي خلال الـ 60 سنة الأخيرة. فبريطانيا مهددة بانهيار سوق العقارات على الطريقة الأمريكية نتيجة تواصل ارتدادات الهزة الائتمانية على أوروبا, فبنك يو. بي. إس السويسري يلغي 5500 وظيفة بسبب أزمة الرهن العقاري الأمريكي وخسائر إضافية لـ "لويدز" البريطاني تصل إلى 774 مليون دولار وإغلاق 150 وكالة عقارية كل أسبوع في بريطانيا. في حين أن دول الخليج أصبحت دولا ناشئة وواعية وتحولت من دول إنقاذية مطلوب منها تمويل الجمعيات المالية (الخيرية) التي تسمى (المصارف) بأن أصبح الغرب يسميها الآن بالمستثمرين الجدد (الصناديق الخليجية السيادية خصوصا) لأنها تحاول أن تستثمر فوائضها البترولية بدلا من تجميدها كاحتياطي لدى المصارف الغربية ورغم ضآلتها بالنسبة للموجودات العالمية إلا أن الغرب بدأ يتحرك ويأخذ الأمر بحساسية وجدية في مواجهة المستثمرين الجدد مواجهة استباقية خوفا من أن تستحوذ على حصص متزايدة من المؤسسات المالية العالمية والشركات الكبرى في مختلف أنحاء العالم, وهو خوف من أن يستغل المستثمرون الجدد ثمن تورط أمريكا الباهظ في العراق وثمن انهيار الرهن العقاري الأمريكي اللذين على أثرهما بدأت تدخل الولايات المتحدة ركودا اقتصاديا. فالملياردير روس يعتقد أن المصارف الصغيرة المتعثرة تمثل استثمارا جيدا ويسعى إلى إقناع الخليجيين بالمشاركة في مغامراته لشراء 200 بنك صغير لعدم قدرتها على تحمل الخسائر الهائلة التي سببتها أزمة الرهون العقارية وهو تحاشي, أمام ضغوط, شراء حصص كبيرة من بنوك رئيسية. وسبق أن تم بيع ألف بنك صغير في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي بعد كارثة المدخرات والقروض. وخلال الأشهر الثلاثة الماضية دفع الصندوق الخاص بأبو ظبي الذي يدير 800 مليار دولار مبلغ 7.6 مليار دولار لشراء حصة في بنك سيتي جروب خلال تشرين الثاني (نوفمبر) 2007 ثم شهدت أسهم هذا البنك تراجعا وصل إلى 38 في المائة, ويرى روس أن البنوك الأصغر ستحقق استثمارا أفضل. وتدير هذه الصناديق السيادية أكثر من تريليوني دولار كأصول لها, ومن المتوقع أن تدير أكثر من 12 تريليون دولار بحلول عام 2015, وقد ازداد التحول من شراء أذون الخزانة الأمريكية والأوروبية إلى الاستثمارات التي قد تدر عائدات أعلى عليها. ويفند روس مخاوف الغرب من الصناديق السيادية, إذ يقول (ليس هناك فارق بين صناديق الثروة السيادية وغيرها من المستثمرين الكبار. إنها تعمل تماما بالطريقة التي تعمل بها صناديق التقاعد الكبيرة في الولايات المتحدة). وأكبر المؤسسات المالية المصرفية الأمريكية سيتي جروب شطبت أصولا بقيمة تزيد على 15 مليار دولار, وهو البنك نفسه الذي اشترى أبو ظبي حصة فيه مما يخيف واشنطن إقدام أبو ظبي على دمج ثمانية كيانات اقتصادية في صفقة تبلغ عدة مليارات يعتبر أمرا في غاية الصعوبة. هذا ما جعل صندوق النقد الدولي في 1/5/2008 يجمع ممثلي 25 من الدول الأعضاء لوضع مدونة سلوك ترمي إلى تحديد إطار للصناديق السيادية التي تشكل أدوات استثمارية حكومية ويثير ازدهارها مخاوف متنامية في الدول الغربية, والممثلون هم من الحكومات والشركات من مختلف العالم, ما يعني أن الصناديق السيادية هي أكبر تهديد للشركات المتعددة الجنسيات أو العابرة للقارات, وهي شركات في الأصل أمريكية أو أوروبية. لكن بعدما استحوذت على ستة موانئ أمريكية في صفقة اندماج عام 2006 تم بيعها بسبب الرفض الحكومي. وتخشى أمريكا أن تصبح الصناديق السيادية أكبر من الناتج الأمريكي بحلول عام 2015 وبالتالي يمكن أن تصبح أكبر اقتصاد في العالم. والفرصة مواتية الآن في استثمار الصناديق السيادية الخليجية في القطاع الزراعي الرابح في أنحاء مختلفة من العالم, خصوصا بعد الأزمة الأخيرة في استقطاع جزء كبير من الإنتاج الزراعي في إنتاج الوقود الحيوي, ما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية نتيجة انخفاض العرض. تحتاج دول الخليج إلى إقامة تكتل وتحالف بينها عبر مشاريع تنموية مشتركة تقام في العالم النامي, خصوصا التي تصدر إليها الطاقة أو منتجات بتروكيماوية, أو دخولها في مشاريع بتروكيماوية مشتركة لتضمن حماية استثماراتها. وهناك مناطق عدة في العالم في حاجة إلى استقبال تلك المشاريع التنموية, خصوصا في جنوب شرق آسيا وفي آسيا الوسطى وفي إفريقيا وأمريكا اللاتينية والجنوبية, أي في المناطق المستقرة سياسيا واقتصاديا كي تصبح شريكا وفاعلا في التجارة الدولية وهي فرصة لسد حاجة دول مجلس التعاون الخليجي من الغذاء بل إقامة صناعات غذائية واسعة, حيث تعد الزراعة والصناعات القائمة عليها استثمار المستقبل, وهي فرصة كي تتحرر من القيود الاستباقية التي ستفرضها الدول الغربية هي وشركاتها الكبرى نحو عدم تمكين ممثلي الصناديق السيادية الخليجية من الحصول على مقاعد في مجالس الإدارات أو الحصول على حق التصويت بحجج كثيرة كيلا تصبح مرة أخرى رهينة من أجل إنقاذ وتحريك الركود الأمريكي فقط, هذا إلى جانب التنبه من غياب ضمانات حماية للاستثمارات الخليجية. وإضافة إلى الاستثمار في الزراعة والصناعات القائمة عليها فإن التوسع في إقامة صناعات تحويلية ذات مردود اقتصادي أكبر من الاقتصار على المنتجات الكيماوية الأساسية والوسيطة, أي الاستغلال الأمثل لهذه المقدرات ومع تنامي وتوسع الإنتاج, سيساهم في انخفاض الأسعار وتقليل نسبة البطالة بعد تشغيلها في تلك المشاريع الجديدة السبيل الوحيد لخفض نسبة التضخم. [email protected]
إنشرها

أضف تعليق