الزراعة أم الصناعة؟!

الزراعة أم الصناعة؟!

لم يكن هذا السؤال مطروحا بهذه الحدة مثلما هو مطروح اليوم. فقد أسفرت أزمة تقلص المحاصيل الرئيسة كالأرز والقمح والذرة وغيرها إلى جانب تصاعد أسعارها والسعي إلى عدم تصدير بعضها أسفر ذلك كله عن مراجعة لفجر التنمية في مراوحتها بين أولوية الزراعة أم الصناعة. وغالبا ما تم الإمساك بالعصا من الوسط مع ميل إلى الصناعة باعتبارها مفتاح التقدم ووسيلته أيضا، وعلى أساس أن الزراعة يمكن أن تتولاها بلدان أخرى ترتبط معها هذه الدولة أو تلك بعلاقة وطيدة تؤمن لها احتياجاتها دون كثير عناء.
لم تكن هذه (المراوحة) من ضمن مبادئ وأساسيات تنمية الدول المتقدمة أو المتطورة صناعيا وعلميا بشكل عام، فقد نظرت هذه الدول للزراعة باعتبارها صناعة جوهرية وإن كانت تقوم على مكونات التربة والماء .. نظرت هذه الدول للزراعة من منطلق حاد لا يرهن نفسه للظروف المواتية ولا للعلاقات البينية بين الدول وإنما عملا بمثلنا العربي (زنادك وإلا مت) أو تحذيرنا العتيد (ويل لأمة لا تزرع ما تأكل). ومن هنا فقد كانت أمريكا العظمى رائدة المحاصيل الزراعية، ومثلها دول أوروبية وبجانبها كندا وروسيا وغيرها من بلدان في صدارة العالم الصناعي لكنها أيضا في صدارة العالم الزراعي.
عالمنا العربي أسلم أمره لظروف الوفرة والرخاء وتدفق المحاصيل، وترك خلف ظهره اتفاقيات الجامعة العربية الخاصة بالزراعة وتكاملها بين بلدان العرب وهو اليوم يصحو على نذير شح المحاصيل الزراعية الرئيسة وغلاء أسعارها ويتلفت يمنة ويسرة لتدارك الأمر وينفض عن ملفات المنظمة العربية للزراعة التابعة لجامعة الدول العربية الغبار ويستأنف حوارات ومشاريع انقطع الاهتمام بها منذ حين ولو كانت قد تمت واستكملت لما وقع فأس الأزمة الغذائية في رأس الجامعة العربية.
لم يعد السؤال أيهما أولاً:الزراعة أم الصناعة؟ فقد حسمت الأزمة الإجابة وأضاع العرب نصف قرن من المراوحة بين أولوية الزراعة وأولوية الصناعة ولم يحققوا .. لا هذه ولا تلك.
لا نقول ذلك تثبيطا للهمم ولا جلباً لليأس، وإنما محاولة لشق كوة نور في ظلام هذه الأزمة من خلال ضرورة المبادرة إلى اتخاذ الإجراءات الفورية وفقا لما تم التوصل إليه في مباحثات واتفاقيات سابقة وبناء على ما قد يكون أكثر جدوى مما هو مستجد.
الأرض العربية، في مساحات واسعة منها تحفل بالخصب وتعمر بالمياه ولديها وفرة من الأيدي العاملة، وما تبقى هو التمويل والإدارة والاستثمار الأمثل للغذاء العربي من خلال كل ذلك .. فهل ستتحرك الجامعة العربية في هذا الاتجاه؟ وهل ستسمو الدول العربية فوق خلافاتها من أجل توفير العيش الكريم لشعوبها؟ هذان السؤالان سيبقيان معلقين على عهدة اتخاذ خطوات عملية .. الآن .. الآن .. وليس غدا.

الأكثر قراءة