إجراءات سعودية لمواجهة الأزمة المالية العالمية

[email protected]

بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز رئيس المجلس الاقتصادي الأعلى ـ يحفظه الله - عقد المجلس الاقتصادي الأعلى اجتماعا يوم الخميس الموافق 16 تشرين الأول (أكتوبر) من العام الجاري، لمناقشة الأزمة المالية العالمية الحالية، واتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهتها، بغية الحد من تأثيراتها المستقبلية المحتملة في الاقتصاد السعودي.
من بين الإجراءات الاحتياطية والاحترازية، التي أقرها المجلس الاقتصادي الأعلى في الاجتماع سالف الذكر، بغرض وكما أسلفت التعامل مع الأزمة المالية العالمية، والتقليل من آثارها المحتملة على الاقتصاد الوطني وعلى القطاعين المالي والمصرفي ما يلي: (1) قيام مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) البنك المركزي، بالاستمرار في متابعة أداء البنوك المحلية للتأكد من سلامتها، بما في ذلك الحرص على توفير السيولة اللازمة لها عند الحاجة. (2) متابعة (ساما) للقيود الموضوعة، على توفير السيولة للبنوك، وذلك بمزيد من التخفيض في نسبة الاحتياطي، بما في ذلك خفض تكاليف التمويل إذا اقتضت الحاجة إلى ذلك. (3) استمرار الحكومة في ضمان سلامة المصارف المحلية، بما في ذلك الودائع المصرفية. (4) دعوة وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لتنسيق المواقف.
البعض قد يتساءل عن أسباب اتخاذ مثل تلك الإجراءات الاحترازية للمحافظة على سلامة الاقتصاد الوطني، بما ذلك المحافظة، على سلامة النظامين المالي والنقدي المحليين، من التأثر المحتمل بالأزمة المالية العالمية، رغم تأكيد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ يحفظه الله ـ في كلمته الافتتاحية في الاجتماع المذكور، على أن الاقتصاد السعودي يمر في الوقت الحاضر بمرحلة ازدهار، حيث ترتفع فيها حالة معدلات النمو والاستثمار في قطاعات الاقتصاد المختلفة.
رغم متانة الاقتصاد السعودي والأثر المحتمل المحدود على الاقتصاد، إلا أن ضراوة الأزمة المالية العالمية، وامتداد تبعاتها وآثارها السلبية لتشمل مختلف دول العالم، استلزم اتخاذ مثل تلك الإجراءات الاحترازية سالفة الذكر من قبل المجلس الاقتصادي الأعلى، بغية الحد من آثارها في الاقتصاد الوطني من جهة، والمحافظة على استمرارية وتيرة التنمية الاقتصادية، التي تعيشها المملكة من جهة أخرى، هذا إضافة إلى رغبة الحكومة المحافظة على رفاهية ومعيشة المواطنين، كما أن اتخاذ مثل تلك الإجراءات الاحترازية من شأنه أن يبعث بالطمأنينة إلى نفوس المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء، ولاسيما أن تلك الإجراءات ستوفر الحماية اللازمة للبيئة الاستثمارية بتجنيبها من أن تكون عرضة ـ لا سمح الله ـ لهزات أو لإخفاقات محتملة في الأداء.
كمزيد من التأكيدات من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ يحفظه الله ـ على ضرورة التعامل مع تلك الأزمة والحد من آثارها المحتملة في الاقتصاد الوطني، والبيئة الاستثمارية المحلية، بما في ذلك الوضع المالي والوضع النقدي، فقد وجه ـ يحفظه الله ـ الهيئة الاستشارية للشؤون الاقتصادية في المجلس الاقتصادي الأعلى بمتابعة الأزمة وتبعاتها وإفرازاتها بصفة مستمرة ودراسة آثارها، بما في ذلك وضع اقتراحات محددة للتعامل معها، ورفع تقارير دورية عن ذلك.
الدكتور عبد الرحمن التويجري أمين عام المجلس الاقتصادي المكلف في حديث له لـ "الاقتصادية" في العدد 5485، أن الهدف من اتخاذ تلك الإجراءات، هو التأكيد على اهتمام الحكومة السعودية بسلامة ودائع المواطنين في البنوك المحلية، وإعطاء الثقة للمواطنين بأن الحكومة تدعم البنوك، كما أن تلك الإجراءات ستزيد من الثقة في سوق الأسهم المحلية.
في رأيي أن تلك الإجراءات ستسهم بشكل فاعل في تعزيز ثقة المواطنين والمقيمين في النظام المصرفي السعودي على وجه العموم، والمصارف المحلية على وجه الخصوص، ما سيساعد على استمرار تدفق ودائع الأفراد بأنواعها المختلفة للمصارف المحلية بالوتيرة المنتظمة نفسها خلال الفترة التي سبقت حدوث الأزمة المالية العالمية، الأمر الذي سيعمل على التعزيز من قدرة المصارف المحلية المرتبطة بتوفير التمويل اللازم للمشاريع التنموية المختلفة، بما في ذلك التوسع في تمويل الأفراد لأغراض شراء السلع المعمرة، ولاسيما أن هذه الثقة ستساند الإجراءات التي اتخذتها مؤسسة النقد العربي السعودي في وقت سابق، بغرض زيادة مستوى السيولة في السوق، التي اشتملت على تخفيض سعر إعادة الشراء بـ 50 نقطة ليصل إلى 5 في المائة، هذا إضافة إلى تخفيض نسبة الوديعة النظامية على الودائع الجارية تحت الطلب التي تحتفظ بها البنوك لديها من 13 في المائة إلى 10 في المائة.
خلاصة القول، إن الإجراءات الاحترازية الأخيرة التي أقرها المجلس الاقتصادي بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ يحفظه الله ـ التي من بينها على سبيل المثال، استمرار الحكومة في ضمان سلامة المصارف المحلية، ستعمل على التعزيز من سلامة الوضع الاقتصادي بما في ذلك التعزيز من سلامة الوضعين المالي والنقدي المحليين، الأمر الذي بدوره سيعزز من تدفق ودائع الأفراد النقدية بأنواعها المختلفة للمصارف المحلية، ما سيعزز من قدرة المصارف المحلية على الاستمرار في تمويل المشاريع التنموية، بما يحقق استمرار المسيرة التنموية التي تعيشها البلاد على الرغم من حدة التأثيرات السلبية لتلك الأزمة المالية على مختلف دول العالم.
إن تلك الإجراءات ستعمل كذلك على تعزيز ثقة المستثمرين الأجانب والمحليين بسلامة المناخ الاستثماري المحلي، ما سيعمل على تدفق المزيد من الاستثمارات للبلاد، بالذات في ظل تبوء المملكة موقعا استثماريا عالميا متميزا بين أفضل 20 دولة في العالم من حيث تنافسية بيئة الاستثمار، الأمر الذي أكد عليه تقريران صدرا أخيراً عن البنك الدولي ومنظمة "الأونكتاد"، والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي