شجرة الزيتون .. ثروة وبركة

تحتفل هذا الشهر دول العالم المنضمة للمجلس العالمي لزيت الزيتون International Olive Oil Council 1OOC بموسم حصاد الزيتون وهي تجمع دولي يضم 23 دولة من منتجي الزيتون تعمل على تعزيز أوضاع زيت الزيتون عالمياً فيما يتعلق بتعقب الإنتاج وضمان الجودة. وتقيم تلك الدول الاحتفالات والمعارض السنوية، كما تقدم الجوائز للمزارعين المتميزين ممن نجحوا في التوصل إلى إنتاجية عالية ونوعية خاصة من ثمار هذه الشجرة الخضراء كثيفة الثمار. ولعل من أبرز مظاهر هذه الاحتفالات، معرض الزيتون العالمي في كيماري Caimari وهي قرية صغيرة جنوب إسبانيا، ومهرجان زيت الزيتون السنوي الخامس في بوزو روبلس Roso Robles في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، ولشجرة الزيتون تاريخ متصل منذ آلاف السنين وهي نبات فطري بري اسمه الشائع الزيتون Olive أما المسمى العلمي فهو Oleoceae وهي شجرة معروفة في إقليم البحر الأبيض المتوسط والذي يطلق عليه حزام الزيتون ( Olive belt ) ويمتد في جزر ودول القارة الأوروبية (إسبانيا – اليونان – إيطاليا) ودول الشام في آسيا وفيها ينتشر الزيتون الأوروبي O.Europaea والدول العربية المطلة على الساحل الجنوبي للبحر المتوسط ( مصر – ليبيا – تونس – الجزائر – المغرب ) والتي ينتشر فيها الزيتون الإفريقي O. Africana كما أن هنا بعض الأنواع المنقولة حديثاً إلى دول الأمريكيتين خاصة الولايات المتحدة وشيلي يطلق عليه الزيتون الأمريكي أو العطري O.Americana ,O. Fragrant ويعرف الزيتون بصورة أقل في بعض المواقع في أستراليا وجنوب إفريقيا .
من الناحية الاقتصادية، تقدر المساحة المزروعة بمحصول الزيتون على النطاق العالمي بنحو تسعة ملايين هكتار قوامها 750 مليون شجرة زيتون (أي بمعدل 83 شجرة للهكتار الواحد) وتنتج هذه المساحة ما يزيد على 17 مليون طن من الزيتون الخام سنوياً و 7.5 طن من زيت الزيتون Olive Oil، وتستأثر إسبانيا كدولة رائدة بإنتاج سبعة ملايين طن من الزيتون، 1.5 مليون طن من الزيت أي ما يعادل 35 في المائة من الزيتون، 20 في المائة من زيت الزيتون العالمي. تليها في الترتيب إيطاليا – اليونان – تركيا ثم مجموعة الدول العربية .. ويتشكل إنتاج الدول العربية مجتمعة ما يعادل 2.8 مليون طن من الزيتون سنوياً، أي 17 في المائة من الإنتاج العالمي، ونحو 400 ألف طن من زيت الزيتون سنوياً أي 5 في المائة من الإنتاج العالمي.
ويعد زيت الزيتون منتجا زراعيا صناعيا ذا قيمة مضافة عالية عديد الاستخدامات فقد يكون زيتا بكرا Virgin تم تحضيره بطريقة طبيعية، وهو أرقى وأغلى الأنواع المستخرجة من ثمار الزيتون حيث لا تزيد نسبة الحموضة عن 2 في المائة، أو زيتا مكررا Refined ومعالجا كيميائياً وهو إن كان أقل نوعية وأقل نكهة إلا أنه صالح للأكل والطبيخ، أما النوع الثالث فهو ما يعرف بزيت القناديل Lampante وله استخدامات صناعية محددة . ونشير في هذا السياق إلى أن الدول المنتجة والرائدة للزيتون وهي أكثرها استهلاكاً لزيت الزيتون حيث يصل معدل الاستهلاك للمواطن الإسباني 14 كيلوجراما سنوياً، وللمواطن اليوناني 24 كيلوجراما سنوياً، وللمواطن الإيطالي 11 كيلوجراما سنوياً، أما على المستوى العربي فإن المواطن التونسي هو الأعلى استهلاكاً وبمعدل 11 كيلوجراما من زيت الزيتون سنوياً. وهذه الدول المنتجة للزيتون تعرف بالقطع الفوائد الصحية والمنافع الطبية لزيت الزيتون والذي يتميز بنقص الدهون وزيادة الطاقة الغذائية والتي قد يصل إلى 900 كيلو كالوري لكل 100 جرام.
من ناحية أخرى فإن العائد المادي لزيت الزيتون مرتفع وقد يتراوح سعر الطن ما بين 500 دولار لزيت القناديل ويصل إلى نحو ثلاثة آلاف دولار للطن للزيت البكر الأصيل Extra – Virgin وهذا يعني أن العائد السنوي على المستوى العالمي لهذا المنتج الفريد قد يصل إلى تسعة مليارات دولار في المتوسط، ومن ثم فقد تعارف على تسميته بالذهب السائل Liquid Gold، وإذا ما تم إضافة القيمة الاسمية للمنتج الأصلي (الزيتون) فقد تتجاوز القيمة المضافة أكثر من 15 مليار دولار سنوياً.
وإذا كان هناك إجماع على أهمية شجرة الزيتون من الناحية الاقتصادية فإن الأمر يحتاج إلى أكثر من وقفة لمعرفة لماذا يُنظر إلى شجرة الزيتون بكونها شجرة مباركة وماهية وأسرار هذه الشجرة العجيبة من الناحيتين التاريخية والدينية.
الوقفة الأولى: اتخذ غصن الزيتون رمزاً للسلام Peace منذُ عصر سيدنا نوح عليه السلام بعد الطوفان ورسو سفينته على الجودي، وتعليل ذلك ببساطة ما لهذه الشجرة من توافق وتجانس مع السلام فهي تزرع في أرض سلام ولا يمكن للإنسان أن يزرع أيكة زيتون في ظروف حرب متصلة حيث تحتاج شجرة الزيتون إلى سنوات عديدة لتنمو وسنوات عديدة أخرى لتظهر ثمارها الأولى، كما أنها شجرة معمرة تعيش مئات السنوات وتقدر متوسط عمرها نحو 500 سنة.
الوقفة الثانية: يحكي لنا التاريخ القديم أن أثينا عاصمة الدولة اليونانية القديمة هي أول من وضعت إكليلا من أوراق الزيتون على جبين أبطالها في الدورات الأولمبية للتعبير عن النصر في المباريات والمنافسات فيما بينهم، واستخدم زيت الزيتون لدهن أجسام مصارعيها وكذلك لإنارة الشعلة الأولمبية.
الوقفة الثالثة: إن زيت الزيتون له قدسية ملحوظة في جميع الأديان السماوية الثلاث (اليهودية والمسيحية والإسلام) ويستخدم للإنارة في قناديل المعابد والكنائس منذ القدم، كما أن هناك من الأحاديث الشريفة ما يشير إلى أن زيت الزيتون يشفي من العديد من الأمراض. وليس للدلالة على كون شجرة الزيتون مباركة ما ورد في كتاب الله العزيز في سورة النور / آية (35).
( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( .. صدق الله العظيم .

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي