عندما يعبث بـ(لا وعيك) اللصوص!
منذ عدة سنوات وأنا أحاول جاهداً أن لا أشاهد الكثير من الإعلانات التلفزيونية التي تبثها الفضائيات, كما أنني ممتنع تماماً عن تصفح أي برشور إعلاني يتم توزيعه في الشوارع والمحال من قبل جهات غير معروفة, ذلك لأنني أخشى أن يسطو بعض اللصوص على (لاوعيي) ويسرقوني جهاراً نهاراً بتواطؤ منّي على نفسي!
قد يصفني بعضكم عندما يقرأ الكلمات السابقة بـ(الموسوس) لكن قبل ذلك دعوني أسألكم: من منكم يعرف إعلانات اللاوعي؟!
ربما كان من بينكم من يعرفها لكنني أجزم بأن أغلبكم ليس لديه أدنى فكرة عنها وهؤلاء تحديداً هم الذين أوجه لهم مقالي اليوم لينتبهوا على (لاوعيهم) من اللصوص وقد أعذر من أنذر!
تقسم نظريات علم النفس عمل الدماغ إلى منظومتين هما الوعي واللاوعي, وكل من هاتين المنظومتين تعمل بمنأى عن الأخرى أي أنها مستقلة في عملها رغم أنهما تشتركان في عملية ذهنية واحدة أحياناً, ومن هذا المنطلق فكّرت كبريات شركات الدعاية و الإعلان في العالم في الطرق المثلى لتوجيه رسائلها الإعلانية لمنظومة اللاوعي بحيث تسيطر على الزبون المفترض دون أن يشعر وتقوده إلى شراء السلعة التي تسوقها مرغماً لا بطلاً, ولابد أن أشير إلى أن أغلب الرسائل الموجهة لـ(اللاوعي) من خلال الإعلانات التجارية هي رسائل مخفية وغير واضحة للمشاهد, فقد تستخدم تقنية تمرير كلمة على الشاشة بسرعة شديدة لايمكن لوعيك التقاطها, بل إنه لن يشعر أساساً بمرورها بينما يلتقطها لاوعيك ويخزنها, ولنفترض أن الإعلان عن سيارة مثلاً فستعمد شركة الدعاية التي لا تعترف بالمواثيق الأخلاقية إلى تمرير جملة ضوئية مثلاً وبسرعة شديدة لن تلمحها تقول: (اشتر هذه السيارة الآن ولو بالدين لست أقل من غيرك!) بينما الإعلان لاترد فيه مثل هذه الجملة التي سيلتقطها عقلك الباطن و تبدأ لا شعورياً في الاتصال بأقاربك وأصدقائك والبنوك التي تتعامل معها بحثاً عمن يقرضك لشراء تلك السيارة رغم أنك تمتلك سيارة أفضل منها!
قد تستغربون من ذلك وقد تعتقدون أنني أبالغ كثيراً, لكن هذه هي الحقيقة ففي الولايات المتحدة الأمريكية كمثال تعمل غالبية شركات الدعاية وشركات الإنتاج الفني والسينمائي بأسلوب (محادثة اللاوعي) رغم أن القانون يجرّم هذه العملية, فقد كشف البرفيسور (ويلسون كي) مؤلف كتاب (الإغواء اللاشعوري) أنه وفي إحدى الحملات الإنتخابية للكونجرس الأمريكي بولاية فرجينيا تم الكشف عن كلمات (جنسية) مخبأة بشكل جيد ولا يمكن ملاحظتها في جميع الملصقات الإعلانية لجميع المرشحين عدا مرشح واحد فقط, وتبين فيما بعد أن هذا المرشح لم يكن قادراً على استئجار وكالة دعاية تروج له لسوء ظروفه المادية!
كما أن البروفيسور كي قام بمراجعة آلاف الإعلانات وأغلفة المجلات والصور الإخبارية ووجد أن القاسم المشترك بينها جميعها هو تضمنها لثماني كلمات مخفية ولا يمكن مشاهدتها تعبر بشكل بذيء عن (العملية الجنسية) بل إنه اكتشف أن ماركة شهيرة من البسكويت تستخدم هذه الكلمات بشكل مموه على حواف قطع البسكويت التي تحظى بشعبية كبيرة!
وبعيداً عن شركات الدعاية تستخدم شركات الإنتاج السينمائي أسلوب استغلال اللاوعي لإيصال رسائلها من خلال لقطات سريعة وغير ملاحظة تمررها عبر مشاهد الأفلام, كما أنها تستخدم بعض الأصوات في الموسيقى التصويرية بذبذبات مختلفة لا يدركها إلا العقل الباطن, وقد تسببت خلفية صوتية لم يدركها مشاهدو أحد الأفلام إلى إثارة شعورهم بالغثيان والخوف والاكتئاب لدرجة أن بعضهم حاول الانتحار بعد مشاهدة أحد الأفلام مباشرة, ليتبين فيما بعد أن المخرج استخدم أصوات طنين النحل بشكل كثيف جداً وبذبذبات وترددات مختلفة في الموسيقى التصويرية ليتم إدراكها لاشعورياً, بينما لا يمكن للأذن البشرية تمييزها, ومن المعروف أن استماع الإنسان الطبيعي لطنين خلايا كثيرة من النحل يولد لديه شعوراً بالخوف والقلق والغثيان ويحرضه على الهرب في أي اتجاه حتى لو كان الهرب من الدنيا بأكملها!
وفي نيوجرسي عرضت إحدى دور السينما جملتين لايمكن رؤيتها على الشاشة، وهما (اشرب الكولا) (كل البوب كورن) فارتفعت مبيعات الكولا بنسبة 75 في المائة ومبيعات البوب كورن بنسبة كبيرة أيضاً, ولا أعلم لماذا تذكرت الآن روعة الموسيقى التصويرية الجماهيرية في أحد المسلسلات التركية, وأرجو ممن يملك الإجابة أن يخبرني بها!