Author

الوضع القانوني للمرتزقة في القانون الدولي

|
تُثار في الوقت الحاضر قضية مهمة تتعلق بقيام بعض القوات غير النظامية بأعمال قتالية في العراق, منهم بعض الفرق التي تقدم خدماتها القتالية لبعض الجماعات ومنها قوات يتم استئجارها لذلك, ولهذا يبرز التساؤل عن الوضع القانوني للمرتزقة في القانون الدولي؛ وهذا ما نوضحه فيما يلي. في الحقيقة أن قضية المرتزقة في الجيوش ليست قضية حديثة؛ بل تعود إلى القرن الرابع عشر الميلادي؛ حيث استأجرت الإمبراطورية البيزنطية أفراداً من المرتزقة أطلق عليهم تسمية (الموكافار) من منطقة تقع على الحدود الشمالية لإسبانيا, لمساعدتها على القتال ضد الأتراك؛ وكان للمرتزقة دور مهم في تحقيق النصر على الأتراك. وفي القرن الخامس عشر الميلادي اتخذ عدد كبير من الرجال في أوروبا القتال حرفة لهم؛ فتم تشكيل سرايا من جنود سويسريين وإيطاليين وألمان قدمت خدمات جليلة في القتال لعدد من الأمراء والدوقات في أوروبا في ذلك الوقت؛ وأثبتت العناصر السويسرية في فرنسا في القرن الثامن عشر أنها من أفضل التشكيلات في الجيش النظامي؛ حتى إن فرنسا قامت بتشكيل وحدات عسكرية من الأجانب للخدمة فيما وراء البحار واستخدمتها في الحربين العالميتين الأولى والثانية؛ كما اشتهر المرتزقة في إفريقيا فكانت الحكومات ومعارضوها تقوم باستئجار عناصر منهم في الصراع الدائر بينها. ومما لا شك فيه أن للمرتزقة ميزات وعيوبا في آن واحد؛ فهم من ناحية يتمتعون بقدرات عالية في القتال؛ حيث استطاعت بعض الجيوش الأوروبية أن تُحقق النصر من خلال تدعيم جيوشها بالمرتزقة؛ ولكنهم, من ناحية أخرى, قساة القلوب, بعيدون عن النظام والانضباط, وكثيراً ما يولون الأدبار عشية وقوع المعركة؛ ومن ثم فإن عنصر الولاء لمن استأجرهم أمر مشكوك فيه؛ فضلاً عن أنهم غالباً ما يقومون بنهب المدنيين ولا يراعون القواعد التي تحكم الحرب وعاداتها. ولقد حددت قواعد القانون الدولي الإنساني المعاصر المركز القانوني للمرتزقة: فعرفت المادة (47/2) من بروتوكول1977 الملحق باتفاقيات جنيف لسنة 1949م المرتزق أنه: "أي شخص يجري تجنيده خصيصاً محلياً أو في الخارج ليقاتل في نزاع مسلح، ويُشارك فعلاً ومباشرة في الأعمال العدائية، ويحفزه أساساً الاشتراك في الأعمال العدائية الرغبة في تحقيق المغنم الشخصي، ويُقدم له فعلاً من قبل طرف في النزاع أو نيابة عنه وعد بتعويض مادي يتجاوز بإفراط ما يُوعد به المقاتلون ذوو الرتب والوظائف المماثلة في القوات المسلحة لذلك الطرف أو ما يُدفع لهم، وهو ليس من رعايا أي طرف في النزاع، ولا مواطناً مقيماً في إقليم يُسيطر عليه أحد طرفي النزاع، وليس عضواً في القوات المسلحة لأحد طرفي النزاع, وليس موفداً في مهمة رسمية من قبل دولة ليست طرفاً في النزاع بوصفه عضواً في قواتها المسلحة". فالمرتزق رجل عسكري محترف مأجور, يُقاتل لصالح أي دولة أو شعب, وذلك مقابل الحصول على عائد مادي, دون النظر إلى المصالح والقضايا السياسية والإنسانية، وهو في هذا يختلف تماماً عن المتطوع في أعمال الحماية المدنية الذي يُقدم عملاً تبرعياً من ناحية، كما أن هذا الأخير يؤمن بقضايا إنسانية ودينية تدفعه إلى الإخلاص في العطاء ابتغاء وجه الله تعالى, والحصول منه على الثواب من ناحية أخرى؛ وهذا على عكس المرتزق الذي لا يؤمن بأية قضايا إنسانية ودينية, بل إن كل ما يهمه هو الحصول على المال مقابل الاشتراك في الأعمال القتالية الدائرة لمصلحة الطرف الذي استأجره. أما من حيث حقوق المرتزقة, فإن قواعد القانون الدولي تُميز بين المحاربين وغير المحاربين: فالمحاربون يكون لهم وحدهم الحق في مقاومة الأعداء والقيام بأعمال هجومية, وفي المقابل يتمتعون عند أسرهم بمعاملة أسرى الحرب؛ أما غير المحاربين فليس من حقهم الاشتراك في أعمال هجومية, وفي المقابل يتمتعون بحماية خاصة. ولهذا فقد حددت المادة (4) من اتفاقية جنيف الثالثة المؤرخة في 12 آب (أغسطس) 1949هـ، فئات الأشخاص الذين يجب أن يُعاملوا معاملة أسرى الحرب، وهم: أفراد القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع والميليشيات أو الوحدات المتطوعة التي تشكل جزءاً من هذه القوات؛ وأفراد الميليشيات الأخرى والوحدات المتطوعة الأخرى؛ وأفراد القوات المساحة النظامية الذين يُعلنون ولاءهم لحكومة أو سلطة لا تعترف بها الدولة الحاجزة؛ والأشخاص الذين يرافقون القوات المسلحة دون أن يكونوا في الواقع جزءاً منها, كالأشخاص المدنيين الموجودين ضمن أطقم وأفراد وحدات العمال أو الخدمات المختصة بالترفيه عن العسكريين؛ وأفراد الأطقم الملاحية التابعة لأطراف النزاع؛ وسكان الأراضي غير المحتلة الذين يحملون السلاح من تلقاء أنفسهم عند اقتراب العدو لمقاومة القوات الغازية, شريطة أن يحملوا السلاح جهراً وأن يراعوا قوانين الحرب وعاداتها. ويتضح من هذا أن الاتفاقية لم تُشر صراحة إلى المرتزق؛ فلم تعتبره من أسرى الحرب, ومن ثم فإنه لا يتمتع بأي حماية قانونية يُقررها القانون الدولي لأسرى الحرب. ولهذا فإن البروتوكول الأول الملحق باتفاقية جنيف, والصادر عام 1977, قد نص صراحة في المادة (47/1) على أنه:" لا يحق للمرتزق التمتع بوضع المقاتل أو أسير الحرب". وإذا كان هذا هو الوضع القانوني للمرتزق والمتمثل في حرمانه من التمتع بحماية القانون الدولي الإنساني، فإن هناك من يتمتع بوضع قانوني أسوأ من ذلك وهم أولئك الذين يلتحقون ببعض القوات المتحاربة بدعوى الجهاد في سبيل الله، ويمارسون أعمالاً حربية واستشهادية في صفوف تلك القوات، كما أن هناك بعض الفئات التي منحتها قواعد هذا القانون حماية قانونية فاعلة مثل الإعلاميين كالصحافيين والمراسلين لوكالات الأنباء وغيرهم، ما يتطلب توضيح وضعهم القانوني أثناء ممارستهم مهامهم وقت النزاع المسلح، وهو ما نتناوله في مقالات لاحقة ـ إن شاء الله تعالى.
إنشرها