أنظمة عقارية تحدث تحولا نوعيا في القطاع

[email protected]

بصدور نظام التسجيل العيني للعقار، يشهد قطاع العقار في السعودية نقلة نوعية وتطورا غير مسبوق، لا سيما أن القطاع ظل يعاني لفترة طويلة من الوقت غيابا للتشريعات والقوانين المنظمة لتعاملات الأفراد، ما انعكس بشكل سلبي للغاية على أداء القطاع ونموه.
تأتي أهمية إقرار نظام التسجيل العيني للعقار، لكونه سيعمل على القضاء على العديد من السلوكيات الخاطئة التي كانت تمارس في الماضي بقطاع العقار من قبل بعض المتعاملين، التي لعل من أبرزها التعديات على الملكيات العقارية العامة والخاصة، مما أحدث تشوهات ملحوظة في السوق أدت إلى زعزعة ثقة المستثمرين بأحد أكبر الأسواق على مستوى المنطقة العربية، إذا يقدر حجم السوق بنحو 1.4 تريليون ريال سعودي ويتوقع له أن يستوعب خلال السنوات القليلة المقبلة استثمارات تقدر بنحو ثلاثة مليارات ريال سعودي.
تجدر الإشارة إلى أن إطلاق نظام التسجيل العيني للعقار، في مدينة "حريملاء" شمال منطقة الرياض، يأتي في إطار جهود الحكومة السعودية في المحافظة على حقوق المتعاملين في سوق العقار، لاسيما أن هذا التسجيل سيتحقق العديد من الفوائد، التي من بينها قوة إثبات التملك للعقار إلى جانب الصك الشرعي للعقار، هذا إضافة إلى إثبات الدقة العالية في ضبط المساحات والأطوال للعقار، مما سينعكس بشكل إيجابي على حفظ الحقوق والقضاء على المنازعات التي كانت تحدث في السابق نتيجة للتعديات.
من بين أبرز فوائد نظام التسجيل العيني للعقار كذلك، أنه سيعمل على إراحة القضاء والقضاة من كثرة المشاكل التي كانت تواجههم في الماضي بسبب عمليات التسجيل العيني للعقار بالشكل السابق، كما أن هذا النظام سيساعد على القضاء على حالات التعديات والاستيلاء على الأراضي، حيث سيكون الصك هو قوة الإثبات الشرعية للأرض والأساس في الحكم في ذلك، من بين الفوائد أيضاً، قدرة النظام على توفير الشفافية والمصداقية المرتبطة بتعاملات الأفراد بقطاع العقار، مما سيحقق العدالة بين المتعاملين من جهة، وسيقضي على انتشار الأحياء العشوائية، التي عادة ما تجلب معها العديد من المشاكل المتعلقة بالنواحي الأمنية والصحية بما في ذلك الخدمية.
يأتي كذلك إنهاء مجلس الشورى السعودي لدراسة وإقرار مواد مشاريع نظام التمويل العقاري، ونظام التأجير التمويلي، ونظام مراقبة شركات التمويل، ونظام الرهن العقاري المسجل، خطوة رائدة في سبيل تنظيم سوق العقار في السعودية، إضافة إلى تنظيم تعاملات الأفراد التي تتم بقطاع الإسكان، حيث إن هذه الأنظمة في مجملها ستعمل على تحييد المخاطر، المرتبطة بتعاملات الأفراد بقطاعي العقار والإسكان على حد سواء، لكون هذه الأنظمة ستتغلب على معظم العقبات، التي كانت تعترض طريق نمو القطاعين مثال ارتفاع الأسعار، وشح توافر المساكن، وإحجام الممولين والمستثمرين عن التوسع في تمويل الوحدات السكنية الخاصة بالأفراد.
إن إقرار مجلس الشورى للأنظمة العقارية الأربعة، وبالذات بالنسبة لنظام الرهن العقاري المسجل، سيعمل على إحداث التوازن الذي تنشده الدولة بين الطلب والعرض على الوحدات السكنية، وبالتالي القضاء على الفجوة الحالية الحاصلة بين الطلب والعرض على الوحدات السكنية، التي يقدر لها أن تصل إلى نحو 5.4 مليون وحدة سكنية بحلول عام 2020، لكون أن إقرار ذلك النظام قاصدا بذلك نظام الرهن العقاري المسجل، سيعمل على تحفيز المستثمرين في مجال التمويل العقاري من التوسع في منح قروض الإسكان بسبب أن النظام سيعمل على توفير الغطاء القانوني اللازم لحماية وصيانة حقوق المستثمرين في القطاع، كما أن تلك الأنظمة في مجملها وفق تصريح الدكتور أسامة أبوغرارة رئيس اللجنة المالية في مجلس الشورى الذي نشر في جريدة "الاقتصادية" في العدد 5376، ستعمل على تحسين مستوى حماية المستهلكين، بما توفره من شفافية كبيرة في تسعير المنتجات، التي تقدمها شركات التمويل العقارية للمواطنين، مما سيمكن المواطن المفاضلة بين المنتج والآخر، وهذا بدوره سينعكس إيجابياً على أسعار التمويل.
خلاصة القول، أن الأنظمة العقارية الجديدة، التي تم إقرارها أخيرا، من قبل وزارة الشؤون القروية والبلدية بالنسبة لنظام التسجيل العيني للعقار، والأنظمة العقارية الأربعة الأخرى التي تم التصويت عليها من قبل مجلس الشورى السعودي، مثال نظام الرهن العقاري المسجل، جميعها يتوقع لها في حالة تطبيقها بالكامل، أن ترتقي بأداء قطاعي العقار والإسكان في المملكة لكونها جميعا ستعمل على الحفاظ على حقوق المتعاملين في هذين القطاعين، كما أنها ستشجع على تدفق الاستثمارات المحلية والأجنبية في مجال القطاع العقاري وقطاع الإسكان، ما سينعكس إيجابياً على القضاء على أزمة الإسكان، التي تعاني منها المملكة العربية السعودية، بسبب الفجوة الكبيرة الحاصلة في الوقت الحاضر بين الطلب والعرض على الوحدات السكنية، ولكن في رأيي حتى يتسنى لتلك الأنظمة تحقيق الأهداف المرجوة منها، لابد من الإسراع في خطوات التنفيذ بعيدا عن البيروقراطية، بما في ذلك استصدار التشريعات والقوانين اللازمة المساندة لتفعيل التنفيذ، بما في ذلك إعداد الكوادر البشرية الوطنية المؤهلة، للتعامل مع هذه النقلة النوعية الكبيرة التي يشهدهما قطاعا العقار والإسكان في السعودية، كما أن الأمر يستلزم استحداث سوق عقار أولية وثانوية لتبادل الوحدات السكنية المرهونة بيسر وسهولة، مع ضرورة التنسيق الحثيث في ذلك مع كل من الهيئة العامة للإسكان وصندوق التنمية العقاري، حيث يكونا ذراعين وعاملين مساندين وداعمين لهذه النقلة النوعية غير المسبوقة، وكما أسلفتهما اللتان يشهدهما قطاعا العقار والإسكان بالمملكة، والله من وراء القصد.

مستشار وكاتب اقتصادي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي