تداعيات تعثر جولة الدوحة على اقتصاديات الخليج
تخسر دول مجلس التعاون الخليجي بعض الشيء من تعثر مفاوضات جولة الدوحة. يذكر أن المفاوضات انطلقت من العاصمة القطرية في نهاية عام 2001 لغرض تعزيز عملية تحرير التجارة و الانفتاح الاقتصادي بين الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية. تضم المنظمة 150 عضوا بينها جميع دول مجلس التعاون الخليجي بلا استثناء. وقد حاول وزراء أكثر من 30 دولة إحراز تقدم عبر مفاوضات ماراثونية في تموز (يوليو) الماضي مستفيدين من الفترة المتبقية من ولاية الرئيس الأمريكي جورج بوش.
يعرف عن إدارة بوش (وهي إدارة جمهورية يمينية محافظة) ميلها للتجارة الحرة. لكن قد يحدث تراجع في الموقف الأمريكي في حال سيطرة الحزب الديمقراطي على البيت الأبيض فضلا عن الكونجرس في انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. يسيطر أعضاء الحزب الديمقراطي في الوقت الحاضر على الكونجرس بزعامة نانسي بلوسي.
خلافات جوهرية
تتمثل نقاط الخلاف الجوهرية بين التكتلات الرئيسة في مفاوضات الدوحة حول قضيتين تحديدا، الدعم الأمريكي للقطاع الزراعي و الضرائب الجمركية التي تفرضها بعض الدول النامية على الواردات الزراعية. تقدم الولايات المتحدة شتى أنواع الدعم لمزارعيها تشمل ضمانات شراء من الحكومة الفيدرالية فضلا عن التسهيلات الائتمانية المقدمة من بنك الصادرات والواردات الأمريكي للدول الراغبة في شراء المنتجات الزراعية الأمريكية.
يمثل الدعم الأمريكي خسارة للدول النامية، حيث تحرمها من فرص تطوير القطاع الزراعي في بلدانها نظرا لوجود البديل الأمريكي الذي بدوره يعتمد على أحدث وسائل التقنية وشروط الصحة فضلا عن التسهيلات الائتمانية الممنوحة للدول الراغبة في الاستيراد من أمريكا. بدورها تطالب الولايات المتحدة بالحد من الضرائب المفروضة على الواردات الزراعية (ما يعني فتح الأسواق) أمام منتجاتها أو ما تسميه بحق الوصول للأسواق الأخرى وخصوصا للاقتصاديات الصاعدة مثل الهند والبرازيل. تفرض بعض الدول النامية الكبيرة ضرائب على الواردات الزراعية تصل لنحو 65 في المائة بحجة حماية منتجاتها الزراعية المحلية من المنافسة الأجنبية المدعومة.
خيبة أمل
اشتهرت دول مجلس التعاون الخليجي (باستثناء السعودية لفترة زمنية) بعدم استثمارها أموالا ضخمة في القطاع الزراعي لأسباب موضوعية منها ندرة الأراضي الزراعية وشح المياه فضلا عن توافر البديل الرخيص نسبيا. لكن ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 75 في المائة منذ عام 2000 لأسباب مختلفة منها تداعيات ارتفاع أسعار النفط على تكاليف الإنتاج والشحن. وتكمن الأسباب الأخرى باتجاه مزارعين من أمريكا اللاتينية للوقود الحيوي بدل إنتاج الحبوب الأمر الذي أضر بالمخزون وبالتالي الأسعار.
في المقابل، زاد القلق في الآونة الأخيرة فيما يخص ضمان توافر الكميات المطلوبة من المواد الغذائية ما دفع ببعض الدول مثل: السعودية والإمارات بالتفكير في الاستثمار في أراض زراعية في الخارج وخصوصا السودان ومصر وباكستان. على سبيل المثال، لدى الإمارات مشروع لتطوير 70 ألف فدان في السودان وتدرس إمكانية شراء أكثر من 100 ألف فدان من الأراضي الزراعية في باكستان. بمعنى آخر، تعد أزمة الغذاء مسألة مستعصية لأنها تعاني ارتفاع الأسعار وضمان العرض.
وكانت السعودية قد بذلت جهودا مضنية للانضمام لمنظمة التجارة العالمية (أصبحت عضوا في عام 2005) أملا منها في الحصول على مزايا من العضوية. وقد اتخذت السلطات السعودية سلسلة إجراءات لغرض الحصول على العضوية بما فيها تحرير العديد من القطاعات أمام المنافسة الأجنبية وخصوصا قطاع الخدمات المالية.
خطر الاتفاقيات الثنائية
يمثل شبه انهيار مفاوضات جولة الدوحة المتعددة الأطراف خسارة للدول النامية ومنها دول مجلس التعاون لأنها ستدفع باتجاه إبرام المزيد من الاتفاقيات الثنائية وليست الجماعية الأمر الذي يخدم مصالح الاقتصاديات الكبيرة، حيث بمقدورها فرض شروطها على الاقتصاديات الصغيرة نسبيا. تحصل الاقتصاديات الرئيسة في العالم مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان بموجب الاتفاقيات الثنائية على فرص لفرض شروطها وذلك استنادا إلى قوة اقتصادها. يعد الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي الأكبر في العالم على الإطلاق لكن تعتبر مجموعة الاتحاد الأوروبي والتي تضم 27 بلدا أكبر تكتل اقتصادي في العالم.
فقد وافقت البحرين على الشروط الأمريكية بخصوص الملكية الفكرية كشرط لدخول اتفاقية التجارة المبرمة بين الطرفين حيز التنفيذ. وقد عمدت السلطات البحرينية على تعديل واستصدار ثمانية قوانين تتعلق بأمور مثل حقوق المؤلف والعلامات التجارية نزولا عند رغبة واشنطن. وعليه دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في بداية آب (أغسطس) من عام 2006 أي بعد نحو سنتين على إبرامها.
ختاما تبعث قضية تعثر مفاوضات جولة الدوحة برسالة سلبية فيما يخص حدوث تعاون أممي لحل بعض القضايا المستعصية مثل أزمة الغذاء. لا شك أنه أمر غير معقول عدم قدرة الدول المعنية بالأمر بوضع خلافاتها على طرف وتحمل مسؤولياتها الدولية بوضع نهاية سعيدة لجولة الدوحة. وليس من المستبعد أن يحدث تراجع نسبي لدور منظمة التجارة العالمية في حال فشل مفاوضات جولة الدوحة ما يعني إطلاق العنان للاتفاقيات الثنائية والإقليمية على حساب العقود الدولية.