هل قبول مزيد من الطلاب في مصلحة الجامعات؟
في هذه الفترة من كل عام تتعرض الجامعات لضغط شعبي كبير تواكبه حملة إعلامية لقبول مزيد من الطلاب، وذلك لحل مشكلة قائمة بالفعل وهي تزايد خريجي الثانوية العامة. وأصبحت هذه المشكلة الاجتماعية قائمة في أغلب البيوت، ولا بد من إيجاد حل لها. فيصبح الحل الجاهز السريع: الضغط على الجامعات لقبول هؤلاء الطلاب والطالبات وتخليص العائلات، ومن ثم المجتمع من هذه المشكلة.
أود هنا مناقشة هذا الموضوع بعقلانية ودون التأثر بالعاطفة قدر المستطاع. للجامعة حسب التقسيم الكلاسيكي ثلاثة أهداف رئيسية: التعليم، والبحث العلمي، وخدمة المجتمع، ولكي تكون الجامعة ناجحة فإنها يجب أن تراعي هذه الأجنحة الثلاثة وتقوم بواجباتها على أفضل وجه ممكن. ولكن حين تقبل الجامعات أكثر من طاقتها فإنها تضحي في سبيل ذلك بجودة التعليم، وتكرس جهودها لتقديم تعليم منقوص، حيث لا يمكن الوفاء بحقوق التعليم في قاعات مكتظة، وتخل بجناح البحث العلمي حين تضغط على الأستاذ الجامعي بزيادة ساعات التدريس، وإدراج ساعات إضافية على كاهله. ويلزم الأستاذ بتدريس خمس أو ست مواد في الفصل الدراسي الواحد، في حين أن الجامعات المرموقة لا تزيد حصة الأستاذ فيها على مادتين في كل فصل دراسي. وتصبح خدمة المجتمع (التي قد يرى البعض أن قبول هؤلاء الطلاب إحدى ركائزها) ضعيفة فلا تقدم الجامعة مزيد خدمات لما هو خارجها لانشغالها بما هو داخلها.
يستغرب كثيرون من تردي وضع الجامعات السعودية في التصنيفات العالمية، في حين أننا نسهم في الحد من كفاءة الجامعات ثم نستغرب حين تخرج نتيجة ذلك. تعتمد التصنيفات العالمية على نسبة الأساتذة للطلاب، وقدرة المباني على تحمل الأعداد بداخلها، والإنتاج العلمي والبحثي لأعضاء هيئة التدريس، وميزانية الجامعة مقسومة على عدد الطلاب، وغيرها من المعايير. كيف يا ترى نستطيع المنافسة في هذه التصنيفات العالمية إذا كنا نكتف أيدي الجامعات بمزيد من الطلاب؟
حين تقبل الجامعات أعداداً تفوق قدرتها الاستيعابية فإنها تضحي بنوعية التعليم وجودته، ولا يمكن بحال أن يدرس في قاعة تحتوي على 35 طالباً (وهذا هو العدد الأمثل للقاعات الجامعية) بالطريقة نفسها التي يدرس بها في قاعة تحتوي على 150 طالباً أو أكثر. فحجم التركيز على الطلاب، وإعطاء كل طالب الفرصة للمداخلة والسؤال والنقاش تقل بمراحل كثيرة حين يزيد الطلاب في القاعة، ولهذا السبب أدرج هذا المعيار في التصنيفات العالمية، لأهميته في قياس الأداء العلمي للجامعات، واستفادة الطلاب من المحاضرات.
يؤدي قبول مزيد من الطلاب إلى تردي المستوى العلمي للمحاضرات، ومن ثم تخريج أعداد كبيرة من العاطلين لأن سوق العمل لا يستوعبهم، وسوق العمل غير ملزم باستيعاب أعداد متراكمة من الطلاب الضعفاء علمياً، غير القادرين على المنافسة الحقيقية. لأن تخرج الجامعة ألف طالب متميز خير لها ولنا من تخريج عشرة آلاف عاطل. بل إننا أثرنا في الطالب المتميز حين "حشرناه" في قاعة واحدة مع عشرات الطلاب الضعفاء، وأضعنا عليه فرصة التميز الحقيقي، فيتخرج واحد من هؤلاء الطلاب المتردين.
حين يضغط الشارع والإعلام على الجامعات لقبول مزيد من الطلاب، فإنهم في الحقيقة يريدون أن يتخلصوا من المشكلة ويرمونها في أحضان الجامعات، ولكن الذي يحصل هو أنهم أجلوا التعامل مع المشكلة لمدة أربع سنوات. وتصبح الجامعة حاضنة لهؤلاء الطلاب لفترة معينة ثم تعيدهم لعائلاتهم بمزيد من الشكوى، وتفاقم لمشكلة البطالة، أو البطالة المقنعة ثم نستغرب أن يوجد خريجو جامعات عاطلون، أو يعملون في وظائف أدنى من مستوى الخريج الجامعي.
لا بد أن أقولها صريحة: الجامعات ليست للجميع. والدخول فيها يجب أن يكون تنافسيا، وبشكل قاسٍ أحيانا، لضمان التميز العلمي، والجودة الحقيقية للتعليم. بقية خريجي الثانوية يمكن أن يتوجهوا للكليات التقنية أو المعاهد العليا، أو كليات المجتمع، أو خلاف ذلك. قبلت الجامعات هذه السنة 88 في المائة من خريجي الثانوية في الجامعات. ويشير معهد مانهاتن الأمريكي لدراسات سياسة التعليم إلى أن نسبة الطلاب الذين تهيئهم قدراتهم للدخول في الجامعات لا تتجاوز 32 في المائة من مجموع خريجي الثانوية العامة في الولايات المتحدة.
إن تزايد الضغط على الجامعات ينتج عنه جامعات تكاد تكون امتداداً للثانوية، يمكث الطلاب والطالبات فيها أربع سنوات ليعودوا ويواجهوا المشكلة من جديد.