سويس آسيا: مضيق ملقا .. لمن يعود؟
قضية الأمن في مضيق ملقا، وهو خط بحري استراتيجي للاتصال، ذو أهمية كبيرة لدوله الساحلية والتجارة العالمية، موضوع له الحق في السيطرة على الانتباه العالمي.
وهو كممر بحري رئيس يحاذي ثلاث دول ـ وهي بالتحديد: ماليزيا، إندونيسيا، وسنغافورة ـ يمثل الشريان المهم الذي ييسر التجارة بين المحيطين الهندي والباسيفيك، وهي حقيقة تجعل مساهمة هذا الممر المائي للتجارة الدولية مساهمة هائلة.
ومع هذا، فإنه سبب للقلق للدول الساحلية بأن التصور الدولي يأخذ في الغالب سابقة في خطاب حماية المضيق وإدارته والحفاظ عليه وفق آراء ومصالح الدول الساحلية والمجتمعات الواقعة في أكنافه.
والمجتمع الدولي ناقش الموضوع بإخلاص، وشكل رأيا عاماً من منظور التهديد الثنائي الذي تمثله القرصنة والإرهاب، بينما تجاهل الوجوه الأخرى للهواجس وأبعادها والتي تواجهها الدول الساحلية. وشوهد ذلك في الطريقة التي تنظر بها إلى الأمن في المضيق منذ حادثة الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) فالسابق أوجد مركز دراسة للقرصنة في بعض المؤسسات الفكرية في جنوب شرق آسيا.
وأسفر التركيز الكثير جداً على التهديدات المحتملة في المضيق باستخدام منظور ما بعد الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) عن تقييم مقلوب للقضايا الأمنية التي تخص هذا الممر المائي. وتم تضخيم الانتباه الدولي للقرصنة، وهي ظاهرة عمرها جيل في مياه المنطقة، منذ الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، لكن انتباهاً ضئيلاً أعطي لمعرفة الأصول الاجتماعية الاقتصادية للقرصنة، والاضطراب السياسي الذي يخلق التهديد.
وشبيهاً بذلك فإن الإرهاب يشمل بعداً أكثر تعقيداً يحتوي على عناصر مثل الدين والأيديولوجية السياسية والسيادة والسياسة الخارجية. ولم يكن هنالك أي معلومات موثوقة توحي بأن تهديد الإرهاب في المضيق وبمحاذاته كان وشيكاً.
إن القرصنة والإرهاب مختلفان تماماً وفق التعريف القانوني ووفق أهدافهما وطريقة عملهما والمنفذين المعنيين. ولهذا فإن من غير المناسب أن نشير إلى أن هنالك ميلاً مستمراً لربط الأمرين حين لا يكون هناك أي رابطة ثابتة بين القراصنة والإرهابيين. والاعتقاد الخاطئ بأن القراصنة والإرهابيين يعملون بانسجام يفشل في ملاحظة الدوافع المتناقضة جداً لجرائمهم. وهذا الفرضيات الخاطئة استخدمت بشكل روتيني في تقييم ما يشكل أكبر تهديد في المضيق. ولا عجب عندئذ بأن الخطابة حول مواجهة التهديد الذي يواجهه المضيق تفشل في مخاطبة تهديدات أوضح ومخاطر حالية.
إن كثيراً من الجهود التي تبذل في المضيق منذ الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، للتخفيف من التهديدات للأمن قد دار حول التصدي للتهديدات الفردية والمجتمعة للأمرين، رغم حقيقة أن حالات القرصنة في المنطقة في تراجع شديد ولم يحدث فيه حتى الآن أي هجوم إرهابي وحيد. وهذا يحول الأنظار والموارد القيمة بعيداً عن قضايا أكثر إلحاحا مثل حجم الحركة المتزايدة ومخاطر التلوث المتزايدة في المضيق والتي يمكن أن تشكل تهديداً خطيرا للدول الساحلية.
إن هذه الحالة لا تساعد الدول الساحلية، التي التزمت بموارد غير مناسبة لتأمين طريق البحر، دون الكثير من المساعدة من جانب المجتمع الدولي الذي يستفيد كثيراً من الطريق المجاني الذي يوفره المضيق. ومن المتوقع أن تحمي الدول الساحلية سلامة السفن في الممر المائي في كافة الأوقات، ومع ذلك فإن القليل تم تقديمه على شكل مساعدة مالية وفنية من جانب مستخدمي المضيق، لمساعدة البلدان السابقة - والتي تشمل البلدان النامية التي لديها مخاوف أكثر إلحاحاً ـ للمحافظة على المضيق وإدارته.
من هنا تكمن الحاجة في التأكيد على الأمن في المضيق لكي يتم تحويله بعيداً عن تهديد قرصنة الإرهاب إلى أمن أوسع نطاقاً. وبداية، فإن التهديد المنبعث من حركة السير المتزايدة في المضيق يجب أن تعطى اهتماماً أكبر. وتواجه الدول الساحلية تحدياً دقيقاً يتمثل في تزايد عدد السفن التي تستخدم المضيق، التي تتألف من سفن أكبر على نحو متزايد تحمل شحنات أكبر حجماً وتنوعاً. وأي حادثة شحن رئيسية في القناة من شأنها أن تسبب آثاراً اقتصادية معاكسة، ليس فقط على المجتمع الدولي، وإنما أيضاً على مواطني الساحل، حيث يعتمد الكثير منهم بقوة على سلامة الممر، والسلامة البيئية للمضيق من أجل كسب معيشتهم.
ثمة المزيد من الحاجة إلى المساعدة والتعاون في مجالات مثل تحسين سلامة الملاحة، وزيادة الطاقة التشغيلية، ومنع التلوث ـ وهي نواح ذات أولوية قصوى للدول الساحلية. ويجب التأكيد على المجتمع الدولي بأن القرصنة، وتهديد الإرهاب المتخفي على نحو أكثر، هما كل ما يتعلق بالأمن في المضيق.
إن توسيع نطاق الحوار بشأن الأمن في المضيق من شأنه أن يساعد على ترتيب أولويات الجهود، ويؤدي إلى الاستغلال الأفضل للموارد بناء على حلول عملية لمعالجة المخاطر الأمنية في المضيق، وفقاً لاحتمالات حدوثها وتأثيرها المحتمل. وإن المبادرة بشأن الحوار الأمني في المضيق يجب أن توجهه الدول الساحلية دون تدخل خارجي، من شأنه أن يكون منحازاً لمصالحه الخاصة. وإن نطاق الحوار حول الأمن في هذه الطائرة المائية يجب أن يتسع ليشمل أنواعاً أخرى من التهديدات الأمنية، وألا يكون مقتصراً بسبب الحدود الضيقة لقوقعة الأمن المعروفة التي حددها أولئك الذين لديهم أجندات ذات بعد واحد، حيث إن الانشغال العام المحيط بالقرصنة والإرهاب ليس واضحاً كما كان في أعقاب الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، وبرامج المؤسسات الفكرية الإقليمية حول القرصنة مملة بشكل فعال، ثمة فرصة فرضت ذاتها لكي تقوم الدول الساحلية مثل ماليزيا، وإندونيسيا، وسنغافورة، بتقرير ما يجب أن يحدد الأمن في مضايق ملقا.