الإعلام الرسمي السعودي يتفوق على الإعلام الآخر!!!
مراقبة الإعلام بشكل عام، والمتخصص منه بشكل خاص، من أمتع المهام لمن لديه الوقت الكافي لتلك المهمة، وأنا لا أملك هذا الوقت ولكن بحكم طبيعة العمل والتخصص، أجد نفسي مأخوذا بضرورة أخذ جزء من الوقت لمراقبة الإعلام الاقتصادي تحديداً سواء المكتوب منه أو المشاهد. وأنا هنا لا أتحدث عن كل الإعلام ولكن عن الإعلام الإخباري والبرامج الهادفة (ليس من ضمنها برامج التسلية). وقد حاولت في الفترة الماضية تحديداً مراقبة القنوات الفضائية السعودية ومقارنتها الإعلام الخاص ذي الطابع الإخباري والاقتصادي على وجه التحديد بعد أن كثر الحديث عن برامج معينة تقدم عبر القنوات السعودية التلفزيونية. وأؤكد هنا أني لا أقصد كل القنوات الفضائية حيث يوجد في سماء الإعلام العربي أكثر من 500 قناة أو أكثر كما يقال! وبالتالي لا يمكن لأحد مراقبتها. ووجدت عددا من الفوارق التي يبدو أنها بطريقها للاتساع والتوسع نتيجة أزمة فكر لا أزمة قدرات أو إمكانيات.
بطبيعة الحال الإعلام الخاص "يفترض" أنه يملك كل الإمكانيات المادية وبالتالي يستطيع توفير الكفاءات البشرية اللازمة لطبيعة العمل. كذلك لديه كامل "الحرية" أيضا "افتراضاً" كما يحاول الإعلام نفسه إقناعاً بتوافر تلك الحرية له لقول ما يشاء. حرية الرأي والرأي الآخر. ولكن لا ننسى في المقابل أن هناك تعريفاً للإعلام عموماً يحدد إطار وأهداف ذلك الإعلام. وإذا ما أخذنا تعريف "الإعلام الاقتصادي المتخصص" على سبيل المثال لا الحصر نجد حسب دراسة للدكتورة منى تركي الموسوي والدكتورة رعد جاسم الكعبي. "أنه هو الإعلام المعني أساساً بمعالجة الأحداث والتطورات الاقتصادية بجوانبها المختلفة والهادف إلى التأثير في مسارات التطور والتغيير في الحياة الاقتصادية بما يعبر عن أفكار القوى التي تمتلك هذا الإعلام أي كانت وتوجيهه بما يخدم مصالحها". ويلاحظ في آخر التعريف التركيز على أن "الإعلام" هو عموماً يمثل تعبير عن أفكار "قوى" تمتلك هذا الإعلام "أي كانت" تلك القوى وتوجيهه بما يخدم مصالحها! وهنا بيت القصيد ومربط الفرس كما يقال.
وعليه نجد أن مئات علامات الاستفهام تثار حول الإعلام الخاص بالذات فيما يخص "الملكية" وفيما يخص "المحتوى" وفيما يخص "الفكر المسيطر عليها" وفيما يخص "تمويل" هذا الإعلام! هل توجد أموال غير نظيفة يتم ضخها في هذا الإعلام؟ هل توجد أهداف خاصة للممولين؟ ما تلك الأهداف؟ ولماذا تمول قنوات معينة ولا تمول أخرى؟ وما ضريبة هذا التمويل في قيادة الرأي العام العربي من خلال هذا الإعلام إن وجد؟ حتى نجد أن بعض تلك القنوات ولكون أحد قيادييها أو غالبيتهم من جنسية معينة، نجد أنها أصبحت مسوقا "مجانيا" لهذه الجنسية ومشكلات بلدها دون غيره من البلاد العربية وبشكل شبه استثنائي!
لن أناقش المزيد فما في الحلق أكثر من ذلك، ولكن والكثير منا تحدث عن الإعلام الغربي وسيطرة اللوبي الصهيوني عليه؟ بحيث أصبح ذلك شبه شماعة لكل منا عندما يتجاوز الحدود! سؤالي غير البريء هو هل هناك لوبيات مسيطرة على الإعلام الآخر العربي غير الرسمي؟ وما أهدافها إن وجدت؟ وما موقف الإعلام العربي من الدخول القوي للإعلام الغربي "المعرب" بشكل مباشر إلى كل بيت عربي؟
يلاحظ في السنوات القليلة الماضية أن باقة القنوات الرسمية السعودية تحديداً سجلت نقلة نوعية كبيرة في المضمون والمحتوى وكذلك في الظهور والحضور الإعلامي كمنافس للإعلام الآخر استشعارا على ما يبدو للمنافسة المقبلة ليس من الإعلام العربي "الخاص" وإنما من الإعلام الغربي "المعرب"! وهي أمور تحسب لصالح وزارة الإعلام مع إقراري بأمنياتي بأن لا تكون لدينا في الوطن العربي وزارات إعلام ولا ثقافة. ولكن طبيعة الأمور تتطلب ذلك ونحن بحاجة إليها حتى إشعار آخر. هذا الحضور كما قلنا شمل الكم والنوع وفي أهم النقاط تشجيع فكر المحاسبة وتحديد المسؤوليات بشكل حواري عقلاني ومهني من خلال برامج معينة هادفة وشائقة في الوقت ذاته وكذلك عبر تغطيات جيدة نوعاً ما مع حداثة التجربة.
في كل الأحوال أنا شخصياً أثق بالقنوات السعودية وأعتقد أنها تعطينا الكثير من الإجابات عن أسئلتنا كمواطنين أكثر من غيرها. والجهود المبذولة من الطاقم الإعلامي واضحة. كل ما أتمناه على وزارة الإعلام أن تستثمر في شبابنا الإعلامي الطموح بشكل يجعلهم عونا لتطلعات القيادة في تنمية الفكر العام والرقي في الخطاب وكذلك في تعظيم أسلوب المحاسبة للقطاع العام والخاص وكشف ولو جزء بسيط من الفساد المستشري في فواصل وعظم الاقتصاد وهو ما ينخر فيه ويقتل كثيرا من المبادرات الممتازة سواء على المستوى الحكومي أو المستوى الخاص. كما أتمنى أن يساعد الإعلام على تحديد أوجه القصور إن وجدت وتعظيم الإيجابيات دون تهويل أو تطبيل. خصوصا ونحن ندخل مرحلة من التطور الاقتصادي لم تشهدها المملكة وهي الانفتاح شبه الكامل والذي بحاجة إلى الإعلام القوي القادر على أن يكون فعلا السلطة الرابعة بمعنى الكلمة. داعماً مؤسسات المجتمع المدني في محاسبة المقصرين ورفع الوعي الثقافي في كل الشؤون العامة وبالذات الشأن الاقتصادي للمواطن السعودي والعربي عموماً حتى لا يكون لقمة سهلة للرأسمالية المتوحشة.